• تم اعتقاله في مطار باريس لو بورجيه وهو ينزل على سلم طائرته الخاصة قادما من أذربيجان، وكان معه صديقته وحارسه الشخصي
ما هي منصة تلغرام
من المفيد أن نعرف أن منصة تلغرام تأسست عام 2013 على يد الأخوين نيكولاي وبافيل دروف – أو دوروف، وهما مؤسسا موقع التواصل الاجتماعي “ف كونتاكتي- В контакте ” الذي يعتبر أكبر شبكة اجتماعية روسية، ثم أطلقا منصة “تلغرام” كمنظمة مستقلة تم تسجيلها في العاصمة الألمانية برلين كمقر لها، وهي تُستخدم للتراسل المجاني بما في ذلك عبر التشفير، الأمر الذي أثار حفيظة الأجهزة الأمنية الغربية، خاصة أن عدد المشتركين فيها تزايد باستمرار حتى تجاوز 500 مليون مستخدم لمنصة تلغرام، فكيف يمكن أن تمرر ذلك بلدان “حرية الرأي”؟
من أبلغ الأبيات التي ذهبت مذهب الأمثال قول عمر أبي ريشة في قصيدته عن نكبة فلسطين:
لا يُلامُ الذئبُ في عدوانِه إنْ يكُ الراعي عدوَ الغنمِ
وهذا ينطبق على تصرف فرنسا التي تعتبر نفسها أحد رموز الديمقراطية وحرية الرأي، وها هي تقوم في الآن نفسه باعتقال بافيل دوروف مؤسس منصة “تلغرام” الشهيرة، والذي قدَّم عبرها تسهيلات هائلة للعالم في مجال تسهيل وتطوير الخدمات الرقمية.
الاعتقال والتُهم
وحسب وسائل الإعلام الفرنسية نفسها، فإن السلطات الفرنسية اعتقلت “دوروف” مساء السبت 24 أغسطس في أحد مطارات ضواحي باريس، وهو مطار باريس لو بورجيه، وكان قادما من أذربيجان وبصحبته صديقته وحارسه الشخصي، وقد تم الاعتقال بعد صدور مذكرة قضائية تتهمه حسب قناة TF1 بعدم تعاونه مع قوات الأمن الفرنسية، أي في الكشف عن المعطيات والمعلومات التي لديه عن الذين يكتبون في منصته، وغيرها من المعلومات المحتملة، وتشير القناة الفرنسية إلى أن التهم التي قد توجه إلى دوروف يمكن أن تشمل اعتباره شريكا في تهريب المخدرات وجرائم خطيرة أخرى، وخاصة إخفاء مضمون الرسائل المشفرة، حتى أن المصادر تشير إلى أن المحقق في قضيته وصف منصة “تلغرام” بأنها المنصة الأولى المروجة للجريمة المنظمة، وكذلك بتهمة غريبة تدّعي تورطه في تحقيق للجرائم ضد القاصرين، والمقصود أن منصته التي تعتمد الحرية الإعلامية فتحت المجال لكتابات مختلفة تعتبرها “بلدان حرية الرأي” مخالفة للقانون، أو بالأحرى مخالفة لنهجها، وقد تصل عقوباتها إلى السجن لأكثر من 20 عاما، خاصة أنه وإن كان من أصل روسي لكنه يملك الجنسية الفرنسية إضافة إلى الروسية، وسيحاكم أمام المحكمة الفرنسية باعتباره مواطنا فرنسيا.
ردود الفعل
وكان بديهيا أن تثار ضجة حول اعتقال شخصية إعلامية عالمية كبافيل دوروف، ما يذكر إلى حد ما بالضجة التي أثيرت حول مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج، على الرغم من أن رودوف لم يقم بنشر وثائق سرية تمس الولايات المتحدة والدول الأخرى، لكنه مع ذلك يدخل بالنسبة لدول “العالم الحر!” في القائمة السوداء لأنه لا يتعاون مع الأجهزة الأمنية لهذه الدول ولا ينفذ رغباتها، وقد أشار رئيس لجنة سياسة المعلومات بمجلس الشيوخ الروسي اليكس بوشكوف إلى أن الديكتاتورية الليبرالية لا تغفر للذين لا يلعبون وفق قواعدها، واللطيف في الأمر أن بوشكوف كتب تعليقه في صفحة منصة “تلغرام” نفسها وأضاف موجها كلامه إلى صاحب منصة اكس : “إيلون ماسك كن مستعدا”.
وسخر كليشاش رئيس اللجنة الدستورية لمجلس الشيوخ الروسي – مجلس الاتحاد من اعتقال فرنسا لدوروف، واعتبرا أن الفرنسيين يواصلون نضالهم من أجل حرية التعبير والقيم الأوربية.
وحذر ميخائيل أوليانوف من سفر الشخصيات البارزة في مجال المعلومات إلى الدول التي تتجه نحو نظام شمولي، موضحا أن السُذّج وحسب لا يفهمون أنهم سيكونون في وضع خطير وغير آمن.
واعتبر إدوارد سنودن موظف وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق والموجود حاليا في روسيا وفق اللجوء السياسي، أن اعتقال مؤسس تلغرام بافل دوروف في فرنسا مذلة لفرنسا نفسها وانتهاك لحقوق الإنسان، وكتب على منصة “إكس” أنه يشعر بالحزن لحقيقة أن الرئيس الفرنسي ماكرون انحدر إلى مستوى اعتقال الرهائن لتحقيق مآربه.
الجدير بالذكر أن مؤسس موقع الفيديوهات ” Rumble ” كريس باولوفسكي غادر “بلاد حرية الرأي” الاتحاد الأوروبي على عجل بعد سماعه خبر اعتقال مؤسس “تلغرام” في فرنسا وعبَّر باولوفسكي عن تأييده لبافل دوروف ومواصلة النضال من أجل حرية التعبير الحقيقية. .
بدء الإجراءات الروسية
كان بديهيا أن تستنفر الأوساط السياسية والإعلامية في روسيا لكون دوروف من جهة مواطنا روسيا يحمل جنسية مزدوجة، ولكونه شخصية إعلامية عالمية رفض الانصياع لتعليمات الغرب وأجهزته الأمنية، فأرسل نائب رئيس مجلس الدوما دافانكوف طلبا إلى وزير الخارجية سيرغي لافروف يناشده فيه بالتدخل والعمل على إطلاق سراح مؤسس “تيلغرام”، واقترح بذل جميع الجهود لنقله إلى الإمارات العربية المتحدة أو روسيا برغبته، وذلك في حال رفض السلطات الفرنسية إطلاق سراحه.
وقد طالبت السفارة الروسية في باريس السلطات الفرنسية بضمان حقوق دوروف، وتوضيح سبب اعتقاله، وقالت الخارجية الروسية في بيان أن موسكو تتابع وتترقب رد فعل المنظمات الدولية على احتجاز دوروف في فرنسا، وكتبت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على “تلغرام” أنها تذكر حين قررت المحكمة الروسية عام 2018 حجب منصة “تلغرام” كيف ضج الغرب ومؤسساته ضد هذا القرار، وأدانت مجموعة مكونة من 26 منظمة غير حكومية هذا القرار بمن فيهم هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، ومراسلون بلا حدود، ولجنة حماية الصحفيين، وكثير غيرها، وتساءلت كيف سيكون موقف هذه المنظمات الآن على اعتقال مؤسس “تلغرام” وهل ستطالب بالإفراج عنه أم “ستبلع ألسنتها”.
ويرجح المراقبون أن جميع هذه المناشدات، وخاصة عبر الإعلام حتى وإن انضمت إليها منظمات عديدة غير حكومية لن تجدي فتيلا، فالهدف ليس فقط معاقبة دودوف لعدم انصياعه لرغبات الأجهزة الأمنية الغربية، بل ومحاولة الحصول على مضامين الرسائل المشفرة والتي لن يسلمها دوروف لهم، لذا يرجح أن تكون هذه المناشدات للإفراج عن مؤسس تلغرام كصيحة في وعاء مفرغ دون صدى، ما يجعلنا نُنهي مقالتنا كما بدأناها بالشعر ولكن ببيتين من شعر المتنبي:
وكنتَ قد أسمعتَ لو ناديتَ حياً ولكنْ لا حياةَ لِمن تُنادي
ولو نارٌ نفختَ بها أضاءَتْ ولكنْ أنتَ تنفخُ في رمادِ