ثلاثاء “البيجر” وأربعاء “اللاسلكي” الدمويّان!؟ رسائل نارية بالجملة (الجزء الأوّل)
ماتريوشكا نيوز
أقدم “الكيان” النازي المجرم عصر الثلاثاء 17/9 الجاري على ارتكاب جريمة إبادة جماعية استهدفت عموم الشعب اللبناني وطالت حتى مناطق في القطر السوري، تضاف إلى مئات الجرائم والمجازر التي ارتكبها وما زال بحق الشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية، وخاصة اللبناني والمصري والسوري والأردني التي يمتلىء بها تاريخه الدموي الموثّق.
وقد أسفرت هذه المجزرة الجديدة عن استشهاد 12 مدنياً بينهم طفلان وإصابة أكثر من 3750 مدني آخر بجروح مختلفة، منهم 170 في حالة حرجة، بالإضافة إلى 14 شخصاً على الأراضي السورية، وقد طالت هذه الجريمة البشعة غير المسبوقة المواطنين اللبنانيين في مختلف المناطق اللبنانية ممّن يستخدمون جهاز “البيجر” في حياتهم وأعمالهم اليومية المعتادة.
ويبدو أن الكيان النازي لم يكتف بمجزرة “البيجر” فأتبعها عصر يوم الأربعاء التالي بالحلقة الثانية من مسلسل الإبادات الجماعية مستهدفاً أجهزة اللاسلكي الخدماتية، مسقطاً 20 شهيداً وما يربو على 450 جريحاً بحسب ما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، غير آبه بكل القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية، ولا بكافة الإدانات وردود الأفعال والتنديد العالمي الذي لا يزال يتوالى على جريمته الأولى التي لم تجف دماء ضحاياها المدنيين بعد. بل ورافعاً من عقيرة تهديداته ومتوعّداً بالمزيد من المجازر والإبادة الجماعية. وكان واضحاً من خلال التصريحات والتلميحات لقادة “الكيان” السياسيين والعسكريين وحتى الإعلاميين في الآونة الأخيرة أنهم يحضرّون لارتكاب جرائم كبرى بحق الشعب اللبناني.
فماذا أراد العدو الغاشم من هذه المجازر النكراء المتلاحقة، وما تحمله من رسائل دامية، وهل يمكن له أن يحقق أهدافه ـ على الأقل المعلن منها ـ من مثل هذه المجازر، التي لا يقدم عليها سوى الجبناء وخفافيش الليل الحالك في الغرف السوداء، ولا تنم سوى عن الضعف المتزايد لهذا الكيان المتهالك الذي ظهر إفلاسه، ولم يفلح سوى في قتل المدنيين الأبرياء؟!
ما أفصح عنه “الكيان” من أهداف جرائمه اختزلته تصريحات نتنياهو وبقية أركان قياداته العسكرية في “مصادقة كابينيت الحرب على إدراج جبهة الشمال الفلسطيني ضمن أهداف الحرب، وفرض إعادة مستوطنيه لمستوطناتهم المهجورة بعد إهمالهم طيلة 11 شهراً” وهو ما دفعه إلى التخلي عن شعار نتنياهو الملازم لكل تفوّهاته السابقة “النصر المطلق” في قطاع غزة، وتعزيز تحشّداته العسكرية باتجاه الجبهة الشمالية، وسحب بعض فرق النخبة من غزة ودفعها شمالاً باعتبارها أضحت جبهته الرئيسية التي استفاق عليها بعد إغفال طويل، رغم كلّ المطالبات والضغوطات الداخلية الرسمية منها وغير الرسمية المتواصلة.
أما ما يضمره “الكيان” المجرم ممّا اقترفه من مجازر خلال اليومان، فتمثّل في جملة من الرسائل بشتى الاتجاهات، لعل أولى هذه الرسائل كانت لداخل “الكيان”، حيث اهتزّت لأول مرة في تاريخه الثقة في الجيش الذي لا يقهر، والذي يمثل العمود الفقري وعمود خيمة مستوطنيه، بل ومبرر وجوده كقاعدة عسكرية قتالية متقدّمة للغرب الاستعماري الذي تتزعّمه واشنطن حاليّاً، ومحاولة لاستعاده هيبة هذا الجيش المفترض أنه صاحب “اليد الطولى” ليس في المنطقة فحسب، وإنما على امتداد العالم، وذلك بعد أن مرغّت المقاومة الفلسطينية الغزّاويّة أنفه في رمال غزة المتحرّكة، وصنعت في “طوفان الأقصى” مشاهد لن تُنسى على مرّ الأجيال، وبعد تنامي حالات الإحجام عن الخدمة العسكرية والتمرّد على الأوامر، وتفشّي شتى الأمراض النفسية بين صفوفه لدرجة تزايدت معها حالات الانتحار، واتساع الهوّة بين القيادات السياسية والعسكرية والأمنية بلغت تراشق اتهامات الإخفاق علناً وبأسلوب وألفاظ سوقيّة غير مسبوقة، وتنامي خشية القيادات العسكرية من تآكل ما حققوه من مكتسبات تكتيكية والدخول في حرب استنزاف مكلفة ومؤلمة لا طائل منها، نتيجة تعنّت نتنياهو وجوقته وتمسكّهم بمكاسب سلطوية وشخصية على حساب الجيش ولمصلحة عصابات المستوطنين الإجرامية.
ناهيك عن أزمة تجنيد “الحريديم”، ومفاعيل الحرب على المستويات الاقتصادية والسياحية والهجرة العكسية المتنامية، وظهور حقيقة “الكيان” النازي العنصري على الصعيد العالمي بلا رتوش أو أقنعة حتى في أوساط مجتمعات الدول الداعمة والمصنّعة له، حيث لم تعد صورة “الضحية” التي تاجر بها طيلة عقود خلت تنطلي على أحد، فضلاً عن شعارات “الأمن” والدفاع عن النفس” و”التحضّر” التي تلحّف بها منذ تأسيسه.. لكل ذلك، وكالمعتاد من “كيان” يعتاش على الدماء والحروب المتواصلة، كان لا بدّ من الهروب إلى الأمام باتجاه خطر خارجي جديد تعيد له ما تآكل من لحمة داخلية، وتعيد جمع أشلائه المبعثرة من جديد. ومن غير لبنان الذي استعصت مقاومته على كافة الحلول العسكرية والاستخباراتية والأمنية، وشتى الإغراءات والضغوط الأمريكية والغربية وحتى العربية المتتالية، وربط مصيره بمصير غزة النازفة، وضرب “الردع” والهيبة والغطرسة الإسرائيلية في الصميم، في موقف شرعي وأخلاقي وإنساني عزّ مثيله في زمن التخاذل والتطبيع والعجز الدولي المخزي.
أمّا لماذا الآن؟ فتاريخ “الكيان” الغادر و”مقتنص الفرص”، قد وجد أن هذه هي اللحظة المثالية المناسبة، حيث إدارة البيت الأبيض دخلت مرحلة “انعدام الوزن” وتستجدي رضى “اللوبي الصهيوني” االمربوط برضى نتنياهو وعصابته، رغم يقينها بأنه لا يرغب بها بعد كل ما قدمته من خدمات جليلة له، بل عينه على “ترامب” ومعسول وعوده لها وتعهداته حتى قبل فوزه بتحقيق وتلبية كافة طلباتها على حساب الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين الذين لا يمثّلون له شيئاً بل وربّما لا يستحقّون شيئاً أيضاً. ناهيك عن فرصة وجود وزير خارجية “يهودي صهيوني” ومبعوث رسمي مخلص لجيشه النازي إمّعات لنتياهو وزمرته بل وينافسانهم في التطرف والدموية، واللذان قدما حامليْن مباركة البيت الأبيض لاستهداف لبنان وإجباره على العودة لبيت الطاعة الصهيوـ أمريكي. وكذلك استمرار المظلّة الغربية المنافقة، والتي تربط فلسطين بتوأم الروح الصهيوني في أوكرانيا النازية في مواجهة خطر روسيا والصين ودول بريكس الوجودي.
وأمّا الرسالة الموجّهة للبنان، فقد اتضح من خلال استهداف وسائل الاتصال تحديداً، خلق حالة من الارباك والتشكيك داخل صفوف المقاومين أنفسهم، ومن خلالهم إشاعة الفوضي وعدم الثقة من قبل البيئة الحاضنة للمقاومة وعموم الشعب البناني بمختلف مكوّناته الواثق والمتشبّث بمقاومته والمعادلة الذهبية لثالوث: الشعب، الجيش، والمقاومة. ولذلك سعى هذا الكيان المجرم لإحداث صدمة دامية وتدفيعهم جميعاً رسميين وغير رسميين الثمن غالياً، لعدم انفضاضهم بل ورفضهم المتواصل لمواجهة ولجم المقاومة لصالح “الكيان” المتغطرس، وإعادة خلط الأوراق اللبنانية، ودفع لبنان للاستلام له حفاظاً على أمنه وسلامته، وهو الموصوف تاريخياً بارتكاب جرائم العقاب الجماعي بحق الأبرياء، ويتعمد ذلك عن سبق إصرار.. ناهيك عن محاولته من جديد لشق الصف الوطني اللبناني، وإيقاظ ما أمكن من فتن خبرها ونبذها عموم اللبنانيين على اختلاف مشاربهم وتوجّهاتهم السياسية المتعارضة، حيث أدركوا أن الكلّ فيها خاسر. فضلاً عن محاولة الرد على المقاومة التي نجحت في فرض “التعمية” المتواصلة على الحدود مع “الكيان”، ولذلك استهدف وسائل الاتصالات معتقداً بأنه سيفرض على المقاومة “تعمية” مماثلة. فضلاً عن توجيهه رسالة دموية للمقاومة بأنه لا يلتزم بأية قواعد اشتباك ولا يؤمن بها أصلاً، في محاولة لاستدراجها إلى حرب مفتوحة ومواجهة شاملة، يستدرج من خلالها الولايات المتحدة والغرب النيتوي للحرب نيابة عنه بعد طول تمنّع.
وعلى الصعيد العربي أراد العدو طمأنة الدول المطبّعة بانه لا يزال يمتلك قوة الردع والمفاجآت العسكرية والأمنية والتقنية واليد العليا في المنطقة، وخصوصاً دول الطوق الفلسطيني: مصر، الأردن، وسوريا، ولا يقيم وزناً لكائن مَن كان ولا يأبه أو يحسب حساباً لأحد في هذا العالم، بل ويمتلك جرأة التمرّد على داعميه وفي مقدّمتهم الولايات المتحدة والغرب عموماً، وأنه لا يزال واسطتهم ومفتاحهم السحري لقلوب واشنطن وعواصم الغرب، وحاميهم الأوحد من الخطر الإيراني الموهوم كذلك.
وأمّا على الصعيد الدولي، فقد أراد “الكيان” من خلال مجازره، توجيه رسالة طمأنة للأصيل الراعي في واشنطن وعواصم الغرب الاستعماري بأنه لا يزال وكيلهم الحصري الفاعل والقوي، وذلك بعد أن لمس بعض الاهتزاز بثقتهم به، حيث بات كما وصف أحد قادته العسكريين السابقين بانه “ملطشة” للجميع، فكيف سيحمي مصالحهم وهو العاجز عن الدفاع عن نفسه وحماية كيانه المنتهك.
وأخيراً وليس آخراً، فإن اختيار “الكيان” للمزج بين الحرب العسكرية والأمنية والإلكترونية ضد الشعب اللبناني، أراد من خلاله استعادة سمعته بالتفوق التكنولوجي الذي ضعضعه هدهد ومسيّرات المقاومة، والصواريخ والمسيّرات اليمنية والعراقية.. وللحديث بقية.