صحافة وآراء

الهوية والاتصال الثقافي في ظل الفضاء الإفتراضي “رؤية أنثروبولوجية”

د.مها أسعد

إن مفهوم الهوية من وجهة النظر الأنثروبولوجية مؤسس على تصورين هما خرائط المعنى والمعاني المُشتركة، وأن التواصل له مكانة مهمة داخل العالم الاجتماعي والثقافي، الذي هو بدوره يكون ممكنا من خلال الاتصال، ومن ثم فأن الاتصال والثقافة يشكل كل منها الاخر، ففي كل مرة نتواصل بها نستعمل مُسلمات وأدوات ثقافية، كما وأن الثقافة لا تكون مُتاحة إلا عبر الاتصال بكُل أشكاله وبحسب مُتغيرات العصر  والتي منها التواصل عبر عملية بواسطة فضاء أفتراضي، اما المعاني التي يتم تبادلها عبر هذه العملية (Process ) فأنها لا تنتظر من يعثر عليها ويتداولها، ولكنها مولدة عبر تنظيم العلامات، ولاسيما العلامات اللغوية كالاشارات المُشتركة والمُتفق عليها من قبل أعضاء الجماعة والتي منها جماعة أحدى منصات التواصل الاجتماعي، من هنا جاء الاهتمام القوي من قبل الدراسات الأنثروبولوجية لما أحدثته هذه الثورة الرقمية من تأثير على ثقافة المجتمع، بمعنى أن الصورة او النص المُتداول الذي هو مكون من علامات يجب أن يُقرأ من قبل الناس لتفعيل اي معنى ومن بين الناس هو الباحث المهتم بهذا الشأن، وهذا يعتبر أمراً بديهياً داخل الدراسات الثقافية فان الجماهير تعد منتجاً نشطاً وعارفاً بالمعنى لا منتجاً لنص مُهيكل فقط، وأن الجمهور الذي يقرأ ويُشاهد المُتداول سيعيدهُ إلى النص والسياق الثقافي الأتصالي ضمن مساحة المجتمع الثقافية؛ كما وترى الدراسات الثقافية أن هناك بعض الغموض يكتنف العمليات الاتصالية، وأن اي تركيز سيكون على الغموض وعلى المعنى داخل الدراسة هو يكون بسبب تنوع النماذج التواصلية التي ركزت على مرور المعلومات وكيفية إرسالها وكيف تكون الإستجابة لها من خلال اللغة الدارجة في سياق ثقافي بعينه، نستطيع أن نعبر عن الواقع الذي نعيش فيه بواسطة قضايا علمية وفلسفية ومعرفية وهذا ما يؤكد عليه باستمرار كلود ليفي شتراوس، ويبدو أن الاشتغال العلمي عن التواصل بوصفه واقعة تواصلية يتم على مستويين او مرحلتين، في البداية يتعلق الأمر بالمُعاينة والملاحظة التشاركية لإظهار إطارات الأدراك والتنظيم التي عبرها تعتبر بعض الظواهر الثقافية والاجتماعية من قبل مجموعة أجتماعية مُعينة أحداثاً أو أفعالاً تواصلية. يجب أن يُشكل هذا الوصف المحلي الى حد ما علم تواصل للمجموعة أو المجتمع المعني حينما يحاول الباحث إبراز العلاقات التي تجمعها بمجموعة من المُسلمات الفلسفية ومن المعتقدات الدينية ومن الأساطير حول الانسان والطبيعة الشائعة وسط هذه المجموعة الاجتماعية التي يدرسها، فأنه ينتقل بهذه اللحظة الى المستوى الثاني من عمله، وذلك لأنه يستعمل لغة معرفة علمية تمتلك نماذجها الخاصة؛ لذلك فأن اللغة بكُل الأحوال تلعب دور الوسيط بين مرسل الرسالة والمتلقي والمادة المُتداولة، وذلك لأن الإتصال هو عملية بث المعاني بين الأفراد، وهذه العملية أساسية وحيوية بالنسبة للأنسان، لأن المجتمع الأنساني مؤسس على قدرة الإنسان على نقل نواياه وإحساساته ومعارفه وخبراته إلى الآخرين، فهي عملية حيوية تُزيد من فرصته على البقاء، كما وأن الأتصال ظاهرة تتغير بشكل مُستمر ومتواصل خلال فترة من الزمن، بمعنى أنه لا يمكن تجميد عملية الأتصال وتنميطها عند حد معين، وفي هذا الأطار سيُعنى العديد من الباحثين لتقديم نماذج تحليلية لوصف وتحليل عملية الاتصال وعناصرها الأساسية، فهو يعرف على هذا النحو بأنه العملية المُستمرة التي تتم بمقتضاها تكوين العلاقات بين أفراد المجتمع وتبادل المعلومات والآراء والأفكار والتجارب في رموز دالة فيما بينهم لتحقيق أهداف معينة، وهو بذلك نشاط يتم من خلاله نقل مضامين إعلامية أو خيالية الى جمهور معين يراد توصيلها إليه وبالوسيلة التي تكفل تحقيق أفضل تأثير ممكن ويبدأ بالأتصال الذاتي (Intrapersonal Communication) الذي يتم بين الأنسان ونفسه في محاولة لتنظيم إدراكه عن الأشخاص والأشياء والمواقف والأحداث التي يتعرض لها أو حول ما يتلقاه من معلومات وأفكار باعتبارها منبهات ومُثيرات تتطلب منه أستجابة، وينتهي بالاتصال الجماهيري (Mass Communication) الذي يختفي فيه عنصر المواجهة أو التلاقي المباشر بين طرفي الأتصال وتتجة خلاله الرسالة المراد إيصالها إلى أعداد غفيرة وغير متجانسة من الجمهور والتي منها تكون وسائل التواصل الاجتماعي ضمن فضاء افتراضي، لترجمة غايات عديدة للتواصل منها التزود بالمعلومات، والربط و التفسير بهدف تحسين نوعية المعلومات وتوجيه الناس لما يفكرون فيه وما يفعلونه، كما وأن لهُ غاية التحرر العاطفي من التوتر والضغوط والمشكلات، والمساعدة في توحيد المجتمع من خلال توفير قاعدة مشتركة للمعايير والخبرات الاجتماعية، مما يحفز

لقيادة التغيير الاجتماعي والثقافي داخل المجتمع بواسطة تقديم النموذج الأيجابي في الشؤون العامة، ويمكن ترتيب وسائل الاتصال بشكل مخروط كما قسمة إدغار ديل (Edgar Dale) والذي أُطلق عليه مخروط الخبرة وجعل قاعدة الخبرة الهادفة المباشرة ( الواقع ) وجعل قمته الرموز (المجرد) ثم قام بترتيب الوسائل السمعية والبصرية بين القاعدة والقمة، فمن الأتصال الشخصي تتكون فكرة الذوات المُحتملة (الأفتراضية)، فأن المخطط الذاتي يعكس أهتماماً سائداً بمجال معين من السلوك، وأن الهوية المعينة كانت وتستمر في كونها طريقة مهمة يُمكننا فيها أن نُحدد أنفسنا وأن نكون مميزين عن الآخرين، ليس مجرد دمج للأعمال السابقة والحالية بل أنها دعوى للمسؤولية عن السلوك المُستقبلي في مجال معين، وبالتالي تُحدد المُخططات الذاتية الذات السابقة والحالية (الواقعية)، ولكن الأهم من ذلك هو أنها تُحدد مع الذات المُستقبلية المحتملة ( المثالية) لتُثبت ان هذا المُكون هو في الحقيقة الجانب الأكثر أهمية للمخطط الذاتي في تشكيل ودعم السلوك ضمن الفضاء الافتراضي العاكس للشخص ومرجعياته الثقافية. يبقى مفهوم الهوية من جانبة التواصلي ومن وجهة النظر الأنثروبولوجية مفهوماً داخلياً يعكس معطيات خارجية.

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى