
أحداث الساحل السوري – زوبعة في فنجان ولكنها دموية دامية (الجزء الثالث)
د. أيمن أبو الشعر
• تباين واضح بين مواقف الدول حول أحداث الساحل السوري حيث تبدو الدول الأجنبية أكثر تعاطفا مع ضحايا العنف ضد المدنيين.
تلاحقت ردود الفعل العربية والإقليمية والدولية على هذا الحدث الرهيب، وأميل إلى الاعتقاد بأن الظرف الاستثنائي لسورية، وعدم وضوح حقيقة ما جرى -حيث لم تبد وسائل الإعلام الدولية والعربية الاهتمام الكافي بهذه المأساة وهمشت تفاصيله إلى حد كبير- جعل العديد من المواقف مرهونا بالتوجهات السياسية، وكذلك الانتماءات الدينية والطائفية والمناطقية.
ردود الفعل شعبيا
فعلى صعيد شبكات التواصل الاجتماعي تتفاوت التعليقات إلى حد التناقض، فهناك قسم غير قليل من الشعب السوري أدان الهجوم على القوى الأمنية، وكذلك الهجوم على القرى العلوية، وقسم يرفض هذه الجريمة ويدينها لكن التعبير عن ذلك ظل خجولا نسبيا نتيجة الخوف من المحاسبة، خاصة أن المحاسبة قد لا تكون من الدولة، بل من الجيران والمتشددين، وكانت هناك مواقف شامتة ومحرضة وقامت بعض المظاهرات التي تهتف بشتائم مبتذلة تدل على مستوى هؤلاء “الزعران” وقسم عبَّر بشكل عام عن تأييده للسلطات الجديدة مبرئا إياها من هذه الجريمة استنادا إلى أنها شكلت لجنة تقصي حقائق. ويلفت النظر في هذا المجال ظهور روايات شهود عيان من أهل الساحل أنفسهم تصف بعض تفاصيل هذه الجرائم التي كانت ذات طبيعة انتقامية بحتة، حيث تم ذبح العديد من الشبان الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الصراع، وليسوا عسكريين أساسا بمن فيهم أطفال ونساء ومعارضون للنظام السابق، وكانت هناك إدانات واضحة للهجوم الذي شُنَّ على قوات الأمن والترحم عليهم وتعزية ذويهم، وفي الوقت نفسه التنويه بأن أولئك عسكريون يحملون السلاح، والذين قاتلوهم من فلول النظام السابق قاموا بمغامرة غبية وهم يحملون السلاح، لكن الانتقام تم من المدنيين، أطباء ومهندسين ومدرسين وأطفال ونساء وليس من حملة السلاح.
أهم ردود الفعل الرسمية السورية
لعل أبرز ردود الفعل من السلطات السورية قد جاءت من الرئيس الشرع نفسه حيث أعلن أن بعض فلول النظام السابق سعت لاختبار سوريا الجديدة التي يجهلونها، وأنه لن يسمح بالمساس بالسلم الأهلي وأن سوريا لن ترجع أية خطوة إلى الوراء، وطالب بالانصياع لأوامر القادة العسكريين، ولكنه اعترف بحدوث تجاوزات غير مقبولة، وأصدر قرارا بتشكيل لجنة تقصي حقائق من عدد من الأشخاص المستقلين، على أن ترفع تقريرها للرئاسة في غضون ثلاثين يوما، مشددا على أن سكان الساحل هم من الأهل وأبناء الوطن، ومن الواجب حمايتهم، وأن الذين قاموا بالتجاوزات على المدنيين سيحاسبون حسابا عسيرا، كما أوضح رئيس جهاز الاستخبارات العامة أنس خطّاب أن التحقيقات الأولية تؤكد أن قيادات عسكرية وأمنية من النظام السابق خططت، ودبَّرت لهذه الجرائم بمن فيهم الفارون المطلوبون للعدالة، واصفا إياهم بالحمقى والمغفلين، من جهة ثانية طالب الآلاف ممن التجأوا للقاعدة العسكرية الروسية في حميميم، وكذلك ما يسمى بالمجلس الإسلامي العلوي الأعلى بالتدخل الروسي والحماية الدولية للساحل.
أهم ردود الفعل العربية
انقسمت ردود الفعل العربية بين التعبير عن القلق إزاء مجمل الأحداث في الساحل وإدانة التنكيل بالمدنيين من جهة وبين إدانة تحركات فلول النظام ودعم الدولة السورية من جهة ثانية أو الجمع بين الموقفين، فقد عبرت مصر عن قلقها إزاء ما جرى في الساحل السوري ودعمها للدولة السورية ومؤسساتها الوطنية مشددة على ضرورة تكريس مشاركة جميع أطياف الشعب السوري وضمان حقوق جميع الطوائف، فيما أدانت السعودية ما وصفته بجرائم ضد قوات الأمن ممن وصفتهم بالخارجين على القانون، وأكدت وقوفها إلى جانب حكومة دمشق، وكذلك أدان بيان الاجتماع الوزاري لمجلس التعاون الخليجي محاولة زعزعة الاستقرار في سوريا، كذلك أكد الأردن وقوف عمّان إلى جانب دمشق، واعتبر الهجوم على قوى الأمن تهديدا لأمن المنطقة واستقرارها ودفع سوريا إلى الفتنة والفوضى، وذهبت قطر أبعد من ذلك حيث أدانت بأشد العبارات جرائم من وصفتهم بالخارجين على القانون، مؤكدة تضامنها مع الحكومة السورية لحفظ الأمن والاستقرار، واتخذت كل من الكويت والإمارات مواقف مقاربة في دعم السلطات الجديدة في سوريا، أما العراق فقد استنكر بشدة استهداف المدنيين الأبرياء، وحذر من أن استمرار العنف سيؤدي إلى تفاقم الأزمة وتعميق عدم الاستقرار في كامل المنطقة. كما أدانت الجامعة العربية استهداف قوى الأمن وعمليات القتل العشوائي المنفلت في سوريا.
ومن أهم المواقف الإقليمية والدولية
عبَّرت إيران عن إدانتها لأحداث الساحل السوري معتبرة أن تعامل السلطات السورية مع هذه الأحداث هو امتحان لها، وأن الحفاظ على أمن جميع فئات الشعب السوري تقع على عاتق حكام سوريا الجدد، وأن انعدام الأمن والاستقرار في سوريا يصبُّ في مصلحة إسرائيل، واعتبرت الخارجية التركية أن استهداف فلول النظام المخلوع لقوى الأمن العام في اللاذقية في اللاذقية ومحيطها يلحق الأذى بالوحدة الوطنية، وشددت على ضرورة منع التصعيد، وأن استهداف قوات الأمن سيضر بالجهود المبذولة لانتقال سوريا إلى عصر جديد يضمن وحدتها، وأن أنقرة ستواصل دعمها للحكومة السورية وشعبها. أما روسيا فقد أوضحت أن قواتها في سورية في وضع آمن، وعبَّرت الخارجية الروسية عن قلقها إزاء تدهور الوضع الأمني الحاد، ودعت جميع القادة إلى وقف إراقة الدماء وحماية المدنيين، واعتبرت الحفاظ على الوفاق الوطني وتعزيز أمن المواطنين وضمان حقوقهم القانونية بغض النظر عن الانتماء العرقي والديني أمرا بالغ الأهمية، في حين كان موقف الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية أكثر حسما، حيث أدانت الخارجية الأمريكية إرهاب الإسلاميين المتطرفين والجهاديين الأجانب الذين قاموا بقتل الناس في غرب سوريا، وطالبت بمحاسبة الذين نفذوا هذه المجازر، وأدانت ألمانيا أعمال العنف في محافظات الساحل السوري واعتبرتها صادمة، ودعت إلى تحقيق شامل والسعي إلى إيجاد حلول سلمية وعدالة انتقالية، ونددت فرنسا باستهداف المدنيين على خلفيات طائفية، أما الاتحاد الأوروبي فقد أدان هجمات فلول النظام على قوى الأمن في الساحل السوري، مشددا في الآن نفسه على ضرورة حماية المدنيين وفقا للقانون الإنساني، مع رفضه للمحاولات التي تهدف إلى تقويض الاستقرار في سوريا ودعا إلى احترام سيادتها وسلامة أراضيها.
من جهة ثانية وفي السياق نفسه أعرب أنطونيو غوتريش الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه إزاء أحداث الساحل السوري وأشار دوجاريك الناطق باسم الأمم المتحدة إلى أن الأمين العام يدين بشدة كل أعمال العنف، ويرفض التصعيد في وقت ينبغي فيه تحقيق المصالحة الوطنية والانتقال السياسي السلمي بعد 14 عاما من الصراع. أما بيدرسون المبعوث الدولي إلى سوريا فشدد على ضرورة ضبط النفس من جميع الأطراف وحماية المدنيين والامتناع عما يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في سوريا، ولا بد من الإشارة إلى أن جلسة مجلس الأمن حول الأحداث في سوريا أظهرت توافقا كبيرا حيث أكد مندوب روسيا الدائم نيبينزا على أن جميع الدول أكدت ضرورة نبذ العنف والقتل الجماعي.
الآفاق المحتملة
لا شك بأن الأحداث الدامية في الساحل السوري أحدثت شرخا عميقا في بنية المجتمع السوري قد تحتاج إلى أجيال لإزالتها، حيث أكد الصليب الأحمر السوري بعد دخول فرقه إلى عدد من القرى في جبال الساحل السوري أن الوضع كارثي ويحتاج إلى مساعدات دولية كبيرة وعاجلة لا يستطيع أن يؤمنها الصليب الأحمر بما في ذلك الغذائية والطبية، ناهيك عن مدى فعالية الإجراءات التي وعد بها الرئيس الشرع والتي بدأت أولى خطواتها بتحقيقات لجنة تقصي الحقائق حيث أكد مصدر أمني بأنه تم إغلاق كل الطرق المؤدية إلى الساحل وإعادة الأشخاص ممن لا يحملون مهمة عسكرية رسمية، واعتقال مجموعات عسكرية من القوى الشعبية نتيجة ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين، وقد أكد وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني أن القيادة السورية اتخذت خطوات عملية لتعزيز الأمن والاستقرار والسلم الأهلي، وسيتوقف الكثير على مدى محاسبة الذين قاموا بقتل الناس والتنكيل بالآلاف من المدنيين خاصة أن الشرع وعد بأنه لن يكون هناك أي شخص فوق القانون وأن كل من تلوثت يداه بدماء السوريين سيواجه العدالة عاجلا غير آجل.
وتبقى الأزمة متصاعدة من جهة ثانية نتيجة لجوء الآلاف من سكان الساحل إلى قاعدة حميميم مطالبين بحماية روسية أو دولية، فيما تسعى الحكومة لتطمينهم وإعادتهم إلى قراهم، وقد بدأ وفد أممي لتقصي الحقائق بزيارة بلدات وقرى في ريفي اللاذقية وطرطوس، وسيتوقف على تقاريرها الكثير كما يبدو حتى بما يتعلق بالدعوات لرفع العقوبات الدولية عن سوريا.