ليس هناك إنسان على وجه الكرة الأرضية لا يتمنى نجاح قمة الدوحة ، لوقف حرب الإبادة في غزة بصورة دائمة وشاملة، وهو يرى المجازر المتلاحقة وشبه اليومية التي ترتكبها آلة القتل والتدمير الإجرامية، عن سبق إصرار وترصّد، دون أدنى وازع أخلاقي أو ذرّة من إنسانية، ولكن “وما نيل المطالب بالتمنّي ، ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً”؟!
لسنا من دعاة التشاؤم، ولا من مروّجي الإحباط واليأس، لكن أية عملية يراد لها النجاح ، لا بدّ لها من مدخلات صحيحة، ومعالجة صحيحة، كي نتوقّع لها مخرجات صحيحة بالضرورة، وهو ما تفتقر له قمّة الدوحة ، التي يكتنفها الغموض المقصود وقبل أن تبدأ، فضلاً عن حقل ألغام “الكيان” المتوحّش التي زرعها مسبقاً في طريقها المحفوف أصلاً بالمخاطر، ناهيك عن سوء النيّة المبيّتة المفصح عنها ، وبلا خجل أو وجل، من الراعي الأمريكي الذي لا يمتلك مواصفات الراعي البديهية والحيادية أصلاً، والطرف الإسرائيلي الذي يُرغي ويُزبد قادته السياسيين ليل نهار برفض وقف الحرب، وعزمهم على المضي قُدماً في الثأر من الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء باعتبارهم أهدافاً “إرهابية” مفضّلة لديهم، دون أي وازع أخلاقي أو بقية ضمير إنساني، وكأنهم يبيدون حشرات ضارة أو حيوانات بشرية بحسب تعبير وزير حربهم جالانت؟!
كيف لقمّة أن يكتب لها النجاح، إذا كان راعيها ليس محايداً، بل ومنحازاً حتى النخاع لكيانه المجرم، بل وشريك له في الإجرام من خلال ترسانة الأسلحة اللامحدودة التي يُهيلها عليه هيلأ بلا كيل، هو وشركائه في الجريمة من دول أوروبا الغربية: بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، وحتى إيطاليا وسواهم من دول الاستعمار القديم المتجدد، والتي حوت أحدث المقذوفات الفتّاكة والمحرّم استخدامها ضد الجيوش، فكيف ضد المدنيين ومدارس الإيواء وخيام اللاجئين في المناطق المعلنة آمنة من قادة “الكيان” نفسه، والتي تقطّع الأطراف وتحرق الأجساد، وتُلقى بمعرفة تامة ومسبقة بالأماكن المستهدفة، بل ونتائج الاستهداف. وأكثر من ذلك تتستّر على جرائم “كيانها” المصطنع، وتبرر له كل ما يقترفه من جرائم بحجة “حق الدفاع عن النفس”، بل وتتحشّد بقدّها وقديدها للدفاع عن هذا “الكيان” في مواجهة الآخرين الذين لهم ذات الحق المشروع والمكفول رداً على اعتداءات كيانهم المدلّل بحقهم؟!
ثم أن هذا الراعي الأمريكي المنحاز، قد استبق دعوته الوهمية لقمة الدوحة بدعم عسكري إضافي للكيان، وخداع العالم بإيهامه أنه يسعى لوقف الحرب في حين يضمر تحقيق هدنة مؤقتة ليس إلّا، تكفل لكيانه النازي العودة متى شاء لحرب الإبادة والتدمير، بل والأبقاء على احتلاله لأي جزء يرغب باحتلاله من غزة، بعكس كل تصريحات مسؤولي “البيت الأسود” بخلاف ذلك. وهو الذي سعى لهذه القمة مضطراً لأسباب انتخابية داخلية، حيث يتسابق قادة الحزبين المتصهينيْن على كسب ودّ هذا “الكيان” الشاذّ، واللوبي الصهيوني المتغلغل بل والمتحكّم في كافة دوائر القرار الأمريكي، وبما يخالف ويتعارض مع مصالح الشعب الأمريكي الفردية والوطنية كذلك. ثمّ أن هذا الراعي الذي بدل أن يطبق القانون وقرارات الشرعية الدولية، التي يدّعي حرصه عليها، وإلزام الآخرين بها، بل ويتنصّل من شعاراته الجوفاء التي أطلقها من أيام مجرم الحرب جورج بوش الإبن حول “حلّ الدولتين”، يحاول من خلال قمة الدوحة استبدال كل ذلك بتحالف عربي يمكن له أن يحقق ما عجز كيانه عن تحقيقه طيلة أحد عشر شهراً على التوالي، وتحويل الصراع إلى مجرّد مسألة عربية داخلية لا أكثر ولا أقل؟!
ثم مَن ذا الذي يعوّل على تضحية نتنياهو بمستقبله الشخصي والسياسي مقابل وقف الحرب، وهو المهدد والمكبّل بتحالف حكومي يحافظ عليه ويحرسه برموش العين، فهو مبتغاه وملاذه الأخير؟!
وأما الوسطاء المصريين والقطرين، فهم مجرّد شهود زور وبهار الطبخة، لا يملكون من أمرهم شيئاً، ولا يستحقّون حتى الكتابة عنهم سوى في وسائل الإعلام الإسرائيلية الفرحة بدورهم الضاغط على الضحيّة؟!
وحسناً فعلت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” برفضها المشاركة باسم كافة فصائل المقاومة، في مسرحيّة الدوحة سيئة الإخراج والمونتاج، فالمكتوب يُقرأ من عنوانه؟!