صحافة وآراء

أوكرانيا لن يهدأ لها بال إن لم تجر العالم إلى حرب نووية

د. أيمن أبو الشعر

لدى روسيا صواريخ مماثلة لتوماهوك وأخرى أقوى وأفضل منها كأورشينيك وقد يظهر قريبا ما هو أقوى وأفضل حسب بوتن

الشعار الخاطئ يؤدي إلى ممارسة خاطئة

قراءة الواقع بموضوعية من أهم سمات المسؤول السياسي على المستوى الدولي، لكن المصيبة أن يبتعد الكثير من السياسيين عن هذه السمة في قراءة الواقع بأحلام غير واقعية وطرح شعارات لا يمكن تنفيذها على أرض الواقع ، من ذلك هذا الشعار الهدف الذي وضعه بعض القادة الأوربيين لأوكرانيا وهو ” أن يتم إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا” ما جعل الصراع يستمر طيلة هذه السنوات بعد أن انسحبت أوكرانيا من مباحثات استانبول التي كادت أن توقف الحرب وبشروط كانت معقولة لكييف ولكن لم تعد تقبل بها روسيا الآن، ولن تستطيع القوات الأوكرانية تحقيقها رغم كل هذا الدعم الغربي بالسلاح والمال والمعطيات اللوجستية والاستخباراتية والتدريب والمرتزقة، ويبدو أن العجز الواضح عن تحقيق ولو جزء من هذا الهدف “هزيمة روسيا” دفع إلى تطور نوعي في محاولة توسيع الصراع وتعميقه، والدفع نحو تدخل الناتو عسكريا الأمر الذي سيؤدي إلى اشتعال حرب عالمية ثالثة، والتي ستنتهي بحرب نووية تكرس نهاية العالم.

البداية المفجرة لأزمة الصواريخ

لو عدنا بالذاكرة إلى الوراء إلى مرحلة الستينات لواجهتنا أشهر أزمة حول الصواريخ السوفيتيية التي نشرها خروشوف في كوبا والتي أطلق عليها تسمية أزمة الكاريبي، كادت تلك الأزمة أن تفجر فعلا حربا عالمية خطيرة جدا ذاك أن الصدام بين العملاقين النوويين سيدفع حتما لجر أنصارهما إلى تلك الحرب المحتملة، رغم عدم وجود حرب مباشرة كما هو الحال في أوكرانيا الآن، ومع ذلك أصدر الرئيس الأمريكي كينيدي إنذاره الشهير في 22 أكتوبر عام 1962 وبدأ بحصار كوبا … التفاصيل معروفة لن نتطرق إليها، المهم أن الاتحاد السوفييتي سحب قواعده الصاروخية من كوبا مبعدا عن العالم شبح الحرب النووية، فكيف يمكن لروسيا أن توافق على نشر صواريخ بعيدة المدى قرب حدودها مباشرة في حين كان الأمريكيون مستعدين لحرب نووية إن لم تسحب موسكو صواريخها من كوبا القريبة من الولايات المتحدة…

أشعل فتيل الأزمة المتوالدة حاليا الرئيس زيلينسكي نفسه الذي طلب إبان لقائه بالرئيس ترامب أن يزود أوكرانيا بصواريخ توماهوك، وهو يعرف تماما ميزاتها وأنها بعيدة المدى منوها بأنه قد لا يستخدم هذه الصواريخ، ولكن مجرد وجودها عند أوكرانيا سيشكل ضغطا على الرئيس بوتن ويدفعه لإيقاف الحرب، والمعروف جيدا أن الرئيس بوتن لا يخضع للتهديدات هذا من جانب ومن جانب آخر لا بد أن يكون مع هذه الصواريخ خبراء متخصصون.

بين توماهوك الأمريكي وكاليبر الروسي

نظرة سريعة توضح لنا إمكانيات صواريخ توماهوك الأمريكية وما يقابلها لدى روسيا بدءا بصواريخ كاليبر.
لدى الولايات المتحدة عدة نماذج من صواريخ توماهوك وهي عموما صواريخ استراتيجية بعيدة المدى حيث يمكن أن تصل إلى 1600 كيلومتر وطول الصاروخ توماهوك هو 5،5 متر ووزنه عند الإطلاق بين 1300 إلى 1600 كيلوغرام وهو مخصص للإطلاق من السفن الحربية والغواصات ويحمل رأسا متفجر بوزن 450 كيلوغراما كما أنه يستطيع التفاعل مع عدة مصادر من المعلومات بما في ذلك التواصل مع الأقمار الصناعية، ناهيك عن وجود أجهزة استشعار فيه ترشده في مناوراته وتحليقه على ارتفاعات منخفضة لتجنب المضادات الأرضية، ولكنه ليس فرط صوتي حيث تبلغ سرعته 880 كم في الساعة أي أقل من سرعة الصوت
ولا يقل صاروخ كاليبر الروسي عنه في إمكاناته بل قد تصل سرعته مثلا بعد تسارعه إلى ثلاثة أضعاف سرعة الصوت كما أن مداه يصل إلى 2500 كم وفي حين تقتصر صواريخ توماهوك منذ عام 2000 على الرؤوس التقليدية شديدة الانفجار فإن صواريخ كاليبر تستطيع حمل رؤوس نووية ولدى الصاروخين قدرات مناورة عالية وإمكانية التحليق حتى على ارتفاع 30 مترا والفارق في الحجم يظهر أن صاروخ كاليبر أطول من توماهوك ب 70 سنتمترا وهو فارق شكلي تماما.

ولابد من الإشارة هنا إلى أمرين هامين الأول أن صواريخ توماهوك تحتاج إلى خبراء أمريكيين لتشغيلها وتوجيهها أي خبراء عسكريين من خارج أوكرانيا في حين يقوم الخبراء الروس أنفسهم بتشغيل صواريخهم دون الحاجة إلى خبراء من دول أخرى، وقد أشار الرئيس بوتن إلى هذه الخاصية في تحذيره من احتمال تزويد واشنطن لأوكرانيا بهذه الصواريخ. والأمر الثاني هو أن لدى روسيا أنواع جديدة من الصواريخ الأكثر فعالية وبشكل خاص أوريشنيك الذي لا يمكن لأية منظمات دفاع جوي أن تصده حيث تبلغ سرعته عشرة أضعاف سرعة الصوت قرابة 3 كيلو متر في الثانية وسبق أن استخدمته روسيا في قصفها لدنيبرو ولكن يبدو حسب معظم التقديرات أن مداه لا يزيد عن 1000 كم كما أنه ليس مخصصا للانطلاق من السفن والغواصات ناهيك عن أنواع أخرى بشحنات مماثلة ومدى أقصر وخاصة صاروخ إسكندر بالغ الدقة و”كينجال- الخنجر” الذي يبلغ مداه 2000 كم وتبلغ سرعته عشرة أضعاف سرعة الصوت ويطلق من الجو. .

زوبعة في فنجان

حتى الآن لا تزال ردود الفعل حول احتمال تقديم صواريخ توماهوك لأوكرانيا مجرد فقاعة صابون، أو كما يقال زوبعة في فنجان ذاك أن الرئيس ترامب لم يعط موافقته على نقل مثل هذه الصواريخ إلى أوكرانيا، كل ما هنالك أن جي دي فانس نائب الرئيس الأمريكي أعلن في تصريحات لشبكة “فوكس نيوز” أن إدارة ترامب تدرس إمكانية توريد توماهوك إلى أوكرانيا وأن القرار النهائي حول ذلك يتخذه الرئيس ترامب نفسه، وجميع التصريحات الروسية تؤكد أن مثل هذه الخطوة لن تؤثر على الواقع الميداني لكنها ستضر بالعلاقات بين موسكو وواشنطن حتى أن الرئيس الروسي أوضح بكل بساطة أن الدفاعات الجوية الروسية ستسقط هذه الصواريخ، وأوضح الخبير العسكري في شؤون الدفاع الجوي العقيد ماتفيتشوك أن أنظمة اس 400 و إس 500 قادرة على إسقاط توماهوك، وقدر الخبير الأمريكي ماكغفرن المحلل السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية أن الولايات المتحدة لن ترسل أبدا توماهوك إلى أوكرانيا، مشيرا إلى أن كييف لا تملك المتخصصين الذين يمكنهم تشغيل تلك الصواريخ وتوجيهها وأن طرح مثل هذا الاحتمال هو لإرضاء الحلفاء الأوربيين، وتشير مصادر أخرى إلى أن الولايات المتحدة لا تملك فائضا من هذه الصواريخ لترسلها إلى أوكرانيا. من جانبه أكد بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين أن لدى موسكو الرد المناسب وأنه لا وجود لأي سلاح سحري يمكن أن يغير الموازين في الجبهة الأوكرانية، وأشار في الآن نفسه إلى أن تسليم كييف هذه الصواريخ سيدفع إلى جولة تصعيد خطيرة، وأعلن نيبينزا مندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن الدولي أن نقل توماهوك إلى أوكرانيا لن يغير شيئا على أرض الواقع مضيفا بأن الرئيس الأمريكي ترامب يميل إلى البحث عن حلول سريعة لكن هذا النهج لن يجدي نفعا مع الوضع في أوكرانيا.

نشير أخيرا إلى أن لدى الرئيس زيلينسكي مقترحات جديدة لشد الغرب نحو حرب مباشرة مع روسيا من بينها فرض حظر جوي وهو أخطر حتى من تقديم توماهوك لأوكرانيا …لكن لذلك وقفة أخرى إن شاء الله.

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى