بعد ما شاهده العالم من مجريات جلسة مجلس الامن الدولي أمس الأربعاء 20/11 الجاري، وما ساقه المندوب الأمريكي من تبريرات ما أنزل الله بها من سلطان، وما أظهره مندوب “الكيان” المجرم من غطرسة وانتشاء متوارياً خلف أمريكا، وما سبق جلسة التصويت من اسابيع مضنية من المداولات ـ الملهاة ـ لتخفيف مشروع القرار لإرضاء الولايات المتحدة لعلّها ترضى أو على الأقل تمتنع عن التصويت.. رغم كل ذلك استخدمت الفيتو للمرة 49 ضد قرارات مجلس الأمن حماية للكيان المارق لتؤكد أنها دولة مارقة مثله، واضعة نفسها في مواجهة 14 دولة، الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن، مطلقة بذلك رصاصة الرحمة لهذا المجلس المحتضر وللأمم المتحدة وميثاقها والقانون الدولي والإنساني، قاطعة الشك باليقين بأن الولايات المتحدة هي “الشر المطلق” في وعلى العالم، وليكن هذا اليوم لحظة مفصلية وحاسمة وعلى العالم أجمع أن يعيد النظر في مواقفه على هذا الأساس، ليس من أجل فلسطين بل من أجل مصالحه العامة والخاصة.
بعد هذا اليوم الفاضح لحقيقة إمبراطورية “مرغان” التي بنت مجدها فوق جماجم عشرات ملايين “الهنود الحمر”، وسرقة خيرات وثروات كافة شعوب الأرض، وفرضت سطوتها بالفساد وإفساد ضعاف النفوس، ودعمت باسم الديمقراطية كافة النظم الدكتاتورية في العالم وحاربت كل النظم الوطنية التواقة للحرية الفطرية النزيهة.. لم يعد مقبولاً عن مجرّد الحديث عن “رهائن” أو “مختطفين” في قطاع غزة وتجاهل أكثر من 150 ألف ضحية من المدنيين الأبرياء جلّهم من النساء والأطفال حتى الرّضع. ولم يعد مستوعباً استغلال عملية “طوفان الأقصى” وتبنّي الرواية الإسرائيلية الكاذبة والمفبركة بكونها السبب في “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”، ونسيان مئات المجازر والجرائم لعصابات “الكيان” المجرم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل المرتكبة بدم بارد لمجرّد التسلية والإرهاب والتطهير العرقي.. كما لم يعد مقبولاً بالولايات المتحدة وسيطاً أو حتى مفاوضاً بأي نزاعات في شتى أرجاء المعمورة، لأنها هي الخصم وهي أساس البلاء وكافة النزاعات والخلافات في العالم أجمع، واتمنى على مصر أن تحذو حذو قطر، وعليهما معاً كشف المستور وفضح المسؤوليات والانسحاب من الوساطة التي اتضح أنها مجرّد منح الاحتلال المزيد والمزيد من الوقت لمواصلة الإبادة والتدمير الممنهج والمبيّت بحق الشعب الفلسطيني، وكي لا يلحق بهما “عار” الشراكة في هذه الإبادة والتدمير.. واعتباراً من هذا الفيتو لم يعد يجدي استقبال بلينكن اليهودي الصهيوني أو مبعوث البيت الأبيض إلى لبنان “أموس هوكشتاين” الضابط السابق بسلاح المدرعات الإسرائيلي، وغيرهما من الرسميين الأمريكان الصهاينة، أو حتى الحديث عن 1701 وقرارات الأمم المتحدة ومجلس أمنها وميثاقها التي مزّقها شرّ ممزَّق “الكيان” المتغطرس وألقت بها أمريكا في سلة المهملات بل وحوّلتها إلى “ورق تواليت” في مراحيض الأمم المتحدة. ومن يرى غير ذلك من الآن فصاعداً، فهو شريك أو عميل أو متخاذل، ولا عذر لكائن مَن كان بعد الآن…
وهنا كان لابد من الإشارة الى كلمة الرئيس السوري السيد بشار الأسد في قمة الرياض العربية الإسلامية الأخيرة والتي وُصفت بأنها لامست وجدان الشعوب المقهورة، خصوصاً حينما قال حرفيّاً: “أداتنا اللغة وأداتهم هي القتل، نحن نقول وهم يفعلون، نقدم السلام فنحصد الدماء.. لا نتعامل مع دولة بالمعنى القانوني، وإنما مع كيان استعماري خارج عن القانون، نحن لا نتعامل مع شعب بالمعنى الحضاري، وإنما مع قطعان من المستوطنين أقرب إلى الهمجية منهم إلى الإنسانية. ومن غير الصحيح القول إن المشكلة هي في حكومة راهنة متطرفة فاقدة للعقل وشعب مذعور مما حصل في السابع من تشرين الأول في العام الماضي، كلهم يعملون بعقل إيديولوجي واحد، عقل مريض بسفك الدماء، مريض بوهم التفوق، مصاب بانفصام الشخصية بين كره النازية ظاهرياً وعشقها كجزء عضوي منه واقعياً، كي لا نكون كمن يتحدث مع اللص بلغة القانون، ومع المجرم بلغة الأخلاق ومع السفاح بلغة الإنسانية، وكي لا تكون النيات الحسنة مرة أخرى منطلقاً وحافزاً للمزيد من الموت بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني اللذين دفعا على مر العقود ثمن النيات الطيبة والآليات الغائبة..”.
بعد هذا الخطاب الملتهب انتظرنا متفائلين أن تبادر سورية، ولو متأخرة جداً، بممارسة حقّها المكفول والمشروع في “الدفاع عن النفس”، وهي تتعرّض يوميّاً للاعتدءات الغاشمة من أمريكا باسم “الكيان” وآخرها الاعتداء من قاعدة “التنف” الأمريكية المعروفة، والذي أسفر عن حوالي مئة شهيد وجريح من مدنيي “تدمر” الأبرياء، حيث لا أحد يمكن له أن يمنعها أو يحق له ان يعيب عليها ممارسة هذا الحق، وأن تبادر لطرد القوات المحتلة الأمريكية من شرق الفرات حيث الخزّان النفطي والغازي والغذائي المنهوب للشعب السوري. وأن تتفاهم مع جارتها تركيا على استعادة سيادة الدولة السورية على كافة التراب السوري بلا استثناء، وان تردّ بحزم كذلك على الانتهاكات الحدودية في الجولان المحتل..
أن ما جرى في مجلس الأمن يوم أمس قد وضع العالم أجمع، حكومات رسمية ومعارضات ونخب متنوعة الاختصاصات وشعوبا ومؤسسات محلية وإقليمية وعالمية، امام مسؤولياتها، في مواجهة ليس نتنياهو وعصابته التي تتوارى واشنطن خلفها فحسب، وإنما أمام الدولة الأمريكية المارقة و”الشر المطلق”، وهو ما يُفترض أن يُترجم باعتبار هذه الدولة “منبوذة” تستوجب فرض المقاطعة سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً. وعلى الخاطفين لما يُسمّى الرهائن في قطاع غزة، وكلّهم من عصابات الجيش والمرتزقة مزدوجي الجنسية، ويستحقون الإعدام لأفعالهم الإجرامية، أن يبدأوا بإعدام “الأمريكيين” منهم.. فهذه اللغة الوحيدة التي يفهمها زعماء “الكاوبوي” الأمريكي، ولهم في تجربة “الفيتكونغ” الفيتنامية و”طالبان” الأفغانية خير دليل على ذلك، وهما الإرهابيّتان كما “حماس” و “حزب الله” وفق التصنيف الأمريكي المختل..