صحافة وآراء

تطورات نوعية في العلاقات بين واشنطن وموسكو وكذلك بين واشنطن وكييف

د. أيمن أبو الشعر

• زيلينسكي يرضخ لتهديدات ترامب بشأن توقيع اتفاق يتيح لأمريكا الوصول إلى المعادن الأوكرانية النادرة، ويعلن استعداده للتخلي عن منصبه في حال قبول أوكرانيا في الناتو.

تطورات متسارعة وحادة أحيانا في مسار الأزمة الأوكرانية، والانعطافات التي تنشأ إبان البحث عن سبل حلها، وما ينشأ عن ذلك وخاصة في إطار العلاقات الأمريكية مع الطرفين المتنازعين روسيا وأوكرانيا.

انعطافات أولية مع روسيا

أحدث لقاء الرياض بين وزيري الخارجيتين الأمريكية والروسية نقلة كبيرة لم يكن لتحدث حتما إبان حكم بايدن الذي يرجح البعض أن لديه موقفا معاديا للرئيس بوتين منذ سنوات عديدة، حيث اتهمه بالتدخل في الانتخابات السابقة لصالح ترامب ووعد بمحاسبة روسيا حسابا عسيرا، كما وصفه بأنه قاتل ودون قلب! من هنا فإن الطابع الودي للقاء وزيري الخارجيتين الأمريكي ماركو روبيو والروسي سيرغي لافروف في الرياض كان بحد ذاته انعطافا فتح الباب أمام تطورات إيجابية واسعة عبرت واشنطن عنها بالتصريحات الودية والعملية على حد سواء، حيث ستكون من أهمها إعادة العلاقات الدبلوماسية إلى مستواها الطبيعي بتعيين سفراء للبلدين في البلدين من جديد، ناهيك عن تلاحق اللقاءات بين الجانبين حيث أعلن ريبابكوف نائب وزير الخارجية الروسية عن لقاء جديد بين ممثلي الولايات المتحدة على مستوى رؤساء الإدارات المعنية خلال الأسبوعين القادمين، والمهم في هذا اللقاء أنه سيبحث في إطالة المنغصات والشوائب، يليه لقاء آخر على مستوى نائبي وزيري الخارجيتين، منوها بأن موسكو ترغب في استعادة ستة مواقع دبلوماسية روسية كانت إدارة بايدن قد استولت عليها بشكل غير قانوني في انتهاك واضح لاتفاقية فيينا حيث يمنع على الروس حتى الوصول إلى هذه المباني التي من المفترض أن لها حصانة دبلوماسية.

خطوات اقتصادية ربيعية متوقعة

على خلفية التحسن الملحوظ للعلاقات الروسية الأمريكية يتزايد احتمال إحياء عمل الشركات الأمريكية في روسيا والتي كانت نشيطة جدا قبل بدء العقوبات الأمريكية التي باتت تعد حتى نهاية عهد بايدن لا بالعشرات بل بالآلاف، في حين تغيرت اللهجة في التعامل مع موسكو الآن، وباتت تحمل تصريحات تبشيرية لا تهديدية، حيث أكد ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط أن واشنطن تتوقع عودة الشركات الأمريكية إلى روسيا إن تم توقيع اتفاق سلام في أوكرانيا، حيث نوه بأن مسألة رفع العقوبات عن روسيا لم يناقش في الرياض لكنه أعقب ذلك بقوله أنه يعتقد أنه إن تمكنا من التوصل إلى اتفاق سلام فستتمكن الشركات الأمريكية من العودة إلى روسيا وممارسة نشاطاتها، نوأن ذلك سيكون حدثا جيدا وإيجابيا، وعبر عن قناعاته بأن الرئيسين بوتين وترامب سينجحان في تنفيذ خططهما لتطوير العلاقات بين البلدين، ويلفت النظر هنا أن صحيفة فايننانشال تايمز البريطانية أوضحت أن الشركات الأمريكية تبدي اهتماما حقيقيا بالعودة إلى السوق الروسية، وفي روسيا نفسها أعلن كيريل دمتريف رئيس صندوق الاستثمارات الروسي أن بعض الشركات الروسية قد تعود في الربع الثاني من العام الحالي إلى روسيا منوها بأن مغادرة الشركات الأمريكية لروسيا كلفها خسارة 324 مليار دولار معظمها في مجالات التكنولوجيا والإعلام والاستهلاك والشؤون المصرفية وأقلها بواقع 10 مليارات فقط في مجال الطاقة، ذاك أن الخسارات الكبيرة في مجال الطاقة تحملتها أوروبا التي بدت كمن يطلق النار على قدميه. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن وزير الخارجية الروسية لافروف لمح بوضوح إلى أن موسكو لن تسمح بعد للشركات الأجنبية بالدخول إلى قطاعات قد “يشكل الانسحاب منه” خطرا على الاقتصاد الروسي، ويقصد طبعا.

انعطافات أولية مع أوكرانيا

مع قدوم ترامب إلى البيت الأبيض بدأت عمليا أولى الانعطافات في المواقف تجاه أوكرانيا، حيث كانت واشنطن تندفع بقضها وقضيضها لا لدعم كييف بكل المجالات سياسيا واقتصاديا وعسكريا وحسب، بل وتقود الحملة الدولية لتوسيع دائرة الدول الداعمة لأوكرانيا في حين عبر ترامب منذ ما قبل وصوله إلى البيت الأبيض عن امتعاضه من السخاء الذي تقدمه واشنطن للرئيس زيلينسكي حتى أنه وصفه بأعظم تاجر بالتاريخ حيث يحصل على عشرات المليارات في كل زيارة يقوم بها إلى واشنطن، وتصاعدت المواقف السلبية من ترامب تجاه زيلينسكي ما أفزع أوروبا التي بدأت تسعى إلى إيجاد جسور وأساليب لمتابعة دعمها لأوكرانيا إن أوقف ترامب الدعم الأمريكي، وبهذا المعنى تبدوا أوروبا غير معنية بإيقاف الحرب، لكن الواضح أن ترامب يحاول استعادة الأموال التي أنفقتها الولايات المتحدة على أوكرانيا مقدرا ذلك بنحو 400 إلى 500 مليار دولار، ومن هنا اقترح أن تعقد كييف صفقة مع واشنطن بشأن المعادن النادرة في أوكرانيا الأمر الذي صعد من المواجهة بين الجانبين حيث رفض زيلينسكي التوقيع على اتفاقية تعطي لواشنطن الأولوية في استثمار تلك المعادن إبان زيارة وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت إلى كييف، ورفض أيضا توقيعها إبان لقائه مع جيه دي فانس نائب الرئيس الأمريكي في ميونيخ ما أثار حفيظة ترامب، الذي عالج الأمر بهجوم لاذع حيث وصف زيلينسكي بالديكتاتور الذي يحكم بعد انتهاء فترته الرئاسية، وأن شعبيته انخفضت إلى الحضيض، وأنه أقنع البيت الأبيض بالإنفاق 350 مليار دولار على حرب لا يمكن الفوز بها، ونقلت صحيفة نيويورك بوست عن مصدر مقرب من البيت الأبيض أن على زيلينسكي أن يغادر على وجه السرعة ويتوجه إلى فرنسا، وتشير بعض المعطيات إلى أن كيث كيلوغ المبعوث الأمريكي إلى أوكرانيا وروسيا أبلغ الجانب الأوكراني باحتمال قطع الانترنيت السريع “Starlink “عن أوكرانيا في حال عدم التوصل إلى اتفاق بشأن المعادن النادرة الأمر الذي سينعكس سلبا على قدرات الجيش الأوكراني، ويُدخل القوات المسلحة في فوضى حقيقية حسب ماريا برلنسكايا رئيسة مركز دعم الاستطلاع الجوي للجيش الأوكراني…

ردود زيلينسكي تبدأ بالتوضيح

حاول زيلينسكي الرد لكسب ماء الوجه مستندا إلى الدعم الأوربي، فأعلن أن أحدا لن يستطيع إزالته لأن استطلاعات الرأي تشير إلى حصوله على 57% من الأصوات حسب معهد أوكراني!!!، وأعلن زيلينسكي أن ترامب يعيش في فضاء يسوده التضليل، وأن عليه أن يفكر قبل أن يتحدث في تعليقه على أطروحات ترامب بأنه سيوقف الحرب في أوكرانيا، وأعلن أنه يرفض الاعتراف بأن أوكرانيا مدينة لواشنطن ب 500 مليار دولار، منوها بأن الولايات المتحدة أرسلت 100 مليار دولار وحسب، كما أنه ركز على أن المنح لا يجوز أن تتعامل كقروض عليها فوائد، والملفت للنظر أنه سبق أن أشار إلى وصول 177 مليار دولار معترفا بأن مبلغ 100 مليار دولار قد ضاع أو لا يعرف مصيره، ما دفع بالملياردير الأمريكي ماسك إلى الإعلان عن أنه سيحقق بدقة في هذا الأمر.

وتنتهي بالرضوخ

حاول زيلينسكي تبرير رفضه توقيع اتفاق لأولوية واشنطن في استثمار المعادن الأوكرانية النادرة، رابطا ذلك بعدم وجود ضمانات أمنية لأوكرانيا، ثم عاد مؤخرا لطرح مجموعة من التصريحات المثيرة للاهتمام وكأنها حدث انعطافي حيث أعلن أنه مستعد لترك منصبه في حال تم قبول أوكرانيا في حلف الناتو، ثم أعلن قبل يومين أن كييف وواشنطن تقتربان من التوصل إلى اتفاق بشأن الوصول إلى الموارد الطبيعية في أوكرانيا مقابل المساعدة الأمنية، مضيفا أن نشر قوات أمريكية في أوكرانيا أمر منطقي إذا اعتبر اتفاق المعادن النادرة من الضمانات الأمنية ، كما أعلن بودولياك مستشار الرئيس الأوكراني أن توقيع الولايات المتحدة وأوكرانيا بشأن الموارد المعدنية أمر سيتم حسمه قريبا، كما ذكر مصدر أمريكي مُطَّلع أن البيت الأبيض وأوكرانيا حققا تقدما كبيرا في مسألة السماح للولايات المتحدة بالوصول إلى المعادن الأرضية النادرة وتعزيز علاقات طويلة الأمد بينهما.

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى