صحافة وآراء

بعد اغتيال العاروري.. ماذا نعرف عن تقنيات الاغتيال باستخدام الطائرات المسيّرة؟ – قاسم دنش

تعددت العمليات العسكرية التي تنفذها القوات الإسرائيلية باستخدام الطائرات المسيرة، وآخرها اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، فكيف تمت عملية الاغتيال؟ وكيف تقوم المسيّرات بهذه المهمة؟

تعد الطائرات المسيّرة، المعروفة أيضاً بالطائرات من دون طيار أو الدرونز، من التكنولوجيا الحديثة التي شهدت تطوراً سريعاً في عصرنا الحالي. إنها ظاهرة تكنولوجية استثنائية أصبحت تؤدي دوراً مهماً في مجالات عدة، بدءاً من الاستخدامات العسكرية إلى التطبيقات المدنية والعلمية.

بدأ استخدام الطائرات المسيرة في الأصل لأغراض عسكرية، إذ كانت تستخدم للمهام الخطرة أو الرصد، ما ساهم في تحسين فعالية الاستخبارات والتخطيط العسكري. ومع مرور الوقت، اتسعت دائرة استخداماتها لتشمل الاستخدامات المدنية والتجارية.

تتنوع هياكل الطائرات المسيرة بتصاميمها وأحجامها وقدراتها. تعتمد هذه الهياكل على الغرض المحدد للطائرة، إذ يمكن أن تكون صغيرة الحجم للاستخدامات المدنية، مثل توصيل الطرود، أو كبيرة الحجم (وبقدرات أكبر) لتنفيذ مهام معقدة.

فعالية استخدام الطائرات المسيرة في المجال العسكري

أحدثت الطائرات المسيّرة تغييراً جذرياً في المجال العسكري، إذ وفرت تحسيناً كبيراً في الاستخبارات والتخطيط العسكري، وقدمت مزايا فريدة جعلتها فعالة في مختلف السيناريوهات والمهام العسكرية. فيما يلي بعض الجوانب التي تسلّط الضوء على فعالية استخدام الطائرات المسيّرة في العسكرة:

الاستطلاع والرصد

– تجسس دقيق: تمكّن الطائرات المسيرة من توفير بيانات دقيقة للغاية حول المناطق المستهدفة، ما يعزز القدرة على التجسس وفحص التهديدات من دون التعرض للخطر.

– متابعة الحركة: يمكن استخدام الطائرات المسيرة لمتابعة حركة قوات العدو أو الجماعات المعادية، وهو أمر حيوي للفهم الكامل للمواقف العسكرية.

الهجمات الدقيقة

– ضربات جوية: تُستخدم الطائرات المسيرة لتنفيذ ضربات جوية دقيقة، ما يساهم في تقليل التدمير الجانبي وتحسين دقة الهجمات.

التخطيط والمراقبة

– دعم التخطيط: تسهم البيانات الواردة من الطائرات المسيّرة في دعم عمليات التخطيط العسكري، إذ يمكن للقادة العسكريين الاعتماد على معلومات دقيقة لاتخاذ قرارات استراتيجية.

تخفيف المخاطر على الجنود

– استبدال المهام الخطرة: يمكن استخدام الطائرات المسيّرة لتنفيذ المهام الخطرة والمهام التي يمكن أن تعرض حياة الجنود للخطر، ما يحد من خطورة المهام العسكرية.

التكامل مع الأنظمة العسكرية

– تحقيق التكامل: يمكن تحقيق التكامل بين الطائرات المسيّرة وأنظمة الدفاع والأنظمة العسكرية الأخرى بسهولة، ما يعزز التفاعل والتنسيق بين مختلف الوحدات.

تقليل التكلفة

– تقليل التكاليف البشرية والمالية: يمكن تقليل الاعتماد على الجنود والطائرات التقليدية، ما يقلل التكاليف ويحسن كفاءة العمليات.

استخدام متعدد الأغراض

– تنوع الاستخدامات: يمكن تكوين الطائرات المسيرة لأغراض متعددة، بما في ذلك المراقبة، ونقل الحمولات، وتقديم الإغاثة في حالات الكوارث.

المسيّرات وعمليات الاغتيال

أصبحت الطائرات المسيّرة أداة فعالة في عمليات الاغتيال، إذ يمكن استخدامها لقتل أهداف عالية القيمة بدقة عالية. استخدمتها الولايات المتحدة في عدة عمليات اغتيال.

هناك العديد من الأسباب التي تجعل الطائرات المسيّرة خياراً جذاباً لعمليات الاغتيال، منها:

– الدقة: يعد استخدام المسيرات في عمليات الاغتيال مثالاً بارزاً على مدى التقدم التكنولوجي الحديث. تتمتع هذه الطائرات بقدرة على استهداف أهداف محددة بدقة فائقة، إذ يتم تزويدها بأنظمة متقدمة للرؤية والاستشعار. يمكن للمسيرات تجاوز التحديات المحيطة بالهدف وتنفيذ الهجوم بطريقة دقيقة تقلل من خطر التسبب في أضرار جانبية.

– التخفي: يُعَدُّ التخفي وعدم الحاجة إلى وجود عسكري على الأرض من أبرز ميزات استخدام المسيرات في عمليات الاغتيال. يمكن لهذه الطائرات العمل بشكل مستقل، ما يزيد مرونة التخطيط والتنفيذ. بدون وجود عسكريين على الأرض، يتم تقليل مخاطر التعرض للهجمات وتحقيق توفير في التكاليف والموارد البشرية.

– التكلفة: تعد الطائرات المسيرة أقل تكلفة من الطائرات الحربية التقليدية.

– سرعة التنفيذ: يتيح استخدام المسيرات في عمليات الاغتيال تحقيق سرعة كبيرة في التنفيذ. يمكن إطلاق المسيرات وتوجيهها نحو الهدف بشكل فعّال وفوري، ما يمنح القوات العسكرية إمكانية الاستجابة الفورية للتحديات الأمنية والقدرة على إعادة برمجة المسار وتعديل الهدف أثناء الرحلة تعزز المرونة التكتيكية.

قرار الاغتيال بين التنفيذ الآلي والمتحكم فيه عن بعد

يمكن تصنيف المسيرات إلى نوعين رئيسيين استناداً إلى كيفية اتخاذ القرارات والتحكم فيها: المسيرات ذاتية القرار والمسيرات المتحكم فيها عن بعد.

المسيرات ذاتية القرار: تمثل فئة من الطائرات من دون طيار تتمتع بقدرة فائقة على اتخاذ القرارات بشكل مستقل ومن دون التدخل المباشر من الإنسان. تعتمد هذه الفئة على أنظمة الاستشعار المتطورة والبرمجيات الذكية لتحليل البيانات واتخاذ القرارات بناءً على مجموعة من المعايير المحددة. يعتبر استخدام المسيرات ذاتية القرار متقدماً في مجالات متعددة، بما في ذلك المراقبة والاستطلاع، وحتى في العمليات العسكرية، إذ يمكنها تنفيذ هجمات بدقة.

المسيرات المتحكم فيها عن بعد: تشكل فئة أخرى من الطائرات من دون طيار، إذ يتم التحكم فيها عبر واجهة تحكم بواسطة مشغل بشري. يتيح هذا النمط من المسيرات للمشغلين البشريين التدخل المباشر في توجيه المسيرة واتخاذ القرارات بشكل فوري. يتم التواصل بين المشغل والمسيرة عن طريق إشارات الراديو أو الاتصالات اللاسلكية.

يجد استخدام المسيرات المتحكم فيها عن بعد تطبيقاً واسعاً في العمليات التكتيكية والاستخبارات، ما يتيح للبشر التفاعل مع التحديات المتغيرة بشكل فعال.

إلى ذلك، يحقق التكامل بين المسيرات ذاتية القرار وتلك التي يتم التحكم فيها عن بعد إمكانيات شاملة في تنفيذ عمليات الاغتيال. على سبيل المثال، يمكن للمسيرة ذاتية القرار أن تبدأ عملية استخبارية وجمع معلومات، ثم تحليلها بشكل آلي لتحديد الهدف. بمجرد تحديد الهدف، يمكن للمشغل البشري أن يتدخل لتوجيه المسيرة إلى المكان المستهدف بدقة.

في المجمل، يظهر هذا التفاعل بين المسيرات ذاتية القرار وتلك التي يتم التحكم فيها عن بعد القوة الكامنة لهذه التكنولوجيا في تنفيذ مهام حساسة ومعقدة كعمليات الاغتيال.

من هنا، وبعد هذا العرض، نقول إنّ عمليات الاغتيال القائمة على استخدام المسيرات يمكن أن تتم من خلال كلا النوعين من المسيرات، فإذا ما تم الاغتيال بواسطة النوع الأول، فهذا يعني أن المسيّرة نفسها أخذت قرار الاغتيال بمجرد تحديد هدفها.

أما إذا تمت عملية الاغتيال باستخدام النوع الثاني، فهذا يعني أنّ المسيرة يُتحكم فيها عن بعد لإيصالها إلى مكان الضحية الذي يحدده مشغلوها.

تقنيات تحديد الهدف

تحديد الهدف -الضحية- في عمليات الاغتيال يتطلب استخدام تقنيات متقدمة ومتطورة لضمان دقة العملية ونجاحها. تقنيات تحديد الهدف في عمليات الاغتيال شهدت تقدماً كبيراً في السنوات الأخيرة، إذ تم تبني تقنيات متقدمة لتحديد الأهداف بشكل دقيق.

سنلقي نظرة على بعض هذه التقنيات:

1. استنتاج الهدف بناءً على الوجه (Face Recognition):

يعتمد هذا النهج على تقنيات التعرف إلى الوجه لتحديد الهدف المستهدف. تستخدم الكاميرات والأنظمة الذكية لتحليل الوجوه الملتقطة ومقارنتها بقاعدة البيانات لتحديد الشخص المستهدف. توفر هذه التقنية دقة عالية في تحديد الأهداف والقدرة على التمييز بين الأفراد بشكل دقيق.

2. تحليل السلوك (Behavior Analysis):

يقوم نظام التحليل بتقييم سلوك الفرد المستهدف، مثل الحركات والأنشطة. يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد أي تغيرات غير عادية في السلوك والتنبيه لوجود تهديد. توفر هذه التقنية رصد السلوك غير العادي الذي يمكن أن يكون مؤشراً قوياً على نيات عدوانية.

3. التعرف إلى الصوت (Voice Recognition):

يستخدم تقنيات التعرف إلى الصوت لتحديد الهدف بناءً على تحليل الأصوات والمحادثات. يمكن توظيف أنظمة التعرف إلى الصوت للتمييز بين الأفراد والتحقق من هويتهم. توفر هذه التقنية إمكانية تحديد الأهداف عبر التحقق من الهوية الصوتية.

4. تقنيات الاستشعار الحيوي (Biometric Sensing):

تتضمن استخدام مجموعة متنوعة من تقنيات الاستشعار الحيوي، مثل بصمات الأصابع والعين، وحتى تحليل الحرارة الجسدية، لتحديد الهدف. توفر هذه التقنية زيادة الدقة والتحقق الفوري من هوية الفرد.

5. تقنية تحديد الموقع (GPS-based Targeting):

تعتمد هذه التقنية على استخدام نظام تحديد المواقع (GPS) لتحديد الهدف بدقة. يتيح GPS تسجيل تحركات الأفراد وتحديد مواقعهم بدقة على الخريطة.

المسيّرات الإسرائيلية بين الاغتيالات والهجوم

تتسم القوات الجوية الإسرائيلية بتنوع واسع في أسطولها من الطائرات المسيّرة التي تختلف في الحجم والأداء. بدأ استخدام هذه الطائرات ضد المقاومة الفلسطينية بعد الانتفاضة الثانية في تشرين الأول/أكتوبر 2000. خلال العمليات العسكرية ضد قطاع غزة، وجدت شركات الصناعات الجوية العسكرية الإسرائيلية فرصة متجددة لاختبار هذه الطائرات المسيرة في ظروف الحرب وتحسين قدراتها.

في مطلع عام 2022، وافق الرقيب العسكري على “استخدام القوات الإسرائيلية للطائرات المسيرة في تنفيذ هجمات داخل أراضي العدو”، وأشار إلى أن طائرات “هيرمس” من وحدة “زيك” تُستخدم في تنفيذ عمليات اغتيال وهجمات في قطاع غزة. تم أيضاً تنفيذ إجراء “الطَرق على السطح” للتحذير من قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على تنفيذ الغارات والهجمات.

بعد هجوم حماس المفاجئ على قواعد عسكرية ومستوطنات إسرائيلية في غزة في السابع من أكتوبر الماضي بعملية “طوفان الأقصى”، تدفقت الطلبات الإسرائيلية على الموردين الأميركيين بشكل كبير للحصول على طائرات بدون طيار بأكبر عدد ممكن وبأسرع وقت ممكن. هذا وإن دلَّ على شيء فإنما يدل على الحاجة الملحة لقوات الاحتلال إلى المسيرات وخوفها من المواجهة المباشرة مع المقاومين.

وقد جاء هذا التوجيه للطلبات من قبل مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية و”الجيش”، إضافة إلى مجموعات من المواطنين العاديين، بحسب تأكيد مسؤولين تنفيذيين في شركات إنتاج الطائرات بدون طيار.

مما لا شك فيه أن استخدام الكيان الإسرائيلي الكثيف للمسيّرات، سواء في قطاع غزة أو في جنوب لبنان، يعطيه كثيراً من نقاط القوة في الجو. هذه المسيّرات التي اعتاد الجنوبيون والغزيون سماع صوتها لا تفارق سماءهم لحظة واحدة، وتحاول قدر الإمكان التقاط ما يمكن التقاطه من صور وموجاتٍ صوتية. ويدرك المقاومون تماماً الأهداف الميدانية لهذه المسيّرات، سواء كانت لأغراض تجسسية أو للاستهداف المباشر، ويعملون على مواجهتها والحد من قدراتها وتأثيرها.

تنشط في قطاع غزة وجنوب لبنان مسيّرات إسرائيلية ذاتية القرار تعتمد على تحليل سلوك ما تلتقطه كاميراتها، وبالتالي قد تطلق مقذوفها على هدف معين من دون الرجوع إلى أي مرجع أو قرارٍ بشري.

إضافة إلى ذلك، يُشتهر في “إسرائيل” استخدام “الجيش” للمسيّرات الهجومية التي يتحكم فيها عن بعد، إذ ترصد غرف العمليات الصور والفيديوهات، وربما الأصوات والإشارات أيضاً الآتية من تلك المسيرات، وتأخذ القرار مركزياً بالمهاجمة أو لا.

اغتيال الشيخ صالح العاروري

أعلنت حركة حماس أن “إسرائيل” اغتالت صالح العاروري، نائب رئيس مكتبها السياسي، واثنين من قادة كتائب القسام في هجوم بطائرة مسيّرة على مبنى في الضاحية الجنوبية ببيروت مساء يوم الثلاثاء في 2 كانون الثاني/يناير 2024، فما احتمالات تنفيذ الاستهداف بالمسيّرات الإسرائيلية؟

بعد كل ما تقدم، فإننا نرجح أن ما حصل يتأرجح بين 3 فرضيات:

الفرضية الأولى: تم الكشف مسبقاً عن مكان الشيخ العاروري ورفاقه. وبناء عليه، تم إرسال مسيرة GPS-based Targeting التي ما إن وصلت إلى المكان الجغرافي المحدد مسبقاً، حتى تم إطلاق المقذوف على الشقة، إضافة إلى تحفيظ مسبق لصورة سيارة الشيخ العاروري، فما إن تعرفت إليها المسيرة حتى تم قصفها.

الفرضية الثانية: تم تحفيظ صورة الهدف المزمع اغتياله –الشيخ العاروري- إضافةً إلى صورة سيارته في المسيرة الإسرائيلية التي أطلقت صواريخها على الهدف، إذ أوكلت إليها مهام التجوال في سماء الضاحية الجنوبية بحثاً عن الهدف المحفّظ لديها. وما إن تم اكتشافه أو التعرف إليه، حتى أطلقت مقذوفها مع أو من دون الرجوع إلى غرفة العمليات.

الفرضية الثالثة: الصواريخ التي أُطلقت لاغتيال صالح العاروري ورفاقه لم تطلق من مسيّرات أصلاً، إنما من طائرة حربية، ولكن هذه الصواريخ توجه باللايزر، وهي خارقة للتحصينات (أسقف الإسمنت المُسلّح)، إذ اخترقت سقفين، وكان عدد “الفتحات” في السقف المخترق أكثر من 3.

أما عن تحديد مكان الهدف، إذا ما اعتمدنا على الفرضية الأولى، فإننا نرجح ما يلي:

الاحتمال الأول: تم التعرف إلى مكان الشيخ العاروري من خلال التعرف إلى بصمة صوته من خلال وجود هاتف خلوي محيط به.

الاحتمال الثاني: تم التعرف إلى موكب الشيخ العاروري باستخدام المسيرات التي تعتمد على تحليل المسلك. وقد تم مسبقاً دراسة مسلك موكب سيارات الشيخ العاروري.

الاحتمال الثالث: الاحتمال الذي يعتمده الإسرائيلي منذ تأسيسه، وهو اعتماده على عملاء محليين زودوه بإحداثيات الشيخ العاروري.

في الختام، يظهر بوضوح أن استخدام المسيّرات في عمليات الاغتيال يشكل تحولاً كبيراً في الطريقة التي يتم بها تنفيذ المهام الحساسة. مع تقنيات تحديد الهدف المتطورة، فإن تكامل المسيّرات ذاتية القرار مع تلك المتحكم فيها عن بعد يعزز قدرة الجيوش والأجهزة الاستخباراتية على تحقيق أهدافها بشكل أكثر فعالية.

ويبقى التحدي اليوم في كيفية تضليل قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية هذه المسيّرات عن أهدافها.

المصدر: الميادين نت

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى