• بعض المتنفذين الأمريكيين يقترحون قصف غزة بالقنابل النووية لأنهاء الحرب كما قصفت واشنطن هيروشيما وناغازاكي
الإعلام الأمريكي هو أحد أسباب العلة
حتى لا ننساق -نتيجة ظواهر إيجابية في المجتمعات الغربية- إلى اعتبار مظاهر الاحتجاج تمثل غالبية الشعوب الغربية وخاصة الشعب الأمريكي المريض، ونقصد هنا تحديدا الاعتصامات الطلابية في الولايات الأمريكية وبعض الدول الأوربية، وهي تعبير إنساني رائع لدعم الفلسطينيين في غزة، ينال نصيبا واسعا من الانتقادات في وسائل الإعلام الأمريكية، ولكن علينا ألا ننسى أن هناك مظاهرات مناوئة لهذا الحراك تحظى بالدعم من وسائل الإعلام الأمريكية والغربية، وأن الأجهزة السلطوية حيث صنع القرار تقف بقضها وقضيضها مع إسرائيل، ورغم ظهور حالات رفض لهذه السياسة، لكنها حالات فردية لا تشكل ظاهرة حتى وإن كانت جامحة كالطيار الأمريكي “أرول بوشنيل” الذي أحرق نفسه أمام مبنى السفارة الإسرائيلية في واشنطن احتجاجا على حرب الإبادة في غزة، وكذلك استقالة الضابط “هاريسون مان” وهو برتبة رائد في وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية احتجاجا على سياسة بلاده تجاه الحرب في غزة، والتي تعبر عن دعم كامل غير مشروط لإسرائيل التي تقوم بقتل وتجويع عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء، واستقال قبل أشهر مسؤول نقل الأسلحة إلى إسرائيل في الخارجية الأمريكية “جوش بول” احتجاجا على مد إسرائيل بأسلحة القتل التي تستخدم ضد الشعب في غزة، وكل هذه الأعمال تستحق الشكر والتقدير، ولكنها لا تمثل للأسف مشاعر ومواقف غالبية الشعب الأمريكي الذي غسلت دماغه الدعاية الصهيونية في جميع وسائل الإعلام، ما يعني أن القسم الأكبر من الشعب الأمريكي بحاجة إلى علاجات حقيقية، فقد بات مريضا حقا كما كان الشعب الألماني إبان هتلر الذي تجاوب مع توجهاته العنصرية النازية، نعم وقفَ معظم الشعب الألماني مع هتلر نتيجة الدعاية المذهلة للتفوق العرقي آنذاك.
الديمقراطية الأمريكية مجرد قناع
التبجح بالتوجهات الديمقراطية والإنسانية في الولايات المتحدة أشبه بثوب شفاف يستطيع أصحاب النظر الثاقب خلاله رؤية جسم الوحش الذي يخفيه، فقد وصل الأمر بالسيناتور الأمريكي ليندسي غراهام أن طالب عمليا بأن تقصف إسرائيل غزة بالقنابل النووية، كما فعلت أمريكا في اليابان، مذكرا بأن الولايات المتحدة بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها في بيرل هاربور “1” قررت إنهاء تلك الحرب بقصف هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النووية، ويضيف السيناتور الأمريكي بأن ذلك القرار كان صائبا! وطالب بإعطاء إسرائيل القنابل التي تريدها لإنهاء الحرب، ومن ثم يشرح الموقف الرهيب بقوله: لماذا يمكن قبول أن تقصف أمريكا هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النووية لإنهاء الحرب إذن؟ لماذا كان من المناسب لنا أن نفعل ذلك؟ ويطلب من إسرائيل والحال كذلك أن تفعل كل ما عليها القيام به لكي تبقى كدولة يهودية أي أن تقصف غزة بالنووي … قمة الإنسانية ألإنسانية كذلك؟ ألا يذكر ذلك تماما بمقالة نشرتها ماتريوشكا نيوز للدكتور أيمن أبو الشعر قبل يومين بعنوان “عذر أقبح من ذنب” حيث تناول فيه تصريحات رئيس الأركان الأمريكي السابق ميلي حول تبرير أعمال إسرائيل الإجرامية بأن أمريكا أيضا قاتلة ومجرمة، فلماذا لا نبرر القتل الذي تقوم به إسرائيل، لكن ليندسي غراهام يقدم مقارنة مذهلة أمريكا قصفت المدينتين اليابانيتين بالنووي إذن هذا مبرر ومثال يحتذى، وعلى إسرائيل أن تقصف غزة بالسلاح النووي … مثل هذه التصريحات لو صدرت من شخصية عربية تجاه إسرائيل لقُدِّم فورا إلى المحكمة الدولية باعتبار تصريحاته إجرامية معادية للسامية! لكن مثل هذه التصريحات تُعبِّر أيضا عن الشعور بالقهر في الغرب لعدم تمكن أعتى قوة في العالم مع ربيبتها إسرائيل بالانتصار على الشعب الفلسطيني.
ضرورة غسيل الدماغ والدم الأمريكيين
مصطلح غسيل الدماغ يحمل البعدين السلبي والإيجابي، فإن كان بهدف إبعاد الفرد أو الجماعة عن القيم والأفكار الإنسانية الجميلة وإلغاء قناعاته المبدئية السامية يكون المصطلح سلبيا للغاية، وإن كان بهدف تنقية الدماغ من الأفكار الدنيئة والسيئة والقناعات الفوقية الإجرامية يكون إيجابيا وهو ما تحتاجه أمريكا نتيجة الإرث الاستعماري الفوقي عبر قرون، ويبدو أن هذا الطابع السلبي المعادي للإنسانية قد غدا داخل الدم الأمريكي، فحتى نشوء الشعب الأمريكي كان من خلال غزو القارة التي كان يقطنها الهنود الحمر، واستوطن الأمريكيون بلادهم وأزاحوهم وأبادوا القسم الأكبر منهم، تماما كما تحاول فعله إسرائيل الآن، ولهذا يبدو لا بد من عملية ” الديال” -2- بالمعنى الرمزي طبعا، فاقتراح قصف غزة بالنووي يدل على الانحطاط الأخلاقي الذي وصلت إليه رموز السلطة الأمريكية؟
هذا ناهيك عن التصريحات الرسمية التي تدافع عن إسرائيل بكل ما أوتي الأمريكيون من قوة وإمكانيات، فبمجرد أن اتخذت واشنطن قرارا متواضعا جدا في الإيقاف المؤقت لشحنة واحدة من الأسلحة الفتاكة، شعر المسؤولون الأمريكان بتأنيب الضمير فسارع وزير الخارجية الأمريكي بلينكن للتأكيد على أن الولايات المتحدة لم توقف تزويد إسرائيل بالذخائر الموجهة الدقيقة، ورغم إدانة شعوب العالم للإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني إلا إن للإدارة الأمريكية رأيا آخر، حيث أعلن جيك ساليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي أنَّ الولايات المتحدة لا تعتبر أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، ألا يتوضح بعد كل ذلك أن أمريكا مريضة تماما بحب إسرائيل؟ ومسألة الاختلاف حول اقتحام رفح هو خلاف في الشكليات لا الجوهر، لنتذكر أن الولايات المتحدة استخدمت الفيتو عدة مرات ضد وقف إطلاق النار في غزة ولكنها حين امتنعت عن التصويت على قرار وقف إطلاق النار في غزة ما دفع للمصادقة عليه سارعت فورا إلى التأكيد بأن هذا القرار غير ملزم لإسرائيل، وبالفعل لم توقف إسرائيل قصفها، ولم تقدم تسهيلات لمرور المساعدات الإنسانية التي باتت تتعرض للحرق أو السرقة من قبل المستوطنين الإسرائيليين، على أن لذبك بحث آخر.
“1” بيرل هاربور ميناء في جزر هاواي كانت فيه قاعدة بحرية ضخمة للقوات الأمريكية، وقد باغتها الطيران الياباني في ديسمبر عام 1941 وأغرق ودمر 21 سفينة و 188 طائرة وقتل وجرح قرابة 3700 عسكري أمريكي.
“2” تنقية الدم من الفضلات والمواد السامة والأملاح والتي لم تستطع الكلى فعله نتيجة القصور الكلوي.