لست أدري بأي صفة ننعى القائد المناضل الكبير “فاروق القدومي”، فهو الأب الشرعي للدبلوماسية الفلسطينية، وهو المناضل البعثي العروبي الأصيل الذي يؤمن بالأمة العربية الواحدة، ذات الرسالة الخالدة، وقد أفنى شبابه على رأس الدبلوماسية الفلسطينية في سبيل هذا الهدف النبيل، ونسج أمتن العلاقات الفلسطينية العربية. وهو الأممي الأفق الذي بنى صرح العلاقات الفلسطينية مع منظومة الدول الاشتراكية ودول عدم الانحياز، وكان نصيراً لكافة الحركات الثورية والتحررية. وهو القائد الفتحاوي الذي لا يشق له غبار، ولا يخشى في الحق لومة لائم، نال بجدارة عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير منذ البدايات، وكذلك عضوية اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، وكان ذو نظرة وحدوية راسخة بعيداً عن الفئوية والشخصنة، حيث يرى فلسطين أكبر من الجميع، ومات على ذلك. وهو الذي نأى بنفسه، وضحّى بكل مكتسباته الشخصية دفاعاً عن وحدة الصف الفلسطيني، وحفاظاً على عدم تصدّع هذا الصف ورأباً لأية تصدّعات قد تضعف الموقف الوطني الفلسطيني، فنأى بنفسه جانباً بعد أن جاهر بموقفه الجريء، فارتضى أن يتوفّى قبل سنوات طويلة من موته المفجع؟!
يقولون أن لكلّ له من اسمه نصيب، وهكذا كان “الفاروق”، علامة فارقة في التاريخ الوطني الفلسطيني، وتفرق مواقفه الجريئة في المنعطفات الوطنية ما بين الصواب والخطأ. وقد جاءت مجريات الأحداث لتؤكد صوابية مواقفه الرجولية، ولعل التاريخ سينصفه على تلك المواقف يوماً ما؟!
وأما لقبه المعروف “ابو اللطف”، فيختزن نبل أخلاقه ولطف معشره، وتواضع الكبير الكبير، وتلك خصال تُكسب القائد معاني القيادة السامية، وتجعله قدوة ومثال يحتذي به الأجيال من بعده، وقد ترك لنا “أبو اللطف” إرثاً أخلاقياً وسلوكاً شخصياً سيحار فيها القادة من بعده، فهل سيكونون نعم الخلف لنعم السلف؟!
أن أسرة تحرير وكالة انباء “ماترويشكا نيوز” إذ تنعى الفقيد الكبير فاروق القدومي، ونشهد إننا على فراقك “أبي اللطف” لمحزونون، لكن عزائنا أنك كنت مدرسة بكل معنى الكلمة لمَن خلفك من الأجيال التي سينير لها تاريخك المجيد الدرب، درب العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف، وليس أقل من ذلك، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى. ونعد قرّاءنا ومتابعينا بأننا سنتناول إرث فقيدنا ومواقفه المشرّفة بالتذكير والتحليل، ومَن سار على الدرب وصل؟!
وداعاً “أبو اللطف”، وموعدنا يوم يرفع شبل من أشبال فلسطين، وزهرة من زهراتها، علم فلسطين خفّاقاً فوق مساجد وكنائس وأسوار القدس، نم قرير العين، فإن موعدنا الصبح، أليس الصبح بقريب؟!
أسرة تحرير ماتريوشكا نيوز