عمران رضا: مواردنا تكفي لتأمين الإعانات لثلاثة أشهر فقط!
نشر موقع “اندبندنت عربي” تقريراً حول الأوضاع التي يمر بها لبنان، والمخاوف من استمرار الحرب لفترة طويلة، وعدم توافر مصادر كافية للتمويل، واحتمالية خضوع البلاد لحصار شامل، جاء فيه:
على أبواب الشتاء تسابق الجهود الإغاثية الوقت درءاً لوقوع لبنان في المحظور، وليس من قبيل المبالغة الحديث عن “جوع داخل مراكز الإيواء” يطرق أبواب الهاربين من موت محتوم، وقلق متزايد لناحية استبعاد العودة القريبة إلى الديار بفعل التدمير الممنهج للتجمعات السكنية والمدن الكبرى.
أمام هذا الواقع المأسوي تستمر المحاولات المبذولة من قبل منظمات الأمم المتحدة والجمعيات الأهلية، إضافة إلى المساعدات العينية التي تقدمها الدول العربية والصديقة للبنان في محاولة لتخفيف وطأة “أكبر أزمة نزوح قسري في تاريخ لبنان”، فيما تزداد مخاوف “السقوط” بفعل عدم تأمين الموارد المالية الكافية لمواجهة حرب طويلة الأجل.
الأمم المتحدة تحذر
في مكتبه داخل مبنى الأسكوا وسط بيروت، ينكب المنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان عمران رضا، منسق الشؤون الإنسانية وفريقه، على تنظيم بذل جهد منسق للعمل الإغاثي في لبنان ترعاه الأمم المتحدة، وفي لقاء خاص بـ”اندبندنت عربية” وصف رضا الأزمة التي يتعرض لها لبنان حالياً بـ”الكارثية”، معتبراً إياها “إحدى أسوأ الكوارث التي شهدها اللبنانيون منذ جيل”، وأشار إلى أن “الأزمة بدأت في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ومعها بدأ نزوح المواطنين، لكنها تدهورت بصورة دراماتيكية منذ ثلاثة أسابيع، وتحديداً منذ الـ23 من سبتمبر (أيلول) الماضي”، مشيراً إلى أنه “في بداية الحرب كنا نتحدث عن 110 آلاف نازح، أما اليوم فارتفع الرقم إلى أكثر من 800 ألف نازح في الداخل، و400 ألف شخص تقريباً عبروا الحدود، لذا يمكن الحديث عن أكثر من مليون شخص تأثروا مباشرة بسبب هذا الصراع”.
لا يخفي رضا وجود بعض أوجه الشبه بين ما يجري في لبنان، وتجربة المدنيين في قطاع غزة، منطلقاً من شهادات النازحين الخائفين، وقال “عندما نتحدث مع الناس الذين تأثروا والمدنيين الذين تركوا منازلهم وقراهم، وعدد منهم نزح أكثر من مرة بهدف البحث عن الأمان، حيث يذكرهم الدمار تماماً بما يحصل في غزة خلال العام الذي مر”.
مأزق التمويل
يواجه العمل الإغاثي في لبنان “أزمة تمويل” مما يؤثر بصورة أكيدة في تقديم المساعدة الإنسانية وتحديد الأولويات، على مستوى الأفراد أو المؤسسات الذين يعانون بسبب الأزمة المالية والاقتصادية المحلية والعالمية، وأقر عمران ريزا بعدم وجود تمويل كافٍ، مشدداً على “ضرورة وضع الأولويات، والتأكد من الوصول إلى من هم بحاجة قصوى أولاً”.
وتحدث عن وجود “فريق إنساني منتشر على مستوى البلاد، وتنسيق على المستويين الرسمي وغير الرسمي، وعلى مستوى الحكومة والأمم المتحدة، والجمعيات غير الحكومية”، مشدداً على أهمية “العمل معاً” ومناقشة الأولويات وآلية تحديدها ووضع الإستراتيجيات المشتركة، كما يؤكد على أن “بعض التمويل يأتي من خلال الحكومة، والبعض الآخر يأتي عبر المجتمع الدولي للأمم المتحدة والبعض من شركائنا”، متمسكاً بمبادئ الحوكمة على مستوى الشفافية والمساءلة والرقابة، “لأنه كانت هناك بالطبع مخاوف سابقة في هذا الإطار، كما علينا التأكد من وجود الأنظمة المناسبة التي يُعمل وفقها، والتي تتضمن من أين يأتي التمويل؟ كيف تتم خصخصته؟ ولمن يذهب؟”.
وقارن رضا بين حرب 2006 والحرب الحالية، إذ برز “إسهام فعّال من الشركاء المحليين”، والمنظمات غير الحكومية “التي يُعتمد عليها كثيراً منذ أن اشتدت المعارك والقصف في الجنوب قرب الخط الأزرق”، مشدداً على أنه “خلال الحرب السابقة لم تكن هناك جمعيات إنسانية، أو منظمات غير حكومية تهتم بالأمور الإغاثية في لبنان، وكذلك لم تكن كل وكالات الأمم المتحدة موجودة، وفعلياً بات الفريق الإنساني في لبنان أكبر منذ الأزمة السورية التي تأثر فيها لبنان منذ عام 2012”.
ضمانات لعدم استهداف العمل الإغاثي
خلال سبتمبر الماضي تعرضت الفرق الصحية والقوافل الطبية للقصف في مختلف المحافظات اللبنانية، وفي هذا السياق يفرض السؤال عن الضمانات نفسه على طاولة البحث.
وفي هذا السياق، ندد رضا باستهداف القوافل الإنسانية وسيارات الإسعاف والدفاع المدني، بما يخالف القانون الدولي الإنساني، مشيراً إلى “رفع المسألة إلى كل الأطراف المعنية بهذا الصراع والأطراف الدوليين المؤثرين”، و”التأكيد على الوصول الآمن إلى مناطق النزاع، بهدف حماية العاملين في المجال الإنساني والسكان المدنيين والعاملين على الخطوط الأمامية والصحافيين في خضم الحرب”.
كما تطرق رضا إلى معاناة الفئات الهشة مثل الأطفال والنساء وذوي الإعاقة، و”مَن هم أكثر ضعفاً خلال الأزمات، وأكثر عرضةً للخطر في حالات النزوح القسري، وفي مراكز الإيواء الجماعية”، مشدداً على الآثار السلبية المباشرة لهذه الحرب في الأطفال، الذين تأثر تعليم 1.2 مليون منهم بهذه الحرب، إذ تحولت 60 في المئة من المدارس الرسمية إلى مراكز إيواء. وتتم متابعة الموضوع مع وزارة التعليم في لبنان والشركاء الآخرين المعنيين بملف التعليم لضمان عدم خسارة العام الدراسي الحالي”.
أما بالنسبة إلى الأشخاص من ذوي الإعاقة، “هناك جهود للتأكد من أنهم غير متروكين في هذه الأزمة من خلال برامج الأمم المتحدة”، حسب رضا الذي تحدث عن “العمل باستمرار لتأمين إمدادات خاصة بهم، على مستوى المساعدات المتعلقة بالغذاء أو الإيواء والحماية الأمنية، وكل ما يتعلق بالذين لديهم احتياجات خاصة”.
اللاجئون السوريون وأطر الحماية
أما في ما يتعلق بالسوريين الذين غادروا لبنان خلال الأسابيع القليلة الماضية فقال رضا “عبر 400 ألف شخص الحدود نحو سوريا، ما بين 70 و80 في المئة منهم سوريون والبقية لبنانيون”، متطرقاً إلى متابعة الوكالات الأممية في سوريا هذا الملف عن كثب، وبالتحديد مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة التي توجد بقوة في سوريا”، وزاد “يحاول العاملون في المفوضية أن يوجدوا بصورة أساسية على المعابر الأربعة بين لبنان وسوريا، ليقيّموا الوضع بصورة أولية، ثم يساعدوا الناس في الداخل السوري، وكذلك هناك مساعٍ في وكالات الأمم المتحدة المختلفة لحشد الدعم والموارد لدعم هؤلاء السوريين في بلدهم الذي يعاني أساساً أزمة اقتصادية حادة تدفع أعداداً كبيرة إلى البحث عن الهجرة”، من هذا المنطلق لفت رضا إلى “الحاجة إلى تعزيز الدعم لمساعدة السوريين هناك وبخاصة حتى تكون عودتهم مستدامة، وكذلك الأمر مساعدة اللبنانيين هناك الذين نزحوا إلى سوريا أخيراً، ناهيك عن بعض اللبنانيين الذين غادروا إلى العراق أو الأردن، وإلى تركيا أو قبرص”.
ماذا عن المستقبل؟
من جهة أخرى ذكر رضا أن “الهدف الأساس الذي نسعى إليه جميعاً هو وقف إطلاق النار، عبر حل سياسي ودبلوماسي مستدام، لأنه لا يوجد حل عسكري أو حل إنساني، بل الحل يجب أن يكون سياسياً”، مستدركاً “لكننا نحضّر أنفسنا وإمكاناتنا لاحتمالية التصعيد”، وأوضح “نحن الآن نسعى إلى ضمان وجود تمويل لثلاثة أشهر من أجل توفير المساعدات العاجلة والطارئة، وفي الواقع ستكون لدينا حاجات كبيرة، وهائلة بخاصة لناحية إعادة الإعمار بعد الحرب وعودة الناس إلى مناطقهم وإعادة تأسيس حياتهم من البداية”.