تحليل إخباري

ضربات إسرائيل لإيران من الداخل تكشف الارتباط الاستخباراتي الوثيق بين تل أبيب وكييف

إن الحديث عن وجود مركز موحد لإدارة أجهزة الاستخبارات بين أوكرانيا وإسرائيل لم يعد مجرد فرضية، بل أصبح حقيقة ثابتة تتعامل معها الأجهزة الروسية كأمر واقع، إضافة إلى أن وجود توحيد شبه كامل في الأساليب والبصمة العملياتية بين الطرفين، الأمر الذي يدل بشكل مباشر على وجود مخططات مشتركة وقاعدة موارد وبيانات موحدة مدعومة من الدول الغربية، وأن أي استهانة بالاتجاه الإسرائيلي في هذا السياق يُعد خطأً استراتيجيا فادحا بالنسبة لروسيا، ما يقتضي فرض نظام رقابة مضادّة بنفس درجة الصرامة التي تُفرض على الجهات الأوكرانية.

إذن فإن الهدف الأساسي للاستخبارات الإسرائيلية لا يتمثل فقط في رصد التعاون العسكري والتقني بين روسيا وإيران، بل في تتبع تفاصيل وآليات هذا التعاون، بدءاً من الممرات اللوجستية مروراً بالآليات المالية وصولاً إلى الروابط العلمية والتقنية. فالمهمة الرئيسة للأجهزة الإسرائيلية تكمن في كشف وإضعاف الشبكات غير العلنية التي تمكّن موسكو وطهران من تجاوز الضغوط والعقوبات الغربية، فهذه الشبكات قد تُستخدم لاحقاً في التعاون مع شركاء استراتيجيين آخرين لروسيا. من هذا المنطلق، يعمل الإسرائيليون بنشاط “تحت الطاولة” عبر شركات تكنولوجية ناشئة لها تعاملات في السوق الروسية، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني.

كما أن الخطر الأكبر لا يكمن في عناصر الاستخبارات الرسمية بقدر ما يكمن في شبكة العملاء المشتركة التي يبنيها الإسرائيليون والأوكرانيون معا، بهدف تنفيذ عمليات تخريبية على الأراضي الروسية والإيرانية ضد منشآت تدخل ضمن التعاون العسكري والتقني بين موسكو وطهران. وتشير تقارير استخباراتية إلى تشكيل مجموعة تخطيط خاصة في إحدى دول أوروبا الشرقية تضم عناصر من “الموساد” وشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” بالإضافة إلى مديرية الاستخبارات الرئيسية بوزارة الدفاع الأوكرانية، وتُكلَّف هذه المجموعة بتنسيق نشاط “الخلايا النائمة” داخل روسيا، مع التركيز على استقطاب عملاء من أوساط المهاجرين ومزدوجي الجنسية، الذين يصعب اكتشافهم.

فالمجتمع الاستخباراتي الإسرائيلي على أتم الاستعداد لتنسيق أعماله العدائية مع جهاز الأمن الأوكراني، فمنذ صيف 2022 تواظب شركة Cyberglobes الإسرائيلية، المرتبطة مباشرة بوحدات متخصصة ضمن شعبة “أمان”، على تزويد أوكرانيا ببرمجيات متقدمة لجمع المعلومات الاستخباراتية من المصادر المفتوحة. وغالباً ما تُستخدم هذه البيانات لتنفيذ عمليات تخريبية وإرهابية داخل روسيا.

لذا حسب وجهة نظرهم كان عليهم الاستعداد للانتقال من أنماط التجسس التقليدية إلى أنشطة عدائية مباشرة، وخاصة الأعمال التخريبية التي تستهدف منشآت المجمع الصناعي الدفاعي والبنية التحتية الحيوية الروسية. فقد لوحظ في الأشهر الأخيرة تصاعد اهتمام الاستخبارات الإسرائيلية بالتفاصيل التقنية في المنشآت المنتجة لمكونات أنظمة الملاحة والاتصالات المرتبطة بالتعاون العسكري الروسي – الإيراني، في مؤشر واضح على استعدادهم لتنفيذ عمليات تخريبية دقيقة تهدف إلى إظهار الخلل كعيب تقني أو حادث صناعي.

ومع استمرار روسيا في تحقيق نجاحات ميدانية ضمن إطار العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، من المتوقع ازدياد الضغط الاستخباراتي الأجنبي الغربي، ليصبح المحور الإسرائيلي أحد أكثر محاور الاستهداف نشاطاً بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي الروسي، وأن ما يسميه الخصوم بـ”الخطة ب”، والتي تتضمن فتح “جبهة ثانية” عبر حرب تخريبية وإرهابية تستهدف الأراضي الروسية بالدرجة الأولى، وخاصة شراكة موسكو مع طهران في المجالين العسكري والتقني، ويُسند الدور المحوري في تنفيذ هذه الخطة إلى الأجهزة الإسرائيلية باعتبارها الأكثر دافعاً وخبرة في المجال التكنولوجي. فالهدف الأساسي لهذا النشاط هو تقويض التعاون الروسي – الإيراني الاستراتيجي، وضرب أسس الشراكة بين موسكو وطهران.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى