الحرب.. هذا الاقتصاد المربح جدا!
“نحن أمة لا نتفق سوى في الإيمان بالاتباع. أمة لا تصرف على العقل لأنه طريق المواطن نحو الاجتهاد والنقد، وأنظمتنا تريد مواطناً قنوعاً خنوعاً. نحن أمة واحدة أو أمم مختلفات تصنع هزيمتها الأكيدة منذ قرون في مصانعها الكثيرة الموجودة في المدرسة والجامعة والحزب والمسجد والأسرة ثم نصرخ: إنهم يتآمرون علينا! نحن من يتآمر على أنفسنا، أيها السادة”.
نشرت “الإندبندنت” مقالاً تحليلياً بهذا العنوان اليوم الخميس 24/10 الجاري للكاتب والمفكر “أمين الزاوي” تضمن: “شركات الإعمار تبني كي تجد الحروب المبرمجة ليوم الغد ما تقوم به من هدم، وشركات الحروب تقوم بالخراب كي تجد شركات الإعمار ما تقوم به من إعادة إعمار. هكذا هو العالم منظم وبإتقان بين مهمة القتل ومهمة الخراب ومهمة إعادة البناء. منذ فجر الإنسانية، أصل الحياة على هذا الكوكب عبارة عن حرب طويلة لا تنتهي بين البشر، أما السلام فهو استراحة قصيرة بين معركة وأخرى أكثر شراسة. لكن الحرب ليست صراعاً سياسياً وفقط، ليست بحثاً عن الحرية أو بحثاً عن تكريس استعمار وفقط، الحرب ليست صراعاً شرساً بين أبناء الدين الواحد أو بين أتباع الأديان المختلفة وفقط، إن الحرب الخفية الدموية هي حرب المال بين رجال الأعمال والشركات العملاقة التي تشبه المطاحن البشرية الوحشية. الحرب اقتصاد مربح كثيراً، اقتصاد طموح وشرس، اقتصاد يقوم على رؤوس أموال ضخمة تستثمر في (ذهب) الجثث وفي (لؤلؤ) الخراب، كلما كثر عدد ضحايا الحروب من الأطفال والنساء والشيوخ ارتفع سهم الربح في رأسمال المتحاربين، كلما سقط سقف بيت فوق عائلة أو احترقت شجرة معمرة في حديقة عمومية زاد رصيد رأسماليي الحروب وتعددت الأصفار في الأرقام، وكلما صبت طائرات الذكاء الاصطناعي حمولاتها الجهنمية من القذائف المحرمة التي لا يراها مجلس الأمن على الأطفال الذين يحبون لعبة كرة القدم والموسيقى زادت أرباح شركات عملاقة على أطراف الدنيا”.
القتل مربح كثيراً.. الخراب ربح كبير
“في لعبة سباق إعادة الإعمار الشركات نفسها التي هدمت البيوت مقابل فواتير طائلة تعيد بناءها بسعر آخر مدوّخ، إنهم الممثلون أنفسهم يلعبون في مسرحية الهدم ويلعبون في مسرحية بناء المهدوم، الشركات نفسها تتقاضى مرتين، في الأول حين تستدعي الآلة الحربية العمياء وذخائرها النارية لحفلة الهدم على رؤوس الخلق، وفي الثانية حين تحضر آلات أخرى لحفل رفع الأنقاض من على الجثث وجلب الأسمنت والخرسانة لإعادة بناء ما تم تحطيمه البارحة. ودائماً في انتظار حلم حرب مقبلة لن تتأخر. شركات الإعمار تبني كي تجد الحروب المبرمجة ليوم الغد ما تقوم به من هدم، وشركات الحروب تقوم بالخراب كي تجد شركات الإعمار ما تقوم به من إعادة إعمار. هكذا هو العالم منظم وبإتقان بين مهمة القتل ومهمة الخراب ومهمة إعادة البناء”.
المناعة الثقافية هي أصل المناعة السياسية
“في الحروب يبيع بائع الورد ورداً للأموات، ويبيع النساج القماش الأبيض لتكفين الجثث، ويبيع البحر ماءه المالح لصناعة دموع الأمهات، ويبيع السياسي الخطاب الثائر للمواطن البسيط كي يصنع له انتصاراً كاذباً، ويبيع رجل الدين الدعوات التي لا تصل إلى رب السماء، في الحروب كل شيء يباع وكل شيء يشترى بسعر السوق السوداء. كل شيء فينا يشدنا للحرب أكثر مما يشدنا للحياة، حتى آدابنا يسعدها ويثيرها تصوير الحروب أكثر من تصوير الحب أو السلام، أكبر الجوائز تمنح للروايات التي كتبت عن الحروب، وأعظم الأسماء الأدبية خلدتها نصوص مكتوبة عن الحروب، شعراؤنا الكبار ارتبطت أسماؤهم بالحروب، والعظماء من صناع التاريخ خلدتهم الحروب الطاحنة. السلام لا يصنع كاتباً كبيراً ولا سينمائياً عظيماً، وحدها الحروب مصنع العظماء من (الحرب والسلم) لتولستوي مروراً بـ(الشيخ والبحر) لهيمنغواي و(صمت لأجل غزة) لمحمود درويش وصولاً إلى جياب وحرب ديان بيان فو، لا تستغربوا لماذا تتصارع الشركات على الاستثمار في الحروب. الحروب تصنعها التوقيعات على شيكات البنوك العابرة للقارات، توقيعات لرفع أنخاب الأرباح قبل توقيعات شيكات أخرى لرفع أنقاض الخراب. لقد جعلت البنوك العالم يعيش الحرب حياة طبيعية والسلام لحظات غير طبيعية، السلام استراحة بين حربين، السلام استعداد لحرب على الأبواب، لن تتأخر”.
أما نحن!
“أما نحن الذين نمثل هشيم نار الحروب القائمة والمقبلة وتلك التي مضت، لا نحن قادرون على صناعة السلام ولا نحن قادرون على الذهاب لحرب معاصرة ابنة الذكاء الاصطناعي، إن السلام يقوم على علاقة متكافئة بين طرفين متكافئين، بين متخاصمين متعادلين أو بين مشروع عدوين متناسبين. إن بناء السلام المنتصر أصعب من خوض الحرب المهزومة مسبقاً. السلام المنتصر يشترط في الطرفين أن يكونا على درجة متشابهة في الاقتصاد والمعرفة والعلم والتكنولوجيا والديمقراطية، البلد الذي لا يضمن الخبز لمواطنيه ولا الغطاء ولا حتى حبوب المسكن لآلام الرأس لا يمكنه أن يفرض السلام.البلد الذي يتقن خوض معركة السلام هو ذاك الذي يمتلك نخباً جريئة وشجاعة قادرة على أن تحول الضعف التقني إلى قوة، إن اجتناب حرب بالسلام هي معركة ربحناها قبل الدخول فيها بخطوتين”.
أما نحن!
“أما نحن العرب والأفارقة الذين ما زلنا نعيش زمن الفروسية لا نحن قادرون على خوض معركة السلام المنتصر، ولا نحن قادرون على الذهاب إلى حرب الذكاء الاصطناعي لأن مثل هذه الحرب تشترط جاهزية كبرى، والجاهزية هذه تشترط وجود جيش العلماء قبل جيش يقود الدبابات والطائرات والسفن الغواصة، ونحن أمة لا تقدر العلم، بل تحتقره وتصنفه في باب الكفر والزندقة، نحن أمة أو أمم موازناتها المخصصة للبحث العلمي مضحكة مقارنة مع ما تخصصه بلدان أخرى لمخابرها ولعلمائها في الطب والفلك والفيزياء والكيمياء والصناعة المدنية والحربية والاقتصاد والسينما والكتاب والفنون”.
لا يمكن للجهل أن ينتصر على العلم.
“ولا يمكن للدعاء الموجه للسماء أن يوقف القنابل النازلة منها على الرؤوس.نحن أمة واحدة أو أمم مختلفات ومتخلفات تصرف على الأمن كثيراً، الأمن الذي يقمع المواطن وتصرف على الفقيه الداعية الذي يخدر الشعوب بحلم في الآخرة بديلاً عن حلم في الدنيا. نحن أمة لا نتفق سوى في الإيمان بالاتباع، أمة لا تصرف على العقل لأنه طريق المواطن نحو الاجتهاد والنقد، وأنظمتنا تريد مواطناً قنوعاً خنوعاً. نحن أمة واحدة أو أمم مختلفات تصنع هزيمتها الأكيدة منذ قرون في مصانعها الكثيرة الموجودة في المدرسة والجامعة والحزب والمسجد والأسرة ثم نصرخ: إنهم يتآمرون علينا! نحن من يتآمر على أنفسنا، أيها السادة”.