
“مصنع الأجنة”
“الدراسات الحديثة تؤكد أن البشرية مهددة بالزوال، مع انخفاض معدل جودة الحيوانات المنوية وتراجع معدلات الخصوبة. الأرحام الصناعية، أمل البشرية في المستقبل. المجتمع يعارض الأفكار الجديدة، ويخلط بين الأفكار العلمية الحقيقية وبين أفكار الخيال العلمي. يصيب العقم 7 في المئة من سكان العالم الذكور. لكن الآمال معقودة في أن يساعد الذكاء الاصطناعي في حل المشكلة”.
أثار أحدث فيديو نشره صانع المحتوى اليمني، هاشم الغيلي، عن مصنع الأجنة “إكتولايف”، جدلا كبيرا على الانترنت، معيداً طرح النقاش الأخلاقي الحاد حول موضوع الأرحام الاصطناعية. ويقدم الفيديو محاكاة لمشروع رحم اصطناعي كبير قادر على احتضان 30 ألف طفل، من خلال 75 معملاً مجهزاً، يستطيع كل واحد استيعاب ما يصل إلى 400 رحم صناعي، ويوفر الظروف الدقيقة الموجودة داخل رحم الأم الطبيعي .وبحسب الفيديو التوضيحي، سيتيح الرحم الصناعي، الفرصة للأزواج العقيمين لإنجاب أطفال من جيناتهم، كما سيمثل حلاً مثالياً للنساء اللواتي أزيلت أرحامهن جراحياً، بسبب السرطان أو مضاعفات أخرى، ومن شأنه أيضاً أن ينقذ حياة حوالي 300 ألف امرأة تموت سنوياً من مضاعفات الحمل. وأثارت الفكرة المتخيلة تفاعلاً ضخماً على وسائل التواصل الاجتماعي، وتساؤلات عن مدى واقعية الفكرة، أو كونها خيالاً علمياً سوداوياً. ويكشف هاشم الغيلي، أن هناك حقلاً علمياً قائماً في موضوع تكون الجنين خارج الرحم، مضيفاً: ” أنا متخصص في مجال البيولوجيا، وسبق لي الاشتغال على فيديوهات كثيرة حول الموضوع، ولاحظت أن هناك تقدماً علمياً متواصلاً في المجال، لا يتم الحديث عنه بالشكل الكافي”.
“أمل البشرية“
وردا على الانتقادات الموجهة للفكرة، يقول الغيلي إن الأرحام الصناعية، “أمل البشرية في المستقبل”، مشيراً إلى أن الدراسات الحديثة تؤكد أن البشرية مهددة بالزوال، مع انخفاض معدل جودة الحيوانات المنوية وتراجع معدلات الخصوبة. وفي رده على النقاش الأخلاقي الذي يثار في كل مرة حول موضوع الأرحام الاصطناعية، يوضح المتحدث ذاته أن المجتمع يعارض الأفكار الجديدة، ويخلط بين الأفكار العلمية الحقيقية وبين أفكار الخيال العلمي التي يرونها في أفلام “الدسيتوبيا”. ويتابع الشاب اليمني المقيم ببرلين أن الكثير من الأفكار والإنجازات الهائلة التي حققتها البشرية اليوم، كانت إلى وقت غير بعيد مرفوضة بشكل كبير، لكن بمجرد تطبيقها وظهور فائدتها وأهميتها يتم التطبيع معها وتبنيها. ويشدد على أنه بغض النظر عن النقاشات الأخلاقية، فإن قطار الأبحاث والتطور التكنولوجي “لا يتوقف، بالتالي تبقى أهمية مثل هذه الفيديوهات فرصة للتعريف بالموضوع وفتح النقاش حولها، وعند الوصول اللحظة الحاسمة نكون قد حققنا تراكما في النقاش حولها”. في هذا الجانب، يبرز هاشم، أن الغرض من الفيديوهات التبسيطية التي ينجزها، أن يشرح ويوضح، ويفتح باب النقاش حول سؤال: إلى أين وصل العلم؟ ويؤكد صانع المحتوى اليمني، أن تكنولوجيا تحويل هذا المشروع إلى حقيقة، متاحة بالفعل، كاشفاً أن كل ميزة مذكورة في الفيديو، تستند على الأبحاث العلمية، ويبقى الشيء الوحيد المتبقي هو بناء نموذج أولي من خلال دمج جميع الميزات في جهاز واحد”.
تبسيط العلوم
فيديو مصنع الأجنة، ليس إلا نموذجاً واحداً لأعمال الشاب اليمني الذي حوّل شغفه وحبه للعلوم إلى فيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي، تبسّط الظواهر العلمية المعقدة، وتفتح أعين متابعيه على أفكار ثورية وغير مسبوقة في مجال العلوم. وينشر هاشم الغيلي، سلسلة فيديوهات تقدم معلومات وحقائق علمية، وتستعرض أحدث التطورات في مجالات التكنولوجيا والفيزياء والبيولوجيا وعلم الأحياء، مجال تخصصه، مرفوقة بتصاميم ورسومات توضيحية وإنميشن، وبالاعتماد على أحدث الإصدارات العلمية والبحثية. ويتابع صفحة صانع المحتوى اليمني، ScienceNature””، أزيد من 33 مليون متابع على فيسبوك، وحازت فيديوهاته على أكثر من 17 مليار مشاهدة، 88 مليونا منها على منصة يوتيوب، كما تلهم إنتاجاته “المستقبل هو الآن”، و “في العلم نثق” الآلاف من الأشخاص. وتعود بدايات هاشم البالغ 32 عاما، مع صناعة المحتوى العلمي إلى عام 2009، السنة التي أنهى فيها المرحلة الثانوية ببلاده، وقرر الهجرة إلى باكستان بعد حصوله على منحة بكالوريوس، قبل أن يعود إلى بلاده ويحصل على منحة جديدة لإتمام دراساته العليا بألمانيا في مجال التكنولوجيا الحيوية الجزيئية، في جامعة جاكوبس ببريمن.وبعد تحصله على الماجستير وثماني أشهر من ولوجه سلك للدكتوراه، قرر الشاب اليمني عدم اكمال الدكتوراه والتركيز في مجال السوشال ميديا، لصعوبة الجمع بين الدراسة وبين صناعة المحتوى العلمي، مشيراً إلى أن “كل مجال بمثابة وظيفة كاملة”. ويتابع المتحدث ذاته أن عدد المتواصلين العلميين في بداية العقد الماضي، كان قليلا، واستغل خلفيته وحبه الكبير للعلوم، بالإضافة إلى مهاراته في الغرافيكس من أجل إنجاز فيديوهات توضيحية تبسط معلومات علمية معقدة وتتيحها لغير المتخصصين في المجال. ويورد هاشم أنه يحاول من خلال فيديوهاته أيضا، تصحيح بعض الشائعات والمعلومات المغلوطة التي ترتبط بعدد من المجالات العلمية، مبرزا أن أي منشور يقدمه يرفقه بمصادر علمية دقيقة، تتسند على أوراق بحثية علمية منشورة، ويشير إلى أنه بعد الانتهاء منها يراجعها علماء ومختصون. وعن طريقة اختيار المواضيع، يكشف الباحث اليمني، أنه قبل إعداد أي فيديو، يطرح على نفسه سؤال، حول ما إن كان سيهتم هو شخصيا بهذا الموضوع لو قرأ عليه أو شاهد فيديو عليه، موضحاً أنه يعود أيضاً إلى أرقام الفيديوهات التي تحظى بتفاعل كبير على صفحته لتحديد نوعية المواضيع التي سيهتم بها متابعوه.
كيف يمكن أن يساهم الذكاء الاصطناعي بفاعلية في علاج العقم عند الرجال؟
يصيب العقم 7 في المئة من سكان العالم الذكور. لكن الآمال معقودة في أن يساعد الذكاء الاصطناعي في حل المشكلة. ونجح الدكتور ستيفن فاسيليسكو، وفريقه العلمي في تطوير برنامج ذكاء اصطناعي يمكنه اكتشاف الحيوانات المنوية في عينات مأخوذة من خصية رجال مصابين بالعقم الشديد، بشكل أسرع ألف مرة مما يمكن اكتشافه من خلال العين البشرية التي تقوم بتحليل هذه العينات حتى لو كانت مدربة تدريباً عالياً. ويقول فاسيليسكو، “يمكن أن يسلط برنامج الذكاء الاصطناعي هذا الضوء على الحيوانات المنوية التي يحتمل أن تكون قابلة للحياة (في العينات التي يفحصها) حتى قبل أن يتمكن الإنسان (المتخصص) من فهم ما يراه في العينات”. ويعمل فاسيلسكو مهندساً في الطب الحيوي في جامعة التكنولوجيا في سيدني في أستراليا، وهو مؤسس الشركة الطبية نيوجينيكس بايوساينس. وأطلق على النظام الذي طوره هو وزملاؤه اسم سبيرم سيرش، وهو مصمم لمساعدة الرجال الذين ليس لديهم حيوانات منوية على الإطلاق أثناء قذف السائل المنوي، ويمثلون 10 في المئة من الرجال الذين يعانون من العقم، وهي حالة تسمى فقدان النطاف غير الانسدادي. وفي مثل هذه الحالات عادة ما يتم إزالة جزء صغير من الخصية جراحياً، ونقلها إلى المختبر، حتى يتمكن أخصائي الأجنة البحث يدوياً عن الحيوانات المنوية السليمة في العينة. ويتم تفكيك الأنسجة وفحصها تحت المجهر. إذا تم العثور على أي حيوانات منوية قابلة للحياة، فيمكن استخراجها وحقنها في البويضة. ويقول الدكتور فاسيلسكو، إن هذه العملية يمكن أن تستغرق ست أو سبع ساعات عمل يقوم به عدد من الموظفين، وهناك خطر من إصابتهم بالإرهاق وعدم الدقة في رصد الحيوانات المنوية. ويوضح أنه عندما ينظرعالم الأجنة إلى أسفل المجهر، فإن ما يراه “هو مجرد هذه الفوضى الكاملة – مشهد نجمي من الخلايا”. ويضيف فاسيلسكو: “تظهر دماء وأنسجة. قد يكون هناك بالفعل 10 حيوانات منوية فقط في كل هذا، ولكن يمكن أن يكون هناك ملايين من الخلايا الأخرى. إنها مثل البحث عن إبرة في كومة قش”. ويؤكد أن برنامجه المطور سبيرم سيرش، على العكس مما سبق يستطيع العثورعلى أي حيوانات منوية صحية في ثوان فقط، عندما يتم تحميل صور العينات على الفور إلى الكمبيوتر. ولتحقيق هذه العملية بسرعة، قام الدكتور فاسيلسكو وزملاؤه بتدريب الذكاء الاصطناعي على التعرف على الحيوانات المنوية في عينات الأنسجة المعقدة، من خلال عرض آلاف من هذه الصور عليها. وقال فريق الهندسة الطبية الحيوية في جامعة سيدني للتكنولوجيا، في ورقة علمية منشورة، إن اختبار البحث عن الحيوانات المنوية كان أسرع بـ 1000 مرة من أي بحث يقوم به عالم خبير في الأجنة. ومع ذلك، لم يتم تصميم سبيرم سيرش ليحل محل علماء الأجنة، بل ليكون بمثابة أداة مساعدة. وعن هذا البرنامج تقول الدكتورة سارة مارتينز دا سيلفا، المتخصصة في الطب التناسلي بجامعة دندي، إن هذه السرعة في العثور على أي حيوان منوي أمر حيوي لأن “الوقت أمر بالغ الأهمية”. وتضيف “إذا كان لديك شخص قام بجمع البويضات، وهناك بالفعل بويضات تحتاج إلى تخصيب، فهناك فترة زمنية صغيرة حتى نتمكن من القيام بذلك. وسيكون تسريع العملية مفيداً للغاية”. ومع انخفاض أعداد الحيوانات المنوية على نطاق واسع بمقدار النصف خلال العقود الأربعة الماضية، لا يزال العقم يمثل مشكلة متنامية. وتشير التقارير إلى أن العوامل المسببة لانخفاض خصوبة الرجال تشمل كل شيء بدءاً من التلوث والتدخين، وحتى الوجبات الغذائية السيئة، وعدم ممارسة التمارين الرياضية بشكل كاف، والكثير من التوتر. ويستخدم الدكتور موريغ غالاغر، أستاذ مساعد في مركز نمذجة النظم والطب الحيوي الكمي في جامعة برمنغهام، أسلوبه الجديد المعتمد على برامج التصوير لتتبع سرعة وعمل ذيول الحيوانات المنوية لمساعدة الرجال الذين يعانون من مشاكل العقم. ويقول: “إن مشاهدة ذيل الحيوان المنوي تعطي نظرة ثاقبة على صحة العينة”. “يمكن للتغييرات الدقيقة أن تخبرنا ما إذا كانت الحيوانات المنوية تحت ضغط بيئي، أو على وشك الموت، أو أنها تستجيب لإشارة بيولوجية”. وفي الوقت نفسه، تستخدم شركة الخصوبة إكزامن ومقرها بلفاست، تقنية فصل بروتينات عينة من الأنسجة أو الخلايا تعرف باسم الرحلان الكهربائي الهلامي أحادي الخلية، لتحديد تلف الحمض النووي في الحيوانات المنوية الفردية. وتعمل البروفيسورة شينا لويس، وفريقها على تطوير هذه التقنية منذ أكثر من 20 عاما.
وتقول شينا لويس، أستاذ فخري في الطب الإنجابي في جامعة كوينز بلفاست والرئيس التنفيذي لشركة إكزامن، إنه في حين أن التطورات في استخدام الذكاء الاصطناعي مثيرة، فإن الطب يتحرك ببطء شديد.
على سبيل المثال، يعتبر سبيرم سيرش حاليا في مرحلة إثبات المفهوم الجديد، بعد تجربة صغيرة جدا شملت سبعة مرضى فقط.
وتقول البروفيسور شينا: “هذا لا يعني أي شيء بعد. إن طول الفترة الزمنية بين كون شيء ما في مرحلة إثبات المفهوم وتوافره تجاريا ربما يتراوح بين عامين وخمسة أعوام”.
وأضافت أن “أمامنا طريق طويل لنقطعه. إنه يستهدف أيضا مجموعة صغيرة جدا من الرجال الذين لديهم فقدان النطاف غير الانسدادي. أي شيء يمكنك القيام به هو أمر رائع – لكنه لن يصبح سائدا أبدا.”
وبالعودة إلى سيدني، يقول الدكتور فاسيلسكو إن العلاج المشابه يمثل “المحطة الأخيرة”.
ويقول: “قد يكون هذا هو الفرق بين تخصيب البويضة، أو مجرد التوقف عن العلاج”.
“إذا تمكنا من جعل علماء الأجنة أكثر كفاءة وأكثر دقة، فقد يجدون حيوانات منوية لم يكن من الممكن العثور عليها بطريقة أخرى. وهذا يمنح الرجل فرصة إنجاب أطفاله البيولوجيين.”
ويستعد الفريق البحثي حاليا لأخذ الذكاء الاصطناعي الخاص به إلى التجارب السريرية. يقول الدكتور فاسيلسكو: “الحمل الحي الفعلي هو الخطوة التالية”.