صحافة وآراء

واشنطن توحي بقرب نهاية العالم بطريقة رأسمالية سينمائية

د. أيمن أبو الشعر

المشروع معد للأغنياء للدفع بسخاء حفاظا على حياتهم من حدوث حرب نووية لا يتجاسر أحد على إشعالها لأنها ستفنيه قبل خصمه. 
لم يعد الأمر مجرد تصورات عبر الخيال العلمي، إذ يشير الخبر الذي سنعود لتناوله بعد قليل إلى أن ملجأ نخبوياً سيُبنى غير بعيد عن البيت الأبيض لحماية أغنى أغنياء العالم من فناء البشرية!!! 
الترويج السينمائي
نعود بالذاكرة قبل تناول الخبر بالتحليل -بل لعل ذلك جزء من خلفيات التحليل – نعود إلى عام 2008 حين بدأ المخرج الألماني رولان إيميريتش بتمويل أمريكي بإعداد وإخراج فلمه نهاية العالم 2012.
أولا من الواضح أن اختيار التوقيت كان بهدف إشعال حالة الرعب لدى مئات ملايين البشر، ما سيضمن ريعا إضافيا للفلم عدا عن اكتساب شهرة غير عادية في استنهاض موضوع أثير أكثر من مرة حول هذا القلق البشري المشروع في ظروف احتمال كوارث طبيعية وكونية مختلفة، فالحديث يدور عن فناء العالم مع تقدير أن ذلك سيحدث بعد سنوات قليلة، وفي إطار ما تجسده السينما أمر رهيب على الصعيد البسيكولوجي، فقد اعتمد الفلم على نبوءة تنسب إلى قبيلة المايا تشير إلى أن فناء العالم سيتم في عام 2012 ،وقد عرض الفلم عام 2009 أي قبل ثلاثة أعوام من الكارثة المحتملة، ما يعني التحذير قبل أكثر من 1100 يوم ،حيث سيتم الحديث عن ذاك اليوم المشؤوم وترقبه في كل يوم خلال هذه السنوات الرهيبة،  وحسب كثير من المعطيات أسفر اقتراب الموعد المشؤوم عن حدوث إصابات كثيرة لأناس انهارت أعصابهم، بل وقضوا نحبهم هلعا، خاصة أن الاختيار كان ذكيا من خلال استغلال الحالة الرقمية الاستثنائية حيث حدد يوم حدوث الكارثة  21-12 -2012 ، أي أن الرقمين 2 و 1 يتكرران ثلاث مرات وفق التقويم ،اليوم، والشهر، والعام، الأمر الذي لعب دوره بسيكولوجيا لدى الناس رغم أن مثل هذا التناسق للأرقام يمكن أن يتكرر بحالات أخرى مثلا 11-11 عام 2011 وغيره.
الإعداد النفسي
أما التشابه الضمني بين الخبر الأمريكي الجديد والفلم فهو ينطلق من التهيئة النفسية لاحتمال فناء العالم من خلال خبر يقول أنه سيتم بناء ملجأ نخبوي لأغنى أغنياء العالم أي وفق المنطق الرأسمالي، وذلك لحفظ أرواحهم ترقبا لوقوع كارثة عالمية، كما أن الملجأ سيكون قريبا من البيت الأبيض، ولكنه لن يستطيع حماية كل الراغبين من كبار الأغنياء، فهو مخصص لحماية 625 شخصا وحسب، وقد حدد ثمن هذه الحماية ب 20 مليون دولار للشخص الواحد!!!  وهذا يعني أن الملجأ سيكون انتقائيا، فأثرياء العالم أكثر بكثير من هذا العدد، وكلهم مستعدون لدفع مبالغ أكبر بكثير للحفاظ على حياتهم ، وهذا أيضا يدخل في الطابع الرأسمالي الأمريكي، حيث يتم السعي لإنقاذ أولئك الذين يدفعون أكثر تحديدا ممن تريد أمريكا إنقاذهم، ويشار إلى أن هذا الملجأ حسب شركة “سيف الأمريكية” التي ستتكفل ببنائه سيكلف 300 مليون دولار، وأشير أيضا إلى أنه فاخر مزود بالمسابح والمطاعم والمعدات الطبية التي تعمل بالذكاء الصناعي، ويقال أنه أعلن عن مبلغ صغير في البداية خصيصا، حيث يمكن أن يتضاعف مع ازدياد حالة الهلع وفق مبدأ العرض والطلب، ذاك أن الطلب سيزداد مع التقدم في بناء الملجأ،  كما يرجح أن يكون هذا المشروع مجرد فتح الباب لبناء عشرات أو مئات الملاجئ لاحقا وفق فكرة احتمال فناء العالم، وهذا قد يستدعي وفق نمط التفكير الأمريكي توسيع الحديث عن ازدياد حدة التوتر بين القوى العظمى وخاصة روسيا والولايات المتحدة، ما يخلق حالة هلع متصاعدة تدفع الناس للتوتر والخوف المتزايد حتى يبدو أن فناء العالم سيتأتى من حرب نووية وشيكة ما يجعل هذا المشروع حيويا أكثر.
معطيات مساعدة 
تجدر الإشارة إلى أن موقع “نيوز رو” الروسي كان قد نشر تقريرا يتحدث ببعض التفاصيل عن تأثير الحرب النووية المحتملة بين روسيا والولايات المتحدة استنادا إلى استمرار الحرب في أوكرانيا، وحتى تصاعدها  واستمرار دعم الولايات المتحدة وأوروبا  لكييف، الأمر الذي يترافق في الآن نفسه مع تطوير كل من أمريكا وروسيا لأسلحتهما النووية، والمعروف للجميع أن مثل هذا الصدام سرعان ما يتوسع ليشمل الدول النووية الأخرى، وبالتالي ستكون النتيجة توجيه الصواريخ المحملة بالرؤوس النووية لعدد كبير من الدول ما يعني انبعاث كميات هائلة من الكربون الأسود الذي سيحجب الشمس نهائيا عن الأرض  ويتسبب بحلول الشتاء النووي، الذي يكرس فناء البشرية، واعتمادا على هذا الهلع المتنامي وتزايد الأخبار المرجحة لوقوع هذا الصدام ستتنامى فكرة بناء الملاجئ الحصينة المزودة بكميات كبيرة من الأغذية، ذاك أن الزراعة ستكون شبه مستحيلة في ظروف الشتاء النووي، وكل ذلك سيجعل الأغنياء يتشجعون لدفع مبالغ كبيرة ستتصاعد كالبورصة بشكل يومي أو ساعي، وبالتالي ستمتلئ جيوب تجار الأزمات الماكرين الخبثاء بأموال الأثرياء الأغبياء.
نكرر هنا كمصداقية لهذا التوجه أن الصحافة الغربية روجت لهذا الخبر مؤكدة أنه سيتم بناء الملجأ الفاخر، ليس بعد سنوات عديدة بل العام القادم ما يعني أن  شركة سيف الأمريكية قد بدأت أولى خطواتها في تنفيذ هذا المشروع على الأقل في إنجاز التصاميم الهندسية.
وهم أم حقيقة؟ المهم جمع المال
 وقد يكون الخبر وحتى المشروع بحد ذاته إن كان حقيقة كمحاولة للفت الأنظار إلى ضرورة معالجة الأمور سياسيا قبل أن يصل العالم إلى حافة الفناء، أو العكس للاستفادة من المخاطر ماليا، فالرأسمال وطنه أرباحه، ويمكن أن يصور الواقع خيالا أو الخيال واقعا حسب مصالحه، ومنطقه يقول: لماذا إذن لا تتم الاستفادة من هلع المتوجسين، وحتى من أحلامهم بالنجاة كما فعل رولان إيميرش في فلم نهاية العالم 212 ، وربما كانت معطيات السينما عبر الخيال العلمي أكثر واقعية مع تزايد مخاطر الصدام النووي، لا الكوارث الطبيعية، وقد ذكرت منظمة “معهد مستقبل الحياة الأمريكية” غير الربحية التي تعمل بالمناسبة على تقليل مخاطر استخدام الأسلحة النووية بوقت متزامن “صدفة” أن الحرب  النووية – خلافا لرغباتها كما يبدو- ستبدأ بأن تطلق الولايات المتحدة الأمريكية  الصواريخ الباليستية من  غواصاتها على روسيا التي سترد في غضون دقائق معدودة وتقصف الولايات المتحدة وكندا بالقنابل النووية ، وسرعان ما تتدخل فرنسا وبريطانيا بموجب ميثاق حلف شمال الأطلسي…
وسيدرك الزعماء الجهلة الذين تحمسوا لدفع نفقات هائلة، وكذلك أغنى الأغنياء أن الأمر لا يتعدى عن كونه لعبة يانصيب يكون الرقم الفائز موجود مسبقا عند زوجة مدير شركة اليانصيب أو ابنه أو شريكه بكنية مختلفة لإبعاد الشبهات.

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى