صحّة

أسلحة الحرب العالمية الثانية مازالت تلوّث البيئة

تؤدي الحرب إلى تلوث المياه والتربة والهواء بالمواد السامة ” والتي يمكن أن تضر بصحة الإنسان والبيئة لأجيال عديدة. أما عن نفايات الحرب فإنها قد تبقى لسنوات بعد المعارك، وهي بدورها مواد سامة ضارة بالبيئة والإنسان، ولا يسهل التخلص منها، خاصة وأن البنية التحتية ومنظومات التعامل مع النفايات يتم تدميرها أثناء الحرب. استخدام قنابل تحتوي على اليورانيوم المنضب المحرم دوليا، خاصة في العاصمة بيروت المكتظة بالسكان، يؤدي إلى دمار هائل، كما أن غبارها يتسبب في العديد من الأمراض، خاصة عند استنشاقه. الحرب ليست مجرد تهديد فوري على الأرواح، بل هي مصدر لدمار بيئي عميق يمتد لعقود، ويخلق مشاكل صحية وبيئية تتفاقم مع مرور الوقت”.

تمكن باحثون من الجمعية الكيميائية الأميركية من إيجاد دلائل على أن الألغام البحرية التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية قبل أكثر من 80 عاما مازالت قادرة إلى الآن على تلويث البحار والمحيطات وتحقيق قدر واسع من الضرر. وبحسب الدراسة التي نشرها هذا الفريق في دورية “إنفيرونمنتال ساينس آند تكنولوجي”، فإنه لإزالة الألغام البحرية من قاع المحيط عادة ما يقوم الباحثون بإجراء تفجيرات متحكم بها، لكن حتى هذه التفجيرات تضر الحياة البحرية بشكل كبير عبر مخلفاتها السامة. وإلى جانب ذلك، كشف الباحثون أن هذه التفجيرات كانت قادرة على دفع الرواسب إلى الأعلى والإخلال بنمط حياة الكائنات التي تعيش في تلك الرواسب.

تفجير الألغام

وللتوصل إلى تلك النتائج، حدد الباحثون مجموعة من الألغام قرب طريق شحن مزدحمة قبالة سواحل الدانمارك، ثم قاموا بتفجيرها، وفي أثناء ذلك فحصوا التركيب الكيميائي للمياه والرواسب في قاع المحيط، ووجدوا أنها قد تلوثت بمستويات عالية من المواد السامة مثل “ثلاثي نترو التولوين”، وهي المادة المتفجرة الأساسية في تلك الألغام. ووجدت الدراسة أن الرواسب بعد الانفجارات القوية احتوت على ما يصل إلى 100 مليون ضعف من مادة “ثلاثي نترو التولوين”، وهذا يتجاوز المستويات التي أُبلغ من قبل بأنها سامة بالنسبة لكائنات مثل الطحالب الدقيقة وقنفذ البحر والأسماك. ويقدر عدد ما تم إلقاؤه من الألغام البحرية في بحر البلطيق فقط إبان الحرب العالمية الثانية ما يصل إلى 385 ألف طن متري من الذخائر، بما في ذلك 40 ألف طن من الذخائر الكيميائية، بحسب بيان صحفي رسمي من الجمعية الكيميائية الأميركية.

ما الذي تفعله الحروب بالبيئة؟

تأتي تلك الدراسة في سياق مهم، وهو الحرب الحالية العنيفة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على غزة، فإلى جانب قتل الآلاف من الأبرياء كل يوم في القطاع من أطفال ونساء ورجال عزل، فإن ما تفعله الحرب بالبيئة أمر أكثر قسوة مما نظن، ويستمر أثره لعقود. فلا يقف الأمر فقط على تلويث مياه البحر عبر القذائف وعادم السفن وحركتها في المياه، بل تدمر الحرب الحياة البرية والتنوع البيولوجي عن طريق قصف أو حرق أو تسميم الموائل الطبيعية والنظم البيئية، الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى التصحر وإفقاد التربة خصوبتها. كما تؤدي الحرب إلى تلوث المياه والتربة والهواء بالمواد السامة، وتنتشر المركبات الناتجة عن المتفجرات (مثل ثلاثي نترو التولوين) والمواد الكيميائية والمواد المشعة والعوامل البيولوجية وعوادم المركبات القتالية التي تستهلك قدرا هائلا من الوقود، والتي يمكن أن تضر بصحة الإنسان والبيئة لأجيال عديدة. أما عن نفايات الحرب فإنها قد تبقى لسنوات بعد المعارك، وهي بدورها مواد سامة ضارة بالبيئة والإنسان، ولا يسهل التخلص منها، خاصة وأن البنية التحتية ومنظومات التعامل مع النفايات يتم تدميرها أثناء الحرب.

كيف ساهمت القنابل “الإسرائيليّة” في تدمير لبنان؟

في لبنان، إنّ الصراعات المسلحة، وبالأخص استخدام القنابل والصواريخ “الإسرائيلية”، مصدر لتلوث بيئي هائل. فهذه الأسلحة لا تحمل فقط الموت والدمار على الفور، بل تترك وراءها آثارا طويلة الأمد على التربة، الهواء، والمياه.

نقيب الكيميائيين يحذر..

حذّر نقيب الكيميائيين جهاد عبود في حديث تلفزيوني من خطورة المواد الكيميائية المستخدمة في الأسلحة “الإسرائيلية”، مؤكدا أنها تتسبب بأضرار جسيمة للصحة، وتؤثر بشكل مباشر على جسم الإنسان. وطالب المجتمع الدولي بالتدخل وإجراء تحقيق عاجل في هذه الجرائم. وفي هذا السياق، أدان مجلس نقابة الكيميائيين في لبنان في بيان “العدوان الوحشي على المدنيين في لبنان والمجازر المرتكبة بحق الشعب اللبناني”. وأضاف: “رسالتنا اليوم هي للتنديد والتوعية حول الآثار الناجمة عن استنشاق الغبار الناتج عن القصف الذي تتعرض له ضاحية بيروت الجنوبية والمناطق اللبنانية الأخرى”. وأشار إلى “أن حجم الدمار واختراق المباني والأرض لعشرات الأمتار، دليل على استخدام قنابل تحتوي على اليورانيوم المنضب، الذي يمتاز بقدرة اختراق كبيرة”. وأكد “أن استخدام هذه الأنواع من الأسلحة المحرمة دوليا، خاصة في العاصمة بيروت المكتظة بالسكان، يؤدي إلى دمار هائل، كما أن غبارها يتسبب في العديد من الأمراض، خاصة عند استنشاقه. وطالب المجلس “المجتمع الدولي بوقف العدوان الغاشم على لبنان، ووقف استخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً بشكل قاطع. كما طالب الدولة اللبنانية برفع دعوى عاجلة أمام مجلس الأمن الدولي ضد هذه الجرائم التي تستهدف المدنيين الأبرياء، وتشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني”. ودعا المواطنين “إلى توخي الحذر الشديد، والابتعاد مسافة لا تقل عن كيلومترين عن المناطق المستهدفة، مع ضرورة ارتداء الملابس الواقية والكمامات المخصصة لحماية أنفسهم من التلوث الكيميائي المحتمل”.

التأثير البيئي المدمّر للأسلحة المتطورة

ومن جانبه، كشف الخبير البيئي البروفيسور ضومط كامل عن “أن المواد الكيميائية الناتجة عن الصواريخ والقنابل المتطورة التي تستخدمها (إسرائيل) على لبنان ، تخلّف تأثيرات كارثية على البيئة والصحة العامة، بما يتجاوز الأضرار الفورية للانفجارات. هذه الأسلحة، وخصوصاً تلك التي تحتوي على اليورانيوم المنضب والمواد الكيميائية السامة، تُطلق عند انفجارها جزيئات دقيقة للغاية تُعرف باسم الجسيمات النانوية. هذه الجسيمات تنتشر بسرعة في الهواء وتنتقل مع الرياح لمسافات بعيدة، مما يؤدي إلى تلوث الهواء على نطاق واسع، ويؤثر مباشرة على المناطق المأهولة بالسكان. استنشاق هذه الجسيمات السامة يُشكّل تهديداً صحياً خطيراً، حيث تتسبب في أمراض مزمنة مثل التهابات الجهاز التنفسي، والأمراض القلبية، والتلف العصبي، وتزيد من احتمالات الإصابة بالسرطان على المدى البعيد”. وعلاوة على ذلك، يضيف الخبير إن “هذه المواد الكيميائية تتسرب إلى التربة وتلوّث المياه الجوفية، مما يؤدي إلى تدمير البيئة الزراعية في لبنان. فالتربة الملوثة بالمواد الكيميائية تفقد خصوبتها، مما يعوق الزراعة ويجعل من الصعب استعادة الإنتاج الزراعي في تلك المناطق المتضررة لسنوات طويلة. كما أن المياه الجوفية الملوثة تُصبح غير صالحة للشرب، مما يُعرّض السكان المحليين لخطر التسمم والعديد من الأمراض المرتبطة بتلوث المياه، خاصة في المناطق التي تعتمد بشكل أساسي على الآبار كمصدر للمياه العذبة”. واكد انّ “الآثار البيئية لا تتوقف عند التلوث المباشر للهواء والتربة والمياه، بل تمتد لتدمير التنوع البيولوجي المحلي. فالنباتات والحيوانات البرية تتعرض لخطر الانقراض في المناطق التي تتعرض للقصف، حيث يؤدي تلوث الهواء والماء إلى اضطراب النظام البيئي، مما يقلل من قدرة الكائنات الحية على البقاء والتكاثر. هذا التأثير طويل الأمد يُلحق ضررًا بالموارد الطبيعية للبنان ويعوق جهود التنمية المستدامة في المستقبل” .وقال : “الحرب ليست مجرد تهديد فوري على الأرواح، بل هي مصدر لدمار بيئي عميق يمتد لعقود، ويخلق مشاكل صحية وبيئية تتفاقم مع مرور الوقت، ما يجعل إعادة تأهيل البيئة وإصلاح الضرر الناتج تحدياً كبيراً للبنان في المستقبل”.

تأثير طويل الأمد على البيئة

وأكد كامل “أن الحروب تترك إرثًا بيئيًا ثقيلًا، حيث تمتد آثارها لعقود بعد توقف الصراع. في حالة الحرب (الإسرائيلية) على لبنان، تُعد المواد السامة والمخلفات الحربية من أبرز العناصر التي تلوث البيئة لفترة طويلة. إنّ الأسلحة التي تحتوي على مواد مثل اليورانيوم المنضب والمواد الكيميائية السامة تُسبب تلوثًا يستمر لعشرات السنين، حيث تتراكم في التربة والمياه والهواء. هذه المواد قد تستغرق قرونًا لتتحلل طبيعيًا، مما يعني أن الأجيال المقبلة ستظل تواجه مخاطر بيئية وصحية جسيمة بسبب هذا الإرث”.

وختم قائلاً: “على المدى البعيد، يمكن أن يؤدي التلوث الناتج عن الحرب إلى أزمات بيئية متفاقمة، مثل تدهور خصوبة التربة، ما يؤثر على الزراعة والإنتاج الغذائي، وتلوث المياه الجوفية، مما يحد من قدرة السكان على الوصول إلى مصادر مياه نظيفة. بالإضافة إلى ذلك، فإن إزالة هذه المواد السامة من البيئة يتطلب موارد ضخمة وتكنولوجيا متقدمة، وقد تستمر جهود إعادة التأهيل لعقود، مما يضع عبئا كبيرا على الحكومة والمجتمع المدني”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى