خاص - ماتريوشكا نيوز

عندما تتحول الدراما إلى أداة محو.. من حذف المقاومة والنضال من الشاشات؟

ماتريوشكا نيوز - بيروت

مع اندلاع الحرب الهمجية التي شنتها إسرائيل على لبنان بعد أن اتخذت المقاومة اللبنانية قرارها الشجاع بإسناد المقاومة الفلسطينية في ملحمة “طوفان الأقصى” والتي تزامنت مع استمرار العدوان الوحشي على غزة، تتضح ملامح سياسة إعلامية ممنهجة تهدف إلى تغييب القضايا المصيرية عن وعي الشعوب العربية. فبينما تعرضت الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع في لبنان لقصف همجي وانتهاكات واستهدافات، ومع استمرار الاحتلال في ارتكاب المجازر والتضييق على شعبنا الفلسطيني وآخرها فرض حصار ومنع دخول الإعانات الى غزة مع بداية شهر رمضان، تبرز الدراما الرمضانية هذا العام وكأنها تعيش في عالم آخر، منفصلة تماماً عن واقع الأمة وأزماتها وكوارثها.

في خطوة أثارت الجدل، نشرت الصحفية الإسرائيلية سمدار بيري، المختصة في الشؤون العربية بصحيفة يديعوت أحرونوت، مقالاً لفت الانتباه إلى غياب القضية الفلسطينية تماماً عن المسلسلات الرمضانية العربية لهذا العام. وأكدت أنها راجعت 37 مسلسلاً مقرر عرضها خلال الشهر الكريم على مختلف الشاشات العربية، لكنها لم تجد أي ذكر لفلسطين، غزة، أو حتى المسجد الأقصى، واصفة ذلك بأنه “معجزة” في الإعلام العربي. لكن المفارقة الحقيقية أن هذا الغياب لم يقتصر على فلسطين فقط، بل انسحب أيضاً على العدوان المستمر على لبنان، مما يطرح تساؤلات حول الأجندة التي تحكم المحتوى الإعلامي العربي اليوم.

تحولات الدراما العربية… من المقاومة إلى الهروب من الواقع

لطالما شكلت المسلسلات الرمضانية مساحة للتفاعل مع القضايا السياسية والمصيرية في العالم العربي في الأوساط الشعبية العربية والمجتمع العربي، وكانت القضية الفلسطينية محور العديد من الأعمال الدرامية، خاصة تلك التي تتناول ملفات التجسس والمقاومة والنضال. لكن ووفقاً لمقال بيري، فإن هذا المحتوى غاب بالكامل عن خريطة منهاج المسلسلات لهذا العام، مما يشير إلى تحول جذري في أولويات الإنتاج الدرامي العربي.

ويرجع هذا التحول، بحسب المراقبين، إلى عدة عوامل، أبرزها:

1- تغير اهتمامات الجمهور العربي: حيث باتت القضايا الاجتماعية والدراما العائلية تحظى بأولوية على حساب القضايا السياسية، في محاولة لإلهاء المشاهد عن واقع بلاد وأمته.

2- الرقابة والتوجيه الإعلامي: إذ قد تتجنب بعض الجهات المنتجة تناول القضية الفلسطينية أو العدوان على لبنان بسبب الضغوط السياسية والخطوط الحمراء المفروضة من قبل معظم الأنظمة العربية.

3- الأوضاع الاقتصادية: الأزمة المالية التي تعصف بالعديد من الدول العربية أثرت على صناعة الدراما، مما دفع المنتجين لاختيار مواضيع أكثر ربحية.

هل هو تغييب مقصود أم سياسة ممنهجة؟

تشير المعطيات إلى أن غياب فلسطين عن الدراما ليس مجرد صدفة، بل يبدو أنه جزء من توجه إعلامي عام يسعى لإبعاد المُشاهد العربي عن قضاياه الأساسية. فبينما تغرق العواصم العربية في الإنتاج الترفيهي، تعرضت غزة للدمار الشامل، ولبنان للقصف الإسرائيلي الوحشي، والمسجد الأقصى للتهويد، دون أن يكون لهذه الأحداث أي صدى في الأعمال الفنية.

ومع أن الدراما كانت دائماً سلاحاً ناعماً وحافزاً في تكوين وعي الشعوب، إلا أن هذا الغياب يثير تساؤلات جدية حول مدى استقلالية الإنتاج الفني العربي، وتأثير العوامل السياسية والإملاءات الخارجية على محتواه. فهل باتت شاشاتنا ناطقة بلسان الاحتلال؟ تمحو من ذاكرة الشعوب كل ما يتعلق بالمقاومة، وتقدم الاحتلال كطرف مسالم بينما تشيطن كل من يقف بوجهه؟

الجمهور العربي لا ينسى… لكن أين الفنانون؟

رغم محاولات تغييب القضايا المصيرية عن الدراما الرمضانية، يبقى الشارع العربي متيقظاً، حيث تضج وسائل التواصل الاجتماعي بحملات التضامن مع غزة والمقاومة اللبنانية، والتوثيق المستمر للجرائم الإسرائيلية. ومع ذلك، يطرح هذا الوضع تحدياً خطيراً على الفنانين وصنّاع المحتوى: لماذا لم نشهد أي مسلسل عن غزة أو العدوان على لبنان؟ ولماذا أصبح الحديث عن المقاومة وكأنه جريمة؟

سواء كان هذا الغياب ناتجاً عن توجهات تجارية، رقابية، أو سياسية، فإن السؤال الأكبر يظل قائماً: هل بات الفن العربي منفصلاً عن قضايا أمته؟ هل أصبحت السيناريوهات تُكتب في غرف مغلقة بتمويل مشبوه لإلهاء المشاهد العربي؟

التلفزيون العربي… بوق صهيوني بلسان عربي؟

لم يعد الإعلام العربي إعلاماً يعبر عن قضايا الشعوب، بل تحول إلى أداة صهيونية ناعمة تروّج لما تريده إسرائيل أن نراه، وتمسح من شاشاتها كل ما يذكّرنا بفلسطين ولبنان والمقاومة. ففي رمضان، حيث كانت القضية الفلسطينية دائماً حاضرة في وجدان الأمة، غابت تماماً عن الدراما، وكأن غزة لم تُقصف وتُدمر، وكأن آلاف الشهداء لم يسقطوا، وكأن الاحتلال لم يعد موجوداً، وكأن لبنان لا يتعرض لعدوان همجي يومي!

هذا ليس مجرد تقصير إعلامي، بل هو تواطؤٌ واضح، وسياسة ممنهجة لقتل الوعي العربي، لتحويل المشاهد إلى مستهلك تافه غارق في الترفيه السطحي، بينما تُهدم بيوت المواطنين في غزة، ولبنان، وتُقتل شعوب بأكملها وتُباد بصمت مطبق تام من شاشات العرب. لذلك فإن الإعلام العربي اليوم هو إعلام صهيوني بالوكالة، يُبثّ بلسان عربي لكنه يحمل أجندة العدو، حيث الاحتلال يُغسَل من ذاكرة الشعوب، والمقاومة تُشوّه، والخنوع يُسوّق على أنه واقعية سياسية!

الشعوب لا تموت… والمقاومة لا تُمحى

ما لم يدركه أولئك الذين يقفون خلف هذه السياسة الإعلامية هو أن الشعوب لا تموت، والوعي المقاوم لا يُمحى. حتى لو أسكتوا الشاشات، فالحقيقة تُكتب بالدم، وتتناقلها الأجيال، ومن لا يزال يعتقد أن بإمكانه دفن قضايا الأمة من فلسطين إلى لبنان بالإعلام المأجور، فليشهد أنها اليوم حاضرة في كل بيت، على كل هاتف، وفي كل قلب حر.

مهما حاولوا، ستبقى فلسطين في القلب، ولبنان رمز الصمود، والمقاومة هي الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن تغييبها مهما تواطأ الإعلام والممولون والمطبعون!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى