عندما تنبأ مؤسس الحركة الصهيونية النمساوي الألماني “ثيودور هيرتزل” في المؤتمر الصهيوني التأسيسي المنعقد في مدينة بازل السويسرية عام 1898، بقيام دولة الكيان في فلسطين بعد 50 عاماً، هل كان نبيّاً يتلقى وحي السّماء؟!
وهل عندما أعلنت الولايات المتحدة عام 1957 عن “مبدأ أيزنهاور” بهدف أيجاد بديل للرئيس المصري حينها جمال عبد الناصر، في محاولة لمنع الفكر القومي العروبي من الانتشاربين الدول العربية، وهو ما حدث ولو مؤقتاً مع الأسف، هل كان أيزنهاور يضرب بالمندل؟!
وعندما كشف الجنرال الأمريكي المتقاعد “ويسلي كلارك” عن خطط البنتاغون في مطلع ثمانينيات القرن الفائت لمهاجمة وتدمير ع7 دول في العالم في غضون 5 سنوات، وذلك في خطابه في نادي الكومنولث في كاليفورنيا عام 2007 بعنوان “حان وقت القيادة” باسم الواجب والشرف والوطن، وأوضح كيف أن مسؤولاً في هيئة الأركان كشف له ذلك المخطط الاستراتيجي السري لوزارة الدفاع الأمريكية عام 2001، وهي: العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان، وإيران. هل كان كلارك المتفاجىء يهذي؟!
وهل كان الثعلب المؤسس للكيان الصهيوني “بن غوريون” الذي صعقته حرب أكتوبر/تشرين 1973 وتوفي بعد أقل من شهرين بعدها، يقرأ الودع، عندما قال في أواخر حواراته مطلع سبعينيات القرن المنصرم: “إن قوة إسرائيل ليست بسلاحها النووي ولا بترسانتها العسكرية بل هي في تدمير وتفتيت ثلاث دول عربية كبرى مصر وسوريا والعراق، إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية، ونجاحنا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر”. فهو عندما يستهدف هذه الدول، يدرك جيدًا معنى المخاطر الاستراتيجية التي تشكلها العلاقة الطبيعية بين بغداد ودمشق عبر قراءة التاريخ، فبالنسبة لقادة إسرائيل هما تشكلان الرافعة لأي توازن استراتيجي معهم؟!
وهل كان ذلك الثعلب يقرأ بالفنجان عندما قال في مقابلة اجرتها جريدة هآرتس الاسرائيلية معه، يوم 2 اكتوبر/تشرين الاول 1959: «ان أي شخص يعتقد انه من الممكن ان يحل بالقوة العسكرية فقط، أي مسألة (صراع) تاريخي بين الشعوب، لا يعرف العالم الذي نعيش فيه». ويتابع: «كل قضية محلية اليوم، هي قضية دولية. وبالتالي، فان علاقاتنا مع شعوب العالم، ليست أقل أهمية من قوتنا العسكرية، التي يجب أن نستمر في رعايتها، من أجل ردع أي هجمات قد نتعرض لها، ومن أجل الانتصار، إذا اضطررنا للقتال».
الآن، وبالعودة إلى الصراع المشرع منذ قرن ويزيد بين الحق الفلسطيني والباطل الصهيوني المدعوم من الغرب الاستعماري، هذا الحق الذي تناصره وتعترف به كافة شعوب الأرض بما فيهم قطاعات متزايدة من شعوب الغرب ذاته، هل تمكّنت قوة الباطل الغاشمة من الانتصار على “الإرادة” الفلسطينية المعجزة بعد ما يقارب أحد عشر شهراً من استخدام مفرط لكافة عناصر القوة النازية الإسرائيلية ـ الغربية ومن يدور في فلكهما؟!
ولعل السؤال الكبير ماذا ينتظر العالم بكافة دوله التي تمتلك كل مقوّمات القوة، ومعها كافة قرارات الشرعية الدولية والمواثيق والقوانين والأعراف الدولية والإنسانية لاستخدام هذه القوة لتأديب “الكيان” المارق المتغطرس، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وفرض القانون الدولي والإنساني، بما فيها الدول العربية التي تتباكى على مناظر أشلاء الأطفال المقطعة والمحترقة من أبناء الشعب الفلسطيني المظلوم. وإذا كانت القوة موجودة، فإن الأمر ينحصر في امتلاك “الإرادة” و”الإرادة” فقط لا غير؟!
هل انتظرت الولايات المتحدة ومن معها من تحالف قراراً من الأمم المتحدة لغزو وتدمير العراق وليبيا وسوريا، أم استخدمت “الإرادة” إلى جانب قوتها الغاشمة، وهل انتظر اليمن الفقير والمنهك بعد ما يقارب تسع سنوات من حرب ضروس شُنّت عليه قراراً عربياً أو دولياً للتحرك لمؤازرة وإسناد الشعب الفلسطيني المكلوم، وكذلك الأمر بجبهات الإسناد الأخرى في لبنان والعراق الجريح؟! وهل.. وهل..؟!
ولعل استنساخ غزة في الضفة والقدس، بات استخدام كل القوة المتاحة، وهي قوة هائلة وجبارة لو جرى تأطيرها وتفعيلها وامتلاك الإرادة التي تنقصنا لاستخدامها أمس قبل اليوم، ودون انتظار قمم أو مؤتمرات أو حتى اجتماعات ومشاورات ومباحثات لا طائل منها، فالسكين باتت تطال رقاب الجميع، والجميع يعني الجميع، وبلا استثناء أو أعذار واعتذار!؟
وختاماً لا بد من التذكير بما تنبأه “جاكوب كوهين” الذي يعتبر من أبرز المفكّرين اليهود المناهضين للحركة الصهيونية، والذين يسعون إلى التفريق بين اليهودية كديانة وبين الصهيونية كأيدولوجيا وحركة عنصرية لا إنسانية، عندما أعلن عن مفاجأة تمثّلت في اعتقاده الراسخ بأن إسرائيل هى أكثر دول المنطقة المعرضة للاختفاء من خريطة الشرق الأوسط، وهذا سيعتمد على مدى استجابة إسرائيل لمطالبات السلطة الفلسطينية وجيرانها العرب بالرجوع إلى حدود عام 1967. وهو ليس ضارب ودع أو قارىء فنجان أو يوحى إليه من السماء، بل قاريء جيّد لحتميات التاريخ الإنساني. فهل من مُعتبِر؟!