• قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في غزة، وروسيا تمتنع عن التصويت، رغم أنها كانت دائما أول المطالبين بوقف إطلاق النار
يتساءل البعض لماذا امتنعت روسيا عن التصويت، وإن كانت ترفض محتواه لماذا لم تستخدم حق النقض الفيتو، أو التلويح به قبيل عرض القرار على التصويت؟ والجواب بكل بساطة لأنها لا تثق بهذا القرار كحل جيد للحالة التي وصلت إليها غزة، ولأنها تدرك جيدا أن إسرائيل لن تلتزم بهذا القرار، كما لم تلتزم بغيره إن كان يخالف ولو قليلا نهجها وتطلعاتها، وهذا معروف ومستنكر ومدان عبر تاريخها كله في العلاقة مع الأمم المتحدة.
ومع ذلك لنتعمق قليلا في محتوى القرار 2735 وحيثياته.
يتصدر القرار ترحيب باقتراح الهدنة الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن في 31 مايو الفائت، وهو يدعو إسرائيل وحماس معا إلى تنفيذ جميع شروط هذا القرار بدون تأخير، ويلفت النظر تلك الصيغة المخادعة التي تزعم أن إسرائيل راضية بهذا القرار، وذلك بالطبع لتوجيه اللوم لحماس، وكأن إسرائيل تسعى لحل الأزمة وهي موافقة على القرار، ولكن حماس تعيق أي تحرك نحو الحل!
ثم إن المقترح لا يشير أبدا إلى وقف الحرب بشكل كامل، ولا إلى انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة، ودعوته لوقف إطلاق النار هي في فترة زمنية لا تزيد عن شهر ونصف، وحتى الانسحاب فهو حسب القرار انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة أي بهذا المعنى ستبقى محاصرة، أخيرا وهذا أهم ما في الأمر أن القرار ليس تحت البند السابع، أي أنه عمليا غير ملزم، ولو عدنا إلى القرارات السابقة، فإن أمريكا نفسها توضح لإسرائيل أن القرار غير ملزم، بمعنى قولي للفلسطينيين أن ينقعوه ويشربوا ماءه! وقد سبق أن صدرت في الأشهر الأخيرة عدة قرارات من مجلس الأمن تدعوا جميعها بأشكال متباينة لوقف إطلاق النار كالقرار 2712 في 15 نوفمبر، والقرار 2720 في 23 ديسمبر، وكذلك القرار 2728 في 25 مارس الفائت، وجميعها تدعو لوقف إطلاق النار وجميعها رمتها إسرائيل في سلمة المهملات، وتابعت قصفها لغزة وقتل سكانها وتشريدهم حتى قبل أن يجف حبر تلك القرارات.
ورغم أن حماس طالبت دائما أن يكون أي اتفاق لوقف إطلاق النار مرهون بضمان نهاية الحرب، إلا أنها رحبت بالقرار الجديد، ومع ذلك أبقى الأمريكيون اتهام حماس بأنها لا تريد تنفيذه، وطالبوا حسب تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بلينكين الذي دعا دول المنطقة للضغط على حماس للقبول به، وليس الضغط على إسرائيل التي رفضته علنا، فقد أعلنت مندوبة إسرائيل في الأمم المتحدة بعد التصويت أن إسرائيل لن توقف عملياتها الحربية، لأنها تريد التأكد من أن غزة لم تعد تشكل تهديدا لإسرائيل، وكذلك حتى تنفذ جميع أهدافها واستعادة جميع الرهائن الإسرائيليين الموجودين لدى حماس التي يجب تفكيك قدراتها العسكرية وحتى الحكومية، وهو هدف ثابت لإسرائيل، وأضافت المندوبة الإسرائيلية أن إسرائيل لن تنخرط في أية مفاوضات معتبرة أن حماس يمكن أن تستغلها لكسب الوقت، الجدير بالذكر أن حركة الجهاد الإسلامي رحبت أيضا بالقرار معتبرة أنه تأخر كثيرا! في حين تعتبر إسرائيل حسب ما نقلت صحيفة “يدعوت أحرونوت” عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله أن القرار يحد من حرية إسرائيل في العمل، وهو يعني واقعيا في قتل الفلسطينيين وتدمير غزة.
من هنا أوضح نيبينزيا مندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن أن القرار الأمريكي بشأن غزة غامض، ويعتمد على اتفاقات يديرها وسطاء لا يعرف حول ماذا ولا يعرف على ماذا وافقت إسرائيل، إذ أن الرئيس بايدن اعتبر أن إسرائيل موافقة على القرار، وسرعان ما وجهت تل أبيب صفعة جديدة له، ومن هنا يعتبر المندوب الروسي القرار فارغا كمن يشتري السمك وهو في الماء، وأنه سيبقى حبرا على ورق. يضاف إلى ذلك ما لم يقله نيبينزيا علنا، وهو أن الولايات المتحدة غير مؤهلة أخلاقيا لأن تلعب دور الوسيط، فهي الداعمة لإسرائيل بشكل جنوني، ومنذ أن بدأت إسرائيل حربها على غزة راحت تشحن لها الذخائر التي استخدمتها في قتل الفلسطينيين وتدمير بيوتهم، بل إن القوات الأمريكية شاركت إلى جانب القوات الإسرائيلية في مجزرة النصيرات بشكل مباشر، فكيف يمكن أن يؤمن جانب وسيط كهذا؟