تقارير منوعة

جيل المؤسِّسين، أيضًا، أراد تنفيذ ترانسفير من قطاع غزة: “يجب اقتيادُهُم من مؤخرة العنق ورميُهُم”

“لخّص إشكول: (يجب على اللاجئين تدبّر أمورهم خارج إسرائيلنا). يجب أخذهم إلى الضفة الشرقية من مؤخرة العنق ورميهم، ولا أعرف مَن سيتقبّلهم، وخصوصًا منهم لاجئو قطاع غزة. تقليل العرب من الجليل أيضًاً. إنشاء وحدة أو خلية من رؤساء الموساد تتولى تشجيع هجرة العرب من هنا، يجب معالجة هذا الموضوع بصمت، بهدوء وسريّة، ويجب البحث عن طريق لهجرتهم إلى بلدان أخرى وليس إلى ما وراء نهر الأردن فقط. خلق (هجرة هادئة)، على نحو لا يتم فيه ضبط إسرائيل بأنها ضالعة فيها. أوائل السبعينات، كان ألون يبدو واحدًا منهم. (انا موافق على طردهم، لقد فعلنا ذلك في السابق ويجب مواصلته في المستقبل أيضًا. حتى بالاغتصاب، لن يكون أي مفرّ في هذا الشأن. إنه وجع لمرة واحدة ويمكن تفسير ذلك بالاحتياجات الأمنية، وكذلك بالاحتياجات الصحية)”.

مما لا شك فيه أن المواقف الحالية لنتنياهو وسموتريتش وبن غفير، ليست طارئة ومستجدة، بل هي امتداد طبيعي لمواقف رسمية لكافة قادة حكومات “الكيان” المتعاقبة وهو ما يُسقط اعتبار بعض الغافلين أو بالأحرى المغفّلين بأن المواقف الرسمية الراهنة هي حكراً على ما يُسمّونه حكومة اليمين المتطرّف أو الصهيونية الدينية وغيرها من المسمّيات التبريرية، ويؤكد على أننا أمام “كيان” مجرم وإرهابي تاريخي منذ إنشائه، وعلى امتداد حكوماته المتعاقبة بتلاوينها المختلفة. 

تحت العنوان أعلاه، نشرت “هآرتس” تحقيقاً توثيقياً تاريخياً، أمس 24/12 الجاري، بقلم “عوفر أديرت”، يثبت صحة ما سبق بصورة حاسمة لا تحتمل الاجتهاد أو التأويل. يبداً التحقيق بالقول: “(تقليل عدد السكان)، (إخلاء المنازل)، (النقل)، (الترحيل)، (التهجير)، (تفريغ) وحتى (ترانسفير). تشكيلة واسعة من الكلمات استخدمها وزراء الحكومة في مداولات تاريخية خلال الستينات والسبعينات، حول مستقبل الفلسطينيين في قطاع غزة. مراجعة البروتوكولات المحفوظة في أرشيف الدولة تُبيّن أن التطلع الحالي لدى اليمين المتطرف (لتشجيع هجرة) الفلسطينيين من قطاع غزة ما هو سوى رجع صدى لأفكار واقتراحات كانت قد طُرحت للبحث والمناقشة في الماضي ـ من جانب رؤساء حكومة، وزراء ومسؤولين كبار آخرين في حكومات اليسار، والذين كانوا ينتمون على جيل مؤسِّسي الدولة. لم يدّخر الوزراء في الأفكار الرامية على حل المشكلة التي وُضعت أمامهم بُعَيد احتلال قطاع غزة والضفة الغربية خلال حرب الأيام الستة (حزيران 1967). كان يعيش في المناطق آنذاك نحو مليون فلسطيني، 400 ألف منهم في قطاع غزة. وقد طُرِحت اقتراحات لإرسالهم من قطاع غزة إلى الضفة الغربية، الأردن، سيناء، الدول العربية أو أي مكان آخر في العالم يمكن أن يستقبلهم، بالإكراه، بالاتفاق، بالخداع أو بأنواع شتى من الحوافز. في 1967، ذكّرَ ديان بفكرة كانت مقبولة في الحكومة آنذاك، لكن لم يتم تطبيقها كاملة في نهاية الأمر: ضم قطاع غزة إلى إسرائيل، إفراغه من اللاجئين الفلسطينيين ثم توطين اليهود فيه لاحقًا. (إذا استطعنا إخلاء 300 ألف لاجئ من قطاع غزة إلى أماكن أخرى… سيكون بإمكاننا ضم قطاع غزة دون أية مشكلة)، قال وزير الأمن موشي ديان في 25 حزيران 1967. وذكر، في كلامه، فكرة كانت مقبولة على الحكومة آنذاك، لكن لم يتم تطبيقها كاملة في نهاية الأمر ـ ضم قطاع غزة إلى إسرائيل، إفراغه من اللاجئين الفلسطينيين ثم توطين اليهود فيه، لاحقًا. (أنا أقترح صيغة لضم القدس وقطاع غزة، رغم إني لم أكن لأقول كليهما معًا)، قال رئيس الحكومة ليفي إشكول قبل ذلك بأسبوع واحد، (من أجل القدس، نحن مستعدون للتضحية بأنفسنا، وفيما يتعلق بقطاع غزة، حينما نتذكّر الـ 400 ألف عربي، يثير الأمر بعض المرارة في القلب). تجند الوزراء للمساعدة فاقترحوا الحلول. (كيف بالإمكان ترتيب مسألة اللاجئين في قطاع غزة)، اقترح وزير الداخلية حاييم موشي شبيرا، (لو كان بالإمكان نقل 200 ألف من اللاجئين إلى العريش أو توطين جزء في الضفة الغربية)، أضاف مشيرًا إلى المدينة المصرية في منطقة شبه جزيرة سيناء، التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة. واقترح وزير الشرطة إلياهو ساسون (نقلهم إلى الضفة الغربية) ـ أي، إلى الأردن. (يجب أخذهم إلى الضفة الشرقية من مؤخرة العنق ورميهم، ولا أعرف مَن سيتقبّلهم، وخصوصًا منهم لاجئو قطاع غزة)، قال زميله الوزير يوسف سبير”. الوزير يغئال ألون قال إنه (يؤيد تشجيع الهجرة إلى ما وراء البحر) وأضاف إنه (يجب معالجة هذا الأمر بمنتهى الجدية). كما خلُص، هو أيضًا، إلى أن الوُجهة المُفضَّلة هي سيناء، لكنه اقترح توسيع النطاق: (سيناء بكل مساحتها، وليس العريش فقط، ستجعل من الممكن توطين جميع لاجئي قطاع غزة، وفي رأيي، لا داعي للانتظار. يجب البدء بالتوطين، حتى لو جرت مضايقات). بعد ذلك، عرض اقتراحًا آخر يقضي بإجلاء بعض الفلسطينيين (إلى كندا، إلى أستراليا). ولخّص إشكول: (أنا قلتُ هذا حتى عندما لم تكن المشكلة حادة إلى هذه الدرجة بعد، أنه يجب على اللاجئين تدبّر أمورهم خارج إسرائيلنا)”.

بصمت، بسكينة وبسريّة

“في 1 تشرين الأول 1967، تساءل وزير القضاء يعقوب شمشون شابيرا (متى سنحصل على أية معلومات حول الخطة بشأن توطين اللاجئين من قطاع غزة في الضفة؟)، وأوضح: (تناهت إلى مسامعي شائعات)، في ذلك الوقت نفسه، كانت هنالك لجنة مهنية أطلق عليها اسم (اللجنة لتطوير المناطق المُدارَة) وكان أعضاؤها من رجال الأمن والأكاديميا. وكانت وظيفتها، وفق تعريف إشكول، فحص (الجانب الاقتصادي والاجتماعي لهذه الإمبراطورية بأكملها، أو أجزاء من هذه الإمبراطورية)، بما في ذلك (طرح أفكار حول الهجرة). وقد أدرك أعضاء اللجنة مدى الحساسية السياسية ـ الحزبية في عملهم، مما دفعهم إلى التوصية أمام الحكومة بـ (تجنيد اللاجئين في مشاريع لا يكون هدفها السياسي بارزًا) وتقديمها على أنها (حملات إنسانية) وليس كـ(جزء من حل دولي لمشكلة اللاجئين). امتدت مناقشات الوزراء حتى عتبة نهاية السنة أيضًا. (كل موضوع الهجرة بحاجة إلى معالجة جدية وحثيثة أكثر، وعندئذ سيكون بالإمكان تشجيعها وتمكين كثيرين من الرحيل)، قال ديان في تشرين الثاني 1967. وأضاف إشكول إنه (في هذه الأثناء، يخرج 2,000 شخص إلى الأردن هذا الأسبوع، معظمهم من القطاع. هنالك أفكار مختلفة حول هجرتهم إلى بلدان أبعَد). في نهاية كانون الأول تحدث ديان عن اتفاقية سلام وبضمنها (توطين اللاجئين، إخراجهم من غزة وتوطينهم في الضفة الشرقية لنهر الأردن). ووعد بأنّه في مثل هذه الحالة، (لن يكون في قطاع غزة 400 ألف عربي، وإنما 70 ألفًا أو 100 ألف). في اليوم التالي، قال إشكول: (نحن معنيون بإفراغ قطاع غزة أولًا. لذلك، سنسمح لعرب غزة بالخروج أولًا). أما الوزير يغئال ألون فكان قد توصل إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير: (لم يكن سيئًا على الإطلاق تقليل العرب من الجليل أيضًا)”.

“ليس سيئًا أبدًا تقليل عدد العرب في الجليل”

“شرح الوزير ساسون كيف يمكن أن يساعد تشجيع الفلسطينيين على الخروج لغرض العمل في تحقيق الهدف: (فليخرجوا ويسافروا للبحث عن عمل… ثم لينقلوا عائلتهم كلها. من هذا، يمكن لنا نحن أن نستفيد من خلال تقليل عدد العرب في هذه المناطق). أبدى ديان موافقته وأضاف: (بمنح هؤلاء العرب إمكانية البحث عن عمل وإيجاد عمل في بلدان أخرى يزداد احتمال رغبتهم في الهجرة إلى تلك البلدان في وقت لاحق).  وحاول الوزير ألون، مرة أخرى، شمل عرب إسرائيل في هذه الخطة. (لماذا لا يكون في الإمكان توسيع الأمر ليشمل عرب إسرائيل الأولوية؟)، تساءل. في اليوم الأخير من سنة 1967، كان إشكول حامل بشرى. (أنا أعالج مسألة إنشاء وحدة أو خلية تتولى تشجيع هجرة العرب من هنا)، كشف أمام الوزراء. وأضاف إنه (يجب معالجة هذا الموضوع بصمت، بهدوء وسريّة، ويجب البحث عن طريق لهجرتهم إلى بلدان أخرى وليس إلى ما وراء نهر الأردن فقط). وبالفعل، كانت هنالك في الوقت نفسه مبادرات فعّالة (لتشجيع) هجرة الفلسطينيين من قطاع غزة. وكانت إحدى تلك المبادرات بقيادة آدا سيريني، من رؤساء الموساد للهجرة الثانية وأرملة المظليّ إنزو سيريني. وتتضمن وثيقة من أيار 1968 طلبًا لتحويل ميزانية شهرية من أجل (تشجيع الهجرة من قطاع غزة، للتنفيذ بموجب تعليمات السيدة آدا سيريني). وكانت الفكرة آنذاك خلق (هجرة هادئة)، على نحو لا يتم فيه ضبط إسرائيل بأنها ضالعة فيها. وفي هذا الإطار، تم أيضًا إرسال إسرائيليين من ذوي الخلفية الأمنية، الذين كانوا على دراية بالمجتمع العربي، إلى قلب المراكز السكانية في قطاع غزة مباشرة، من أجل إقناع قادتهم بتشجيع المغادرة الطوعية”.

 إذا لم نعطِهم ما يكفي من المياه فربما لا يبقى أمامهم خيار آخر

(بسبب هذا الاختناق والحبس هناك، بالذات، ربما يتحرك العرب من القطاع ويغادرون، لكن حتى بعد ذلك أيضًا سيتبقى لدينا هنا نحو 400 ألف عربي و150 آخرون سيبقون في غزة أيضًا)، أضاف إشكول في نهاية السنة. أما الحل الجديد الذي اقترَحَه فقد كان قاسيًا. (إذا لم نعطهم المياه بكميات كافية، فربما لن يكون أمامهم خيار آخر لأن البساتين سوف تصفرّ وتذبل. لكن هذا كله لا يمكن معرفته مسبقًا. من يعلم، ربما ما زالت تنتظرنا حرب أخرى وعندئذ سوف تحلّ هذه المشكلة، لكنّ هذا نوع من الترف، حل غير متوقع)، قال.

شريطة أن يتوجّهوا إلى البرازيل

“في شباط 1968، ذُعر إشكول من إمكانية أن يعتقد أحدٌ ما (بأننا نضغط على العرب ليخرجوا من البلاد). ومع ذلك، قال بروح الدعابة التي كانت تميزه: (لن نعلن الحداد إذا ما غادروا). ثم انتقل بعد ذلك للتحدث بلغة الأرقام فقال: (85 بالمائة منهم يمتلكون كل المال اللازم لهم للهجرة. يبدو لي أن أي يهودي لديه عقل في رأسه سيقول، أولًا وقبل أي شيء آخر، خُذ الـ 80 بالمائة كي تكون واثقًا بأنهم سيخرجون). وانضم وزير الأديان زيرح فيرهافتيغ إلى النقاش وقدم مقترحاته الخاصة. (يجب أن تكون مصلحتنا الأساسية أن نمنحهم إمكانية الخروج من قطاع غزة وهم يحملون مبلغًا ما من المال) نصَح، (يجب أن نتيح لهم إمكانية بيع ممتلكاتهم التي لا تساوي الكثير، لكن يجب أن نستثمر فيها من أموالنا. إذا دفعنا مقابل كشك ألف دولار شريطة أن يخرجوا مع عائلاتهم إلى البرازيل أو الأرجنتين، فإنني أرى أن لهذا قيمة كبيرة. إذا استطعنا بهذه الطريقة دفع عشرة آلاف عائلة إلى الخروج من قطاع غزة). لكنه اقترح، هو أيضًا، توخي الحذر في استخدام المصطلحات: (بدلًا من القول لهم إننا ندفع الأموال لقاء هجرتهم، وهذا ليس لطيفًا ولا عادلًا… سنشتري أمتعتهم وندفع لهم مقابلها مبالغ جيدة، وهذا سيدفعهم إلى الخروج من القطاع وهم يحوزون مبلغًا من المال يكفيهم لبدء حياتهم في دولة أخرى). وأضاف إن (العائلة التي تغادر إلى أمريكا الجنوبية بدون أي قرش في جيبها، لن تسارع إلى ضرب جذور لها في الدولة الجديدة، والعائلة التي تخرج وهي تمتلك وسائل العيش، سيكون من السهل عليها حال وصولها إلى الدولة الجديدة أن تتأقلم في تلك الدولة وأن تستقر فيها). في العام 1969 انتبه إشكول إلى مشكلة. فإسرائيل تريد تشجيع الهجرة من قطاع غزة، من جهة، لكنها تستثمر في تطوير القطاع من جهة أخرى، مما قد يشجع سكانه على البقاء فيه. (إذا نظمنا الأمور هناك لتكون على ما يرام، أن يتوفر العمل والصناعة وأن نقيم هناك مصانع ونشغّل العرب هناك، فسيبقون في قطاع غزة)، حذّر. وتطرق وزير الزراعة، حاييم جفاتي، إلى هذه المسألة في جلسة أخرى وقال: (من المؤكد أننا كنا نرغب في القيام بكل شيء من أجل تقليل عدد السكان في قطاع غزة… ثمة تخوف من أننا إذا ما قمنا بترميم مخيمات غزة أيضًا، فسيرى اللاجئون أن الوضع متشابه في كلا الموقعين… وعندئذ، لن يكون هنالك أي سبب أو دافع لمغادرة القطاع). وقال الوزير ألون إنه يؤيد (استمرار وجود الفجوة في مستوى المعيشة بين الضفة وقطاع غزة). وأضاف إنه يُحظَر (أن يكون مستوى المعيشة في قطاع غزة مماثلًا للمستوى في الضفة، لأن قوة الجذب إلى الضفة ستقل عندئذ أيضًاً)”.

إعطاء إمكانية إحضار جرّافة

“توفي إشكول في العام 1969 وبعده واصلت رئيسة الحكومة غولدا مئير هذه المناقشات. في العام 1970 حذر وزير الأمن، موشي ديان، من المبالغة في الأرقام. (إذا تقدمنا في خطة الـ 20 ألفًا، فنحن نعلن الترانسفير بهذه الطريقة)، قال، (وبهذا سنُفسِد الأمر من أوله… إذا طلبوا مساعدة منّا ـ فليتفضّلوا… ستكون هذه سيرورة بطيئة وطبيعية وسيفعل العرب ذلك عن طريق التسلل.. كل شيء يجري بصورة طنّانة ومُبالَغ فيها سيُفشِل نفسه). واقترح وزير التطوير حاييم لانداو فكرة جديدة: (يجب توفير التعليم المهني من الدرجة الأولى ويجب أن يكون مكثفًا، لأنّ هذا هو الباب لإمكانية هجرتهم من هناك). وأضاف موضحًا إن (الذي يمتلكون مهنة ما هم أصحاب فرص أكبر كي يتم استيعابهم واندماجهم في الدول الأخرى). في العام 1971 تطرقت إلى الموضوع غولدا مئير أيضًا. (أمامنا موضوع تقليل عدد السكان في المخيمات. ليس هنالك نقاش حول المبدأ)، قالت. ووصف ديان الطريقة التي سيتم بها طرد السكان من منازلهم ـ بعضهم مشتبه به بالتورط في عمليات إرهابية ضد يهود أو عرب محليين، وبعضهم أصحاب منازل ثمة حاجة إلى هدمها: (نمهلهم 48 ساعة لكي ينتقلوا. نقول لهم، على سبيل المثال، أنتم تنتقلون إلى العريش أو إلى مكان آخر، نحن سنوصلكم… نعطيهم في البداية إمكانية الانتقال طوعيًا. نُخرج المفروشات من المنزل. لم يأت الرجل لترتيب أموره ـ نأتي بجرّافة لهدم المنزل. إذا كان ثمة أشخاص في داخل المنزل، نقوم بإخلائهم منه. بما أننا نمنحهم مهلة 48 ساعة… فليس ثمة لحظة حاسمة هنا نأتي فيها ونقول إننا سنحمّلكم الآن على الشاحنة، سوية مع مفروشاتكم، بل نمنحهم فرصة القيام بذلك بأنفسهم، طوعياً). وضع رئيس هيئة أركان الجيش، حاييم بار ليف، ضمن هذه المناقشات موضوعًا جدليَا فقال إنه من المحظور نقل الفلسطينيين إلى أماكن معدّة لتوطين اليهود لاحقًا. (أنا واثق بالتأكيد أنه سيكون بالإمكان العثور على أماكن ـ وقد عثرنا على أماكن كهذه بالفعل ـ لا تغلق في وجهنا إمكانيات الاستيطان اليهودي)، قال وأضاف رسالة مُطمئنة: (أنا مقتنع بأن هذا لن يمنعنا من إنشاء يضع مستوطنات يهودية أخرى في القطاع). وأشار ديان إلى أنه (لم يخطر، ولا يخطر، في بالنا توطينهم في مكان من شأنه أن يعيق الاستيطان اليهودي بأي شيء أو حال). وقال وزير السياحة، موشي كول، إنه (إذا كنا نريد رؤية قطاع غزة كجزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، فيتعين علينا التخلص من جزء من السكان هناك، بأكبر عدد ممكن. سندفع تعويضات كبيرة للأشخاص الذين سيرغبون في الانتقال). شلومو هليل في الكنيست. (لا نستطيع توفير ما يمليه علينا الحُكم، أي ـ أولًا وقبل أي شيء آخر ـ حماية الناس الأبرياء من الجريمة، حماية حياة أولئك المستعدين للحضور والعمل عندنا)، قال. خلافًا للآخرين، تحدث الوزير غليلي أيضًا عن الجانب الإشكالي في هذه العملية. (لا أوهم نفسي بأن ما سنقوم به هو عمل إنساني وأننا نسدي لهم معروفًا)، قال في 1971، (لا أريد تزيين هذه العملية القاسية، لكن هذا أهون الشرور في الظروف القائمة). وساهم الوزير شلومو هليل، أيضاً، في بعض التبصرات من عالم الأخلاق فقال إن (الجانب الأخلاقي لا يقاس بأنك تُخرج أشخاصًا من منازلهم ضد إرادتهم، إن كانوا يستحسنون ذلك أم لا)، وأضاف إن (الجانب الأخلاقي يقاس بكوننا السلطة الحاكمة في قطاع غزة ولا نستطيع القيام بما يمليه علينا الحُكم، أي ـ أولًا وقبل أي شيء آخر ـ حماية الناس الأبرياء، حماية أولئك المستعدين للقدوم والعمل عندنا). حسمت غولدا مئير النقاش جازمة بأن ليس ثمة قسوة هنا. (واضح أننا لن نحقق تقليل عدد السكان في مخيم جباليا بالصورة الطوعية)، قالت، (كان الأمر سيكون أكثر لطفًا بكثير لو أنه تم بصورة طوعية… إنها قسوة رهيبة حقًا: نقلهم من شقة إلى أخرى… نمنحهم التعويضات… إذا كانت هذه قسوة، فلست أعرف كيف يتم عمل شيء بصورة مريحة. ومع ذلك، ليس ثمة أي شك في أنهم لا يرغبون في الانتقال). في مرحلة لاحقة، دخلت إلى المناقشات كلمة (قسرًا) أيضًا. وزير الأديان، فيرهافتيغ، قال لغولدا مئير إنه (من الأفضل استخدام الإكراه إذا كانت هنالك حاجة لاستخدام القوة). وأوضح أنه ينبغي انتظار تدهور الأوضاع أو اندلاع حرب لطرد الناس من بيوتهم قسرًا. (إن الخروج الآن بصورة قسرية، والشروع في تحميل لاجئين على الشاحنات ـ هو أمر سيثير الانتباه ويسلط الأضواء على أرض إسرائيل، وهو ما لا أعتقد أننا بحاجة إليه الآن)، قال. في نهاية المطاف، غادر قطاع غزة في تلك السنوات بضع عشرات الآلاف فقط من سكانه. وقد أقيمت المستوطنة الأولى في قطاع غزة في العام 1970، غير أنّ معظم السكان الفلسطينيين في قطاع غزة ظلوا في أماكنهم. في العام 2005 تم إخلاء المستوطنين من القطاع. بعد نحو 20 سنة على ذلك، يطالب وزراء شعبويون من معسكر إيتمار بن غير بإعادتهم إلى هناك. في أوائل السبعينات، كان ألون يبدو واحدًا منهم. (انا موافق على طردهم)، قال، (لقد فعلنا ذلك في السابق ويجب مواصلته في المستقبل أيضًا). كان ألون يتحدث عن (توسيع المسافات وتقليل عدد السكان في المخيمات القائمة)، بما في ذلك للأغراض الأمنية أيضًا (وكذلك للبدء بنقل اللاجئين إلى أماكن سيكون بالإمكان، في المستقبل، اعتبارها حلولًا دائمة). لم يكن يختار كلمته: (حتى بالاغتصاب)، قال، (لن يكون أي مفرّ في هذا الشأن. إنه وجع لمرة واحدة ويمكن تفسير ذلك بالاحتياجات الأمنية، وكذلك بالاحتياجات الصحية)”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى