عندما أرى آثار الدمار في أوكرانيا أتذكر لعبة “ميدالية الشرف” medal of honor التي أعادت بي الذاكرة إلى أصوات صافرات الإنذار ودوي الصواريخ التي زارت بغداد في الماضي، لادرك أنها ستغنينا عن التفكير بسخافة ومزاح فايروس كورونا الثقيل الذي يخاطب عقولنا، فيقول اطمئنوا لن يكون للكمامة أهمية عندما نسمع قرقعة أصوات المدافع، لأن رائحة الموت أصبحت تدور في كل مكان، وطعم الحياة لن يحتاج لفيتامين سي أو زنك لرفع نسبة الأوكسجين لدى الأبرياء.
إن أعظم شعور يعيشه الضمير عندما يعطي القاتل الوعد بالرحمة وقت الإجهاز وإنزال القصاص بضحيته، لكونه يعلم سلفاً بحجم الخيانة التي تعرض لها الأخير، ولتدرك الضحية بعدها بأن الوقت لم يعد يكفي حتى لأن تتبجح بالقول بأن هنالك رد مزلزل سوف يأتي من حلفائها الذين يقفون خلفها لتستطيع أن تحاجج به القاتل، على اعتبار أن ملامح الانكسار وتعابير الوجوه ستعكس الحقيقة الكاملة دون تزييف أو مكابرة، تثبتها خيبة الأمل في عيون غرقت بالدموع، لم تعد قادرة على الإحتفاظ بها بين المسامات لمنعها من السقوط ، فبانت أولى طلائعها في خطاب رئيس أوكرانيا زيلينسكي الموجه لدول الناتو، بأنه قد لن يراهم مجدداً أي بمعنى أن الموت بدأ يدنو من مقتربات حياته كلما اقتربت القوات الروسية من عاصمة بلاده، فوقف حينها بين أمرين أحلاهما مر، مكانته كرئيس دولة أوقعته أميركا ودول الحلف بفخ التصريحات الاستفزازية لروسيا التي تم ترجمتها كتهديد وجودي لروسيا، فتخلت عنه القارة العجوز بأسرها، وعدم الحصول على إجابة لسؤاله المصيري لأكثر من 27 مسؤول من داخل الناتو، أجيبوني بصراحة!! هل سوف توافقون على انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي!؟ فلم يجيبه أحد والكثير كان خائف ومتردد حتى من الإجابة، فأدرك حينها أنهم تركوا أوكرانيا تواجه خطر الدب الروسي لوحدها.
اليوم باتت الحقيقة صادمة ومؤلمة تؤرق الكثير من الاوكرانيين، في ظل وجود خطأ استراتيجي فادح وعنجهية وغباء سياسي ارجعهم عدة قرون الى الوراء ليعيد بنا الذاكرة لمغامرات النظام السابق ، مابين طمعهم بالحصول على رضى العم سام ، ومابين حلم الانضمام لحلف شمال الاطلسي لضمان استمرارية الحماية من التهديدات الروسية ، لتجد اوكرانيا نفسها حائرة فيما بعد، حتى وان تعافت من ويلات الحرب والدمار فسيبقى التقسيم واقع حال لا مهرب منه ، لان النسبة المئوية لخيارات الجيدة في عملية الرجوع كدولة لها سيادة ومستقلة كما كانت في سابق عهدها أصبحت “صفر” ، وهذه النسبة بأعتقادي هي افضل الاسوء التي تتناسب مع حجمها المستقبلي ومكانتها التي تراجعت الى مراتب دول العالم النامي حسب المعطيات الموجودة على ارض الواقع .
للاسف اقول لايوجد شيء بالامكان ان يكتب عنه التاريخ الاوكراني عنه الا المقاومة والاستبسال ،لان قرار الدخول في حرب غير متكافئة كان قرار متهور غير محسوب من قبل الادارة الاوكرانية، في وقت لم تضمن الاخيرة وقوف جميع دول اوروبا معها ، لانها غير مهيأة تماما لقرار الحرب المفاجئ، ولان عملية المغامرة بدخول حرب استنزاف لقدراتها العسكرية والاقتصادية يكون الخاسر الاكبر فيها هم دافعي الضرائب التي تعتمد عليهم الدول الاوروبية في رفع اقتصادياتها ورفاهيتها ،لان القارة العجوز لاتؤمن بزمن المعجزات ولا تراهن على رجوع نبي الله يوسف لكي يمسح على وجهها لاعادتها شابة بوجهها الجميل.
من الناحية السياسية للموضوع فهو معقد للغاية وهذه الفرصة تعد اكثر من مناسبة، ووقت ملائم جاء من صالح ثلاث دول، اولها روسيا التي استغلت ضعف بايدن وموضوع فرض العقوبات عليها سواء دخلت الى اوكرانيا او لم تدخل ، والصين التي استغلت الفرصة ربما لغرض ضم تايوان اليها، وما قرار رفع جهوزية القوات الصينية وتحليق الطيران الصيني في خليج تايوان ، وتصريحها بأن دخول روسيا لاوكرانيا لايعد عملية غزو، بالاضافة الى قرب حسم مفاوضات ٤+١ في فيننا لانهاء ملف برنامج ايران النووي الذي تنتظره منذ فترة طويلة ربما يكون حل حقيقي لمشاكلها ووقف تدخلاتها في منطقة الشرق الاوسط.
قد يفكر البعض بأن روسيا لجأت الى استخدام سياسة ” الارض المحروقة ” لتبرير الهجوم على اوكرانيا، فلم تعد البنى التحتية العسكرية بمأمن على الاطلاق ، وحتى المنشأت المدنية قد تعرضت لخطر الدمار والانهيار، والبعض الاخر يرى العالم من وراء اصبعه ، وسط خوف وقلق وتردد من قبل الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي من اصدار اي قرار يثير حفيظة روسيا خوفاً على مصالحهم واقتصادياتهم التي تعاني اليوم من ازمات اقتصادية كبيرة، وتدفق عالي لموجات اللاجئين الى اراضيها، لكن بنهاية المطاف ان قرار شن الحرب على اوكرانيا اظهر عورة “النمر المصنوع من الورق” ولتبقى التساؤلات تطرح من قبل الكثير من المختصين، لماذا تخلى العالم عن نصرة كييف ؟
انتهى …
خارج النص|| الادانة والشجب والاستنكار قتال بقرون من طين لاتفي بالغرض اثناء المبارزة ..



