العراق يتخلى عن استحقاقات الشعب العراقي التي تقدر بأربعة ترليون دولار عن اثار اليورانيوم المنضب
بقلم د. هاتف الركابي
فوجئنا بقرار رئيس الوزراء المستند على كتاب وزير الخارجية المتضمن إنهاء عمل اللجنة القانونية المشكلة من أعضاء من مؤسسات عديدة (مجلس النواب، ومجلس القضاء الاعلى، ومجلس الدولة، ووزارة الخارجية، والامانة العامة لمجلس الوزراء، وهيئة المستشارين، والطاقة الذرية) وأنا أحد أعضائها وهذه اللجنة مختصة بالمطالبة بالتعويضات أمام الامم المتحدة والتي تقدر بآلاف التريليونات من الدولارات عن آثار الاشعاع النووي واليورانيوم المنضب الذي أصاب الملايين من الشعب العراقي طوال أربعة عقود من الزمن قبل أن تنهي اللجنة أعمالها وتقدم التقرير النهائي، إذ تعرض العراق إلى أبشع تلوث إشعاعي وأسوأ بيئة كارثية في العالم بعد أن تعرض إلى تدمير منشآته النووية بعد العدوان الاسرائيلي عام 1981 ثم تلتها ضربات التحالف الدولي عام 1991 و1999 و2003 بعد أن تجمعت أكثر من خمسين دولة بما فيها دول الخليج والأشقاء العربان حتى وصلت كلفة التدهور البيئي الآن إلى أكثر من 84 مليار دولار مع تلوث (3673) منطقة وخطورتها بوجود (1730) كيلو متر مربع والذي يهدد مليون و600 ألف عراقي، وأن الدول المتحالفة قد ألقت ما يقارب (340) طن من الرؤوس النووية ذات اليورانيوم المنضب والتي قتلت أكثر من مليون ونصف عراقي مع ارتفاع نسبة السرطانات والتشوهات الخلقية التي فتكت بالشعب لغاية هذه اللحظة بمن فيها الاطفال الذين توفوا وبلغ عددهم منذ عام 1991 إلى عام 2003، حوالي 2 مليون طفل بسبب هذه الاسلحة المحرّمة دولياً.
لازالت المناطق الملوثة بالإشعاع تأنُّ من الاصابات رغم جهود البروفيسور حامد الباهلي وفريقه لأجل تطهير المناطق المصابة الملوثة، بالإضافة إلى أن قوات التحالف قامت بتدمير أربع منشآت يتجاوز نشاطها الاشعاعي 50 مليون كيوري في الحروب الثلاثة، فضلاً عن مأساة ضربة إسرائيل للمشروع الفرنسي الحضاري في العراق سنة 1981 التي دمرت مفاعل تموز الاولى التي كانت قدرتها 70 ميجاواط حراري ، وتموز الثانية وقدرتها 400 كيلو واط حراري، ومختبرات لاما للإشعاعات المؤينة، ومرافق ومخازن وطمر النفايات المشعة والوقود المخصب الذي تجاوز 93% والتي تحولت بعد الضربة إلى مواد نووية مشعة خطرة تجاوزت 9 كم وأصابت جميع السكان المجاورين لموقع التويثة بالسرطانات .
السيد رئيس الوزراء المحترم ربما لم تصلك الاستشارة الحقيقية في هذا الموضوع المهم وأنا لك أخ وناصح، فأنا عملت على هذا الملف منذ 14 عاماً وزرت دول أوروبية عديدة لأجل مساعدة العراق، حتى أنه عند لقائي مستشارة الرئيس الفنلندي قد بكت عندما شرحت لها المأساة، الموضوع يا دولة الرئيس يتعلق باستحقاقات شعب مظلوم تعرض لأبشع المآسي ولا يتعلق بقرارات إدارية، الموضوع يتعلق بأرواح الملايين التي زهقت والتي لا يمكن نسيانها لاسيما في عقد التسعينات عندما كانت تشيع التوابيت يومياً في العراق من الاطفال والنساء حتى اصبح العراقيون مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن وموتى دونما كفن، يبحثوا عن كذبة كبيرة تدعى الوطن، مقتلعون كالأشجار من مكانهم، مهجرون من أمانيهم وذكرياتهم.
لا يمكن يا سيادة الرئيس التذرع بأن إسرائيل ستطالب بتعويضات عن عقاراتها المصادرة في العراق كما يدعي ممثل العراق الدائم في نيويورك ، فإسرائيل أخذت تعويضات بعشرات المليارات عن صواريخ هدام العبثية واخذوا تعويضات حتى عن الطيور التي ماتت بسبب صوت الصواريخ وحتى الاردن اخذت تعويضات لمجرد مرور الصواريخ فوق اراضيها فكيف لنا السكوت عن الارواح بالملايين التي اصابها التلوث الاشعاعي والارواح التي لازالت تأن في مستشفيات الامل والعتبة وغيرها ولازال الاشعاع يملأ المدن ولازالت الحالات تتزايد ، وهل تتناسب تعويضات البيوت المصادرة اليهودية مع مصيبة العراق .. كيف يمكن السكوت يا سيادة الرئيس واسرائيل والتحالف الدولي منعوا العراق من ان يصنع مفاعل نووية سلمية لمعالجة السرطانات.
السيد رئيس الحكومة، هل أبلغك مستشاروك بأن هناك قرار مجلس الامن (487) لسنة 1981 قد أعطى الحق للعراق بالمطالبة بالتعويضات، وهل أبلغوك المستشارين بالقرارات 1936، 1956، 1957، 1958 لسنة 2010 المتعلقة باتفاقات الضمانات للوكالة الدولية للطاقة الذرية وحق العراق بالمطالبة عن الحروب الثلاثة؟
هل أخبرك مستشاروك سيادة الرئيس عن قرار رئيس مجلس القضاء الاعلى المحترم الذي يدعو صراحةً للمطالبة بالتعويضات وضرورة وضع استراتيجية واضحة ولزوم تفعيل اللجنة والتنسيق مع الخارجية على التحرك الدولي والتعاقد مع شركات محاماة دولية لأجل رفع الدعاوى فكيف يتم ضرب هذا القرار الكبير لأعلى سلطة في البلد؟ وهل أبلغوك مستشاروك عن كتاب وزارة الخارجية / مكتب الوكيل الذي يؤيد التحرك بالمطالبة بالتعويضات كون الاعتداءات على منشآت نووية داخلة ضمن اتفاق الضمانات بين العراق والوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
هل أخبرك مستشاروك ومدير مكتبك عن قرارات لجنة الطاقة ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العلنية والصريحة بالمطالبة؟ ولماذا قام وزير الخارجية بتغيير مسار قرارات الوزارة الصريحة بالمطالبة عاليا أمام المجتمع الدولي التي وقعها الوكيل عمر البرزنجي ووزير الخارجية الاسبق ابراهيم الجعفري؟
كان من المفترض يا دولة الرئيس أن نحذو حذو جنوب أفريقيا بمقاضاة العدوان وأن يذهب فريقنا مرفوع الرأس إلى محكمة العدل الدولية ونحن ابناء الرافدين مَن علّمنا الدنيا كيف يُكتب القانون، وأشيرك علماً بأنه لم يجرؤ أي رئيس حكومة قبلك على إلغاء عمل اللجنة بتاتاً.
أنا اليوم وبعد جهود قدمتها طوال أكثر من عقد من الزمن أكون قد أديت أمانتي وسجلت دعوى أمام المحكمة الاتحادية العليا للاعتراض على هذا القرار لأن عدم معالجة هذا الأمر الخطير سيقودنا إلى نتائج كارثية وعقبات كؤود مالم تتظافر الجهود، رسالتي إلى المرجعيات الدينية والاكاديميين ومنظمات المجتمع المدني للوقوف على هذا الملف وإلى مجلس النواب برئاسته ولجانه المختصة وإلى الرئيس المندلاوي المحترم بضرورة عقد اجتماع للجان المختصة لتدارك الموضوع وإلى رؤساء اللجان النيابية (الامن والدفاع، الشهداء، الصحة والبيئة، القانونية، الطاقة، العلاقات الخارجية) أن تتولى زمام المبادرة، ورسالتي الاخرى إلى الرئيس الدكتور فائق زيدان المحترم لاتخاذ الموقف المطلوب فبالقانون والقضاء تبنى الاوطان لاسيما أن أحد أعضاء اللجنة أحد قضاة مجلس القضاء الأعلى المحترمين.
السيد رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا الموقرون نقلت الأمانة من عاتقي الى ساحتكم وأمامكم قضية تحتوي على 220 وثيقة وسجلت بالعدد 118 لتكون إنعطافة تاريخية لكم وللشعب وموعدنا في 2-7-2024.
وأخيراً في هذه الدعوى التي سجلتها خذلني الكثير من المحاميات والمحامين تحت ذرائع شتى لاسيما أن البعض قد طالبني بأتعاب، وقد قصدت نقيبة المحامين التي للأسف كانت غارقة بهموم النقابة والمحامين ولم أستطع ان نتحاور على الموضوع، وشكراً من القلب إلى المحامي علي المولى السماوي والمحامية الدكتورة زمن نجم والمحامي حازم الرديني على اهتمامهم واستعدادهم للترافع بالقضية شكراً بحجم السماء وأنتم تعانقون الروح.
الدكتور هاتف الركابي