محاولة لقراءة الواقع بعيون واقعية، على خلفية استشهاد القائد المقاوم حسن نصر الله (الجزء الأول)
بقلم د. أيمن أبو الشعر
• رحلتَ يا بطلْ لم ترحلِ البطولة، يا مَن أومضتَ بعشقِكَ جيلَ الشمسِ
محالٌ أنْ يمحوكَ وإنْ قتلوكَ فكيفَ سيُقتلُ هذا الجيلْ
اسقاط لتماثل الهدف
هذا العنوان الفرعي يحمل عبارات من رثائي لشخصيتين يساريتين مهمتين جدا، الأول هو عبد الخالق محجوب أمين عام الحزب الشيوعي السوداني الذي أعدمه النميري “الإسلاموي” المغامر، وقد رحل عبد الخالق شاهقا كزُحل، وترك إرثا بطوليا يؤكد استمرار البطولة بعد رحيله، كما هو الحال بالنسبة لحسن نصر الله، والعبارات الأخرى هي من رثائي للرئيس اليمني الأسبق عبد الفتاح إسماعيل الذي كان صديقا حميما لي طوال سنوات وجوده في موسكو، وهي تمثل حقا حسن نصر الله الذي أشعل جذوة النضال في جيل كامل ” وإن قتلوه، فكيف سيُقتل هذا الجيل”.. وقد يسأل بعضكم: وكيف يصحُّ أن يُدمج الحديث عن رجل دين وقائدين يساريين.. نعم هنا جوهر المسألة، ولو تابعتم الكثير من المنشورات التي يعبِّر أصحابُها عن حزنهم وتمجيدهم لحسن نصر الله لوجدتم أنَّ العديد منهم نشر صورة نصر الله وصورة غيفارا في منشورِه.. إذن الذي يجمعهم نضالُهم ضد الامبريالية والظلم والاحتلال، الأمر الذي جسده حسن نصر الله في نضاله ضد إسرائيل وأمريكا، وبالنسبة لي فإن هذه الميزة حاسمة جدا: من يقاتل العدو الغاصب المحتل للأراضي العربية، العدو الذي يضطهد الفلسطينيين يوميا ويقتلهم نساء وأطفالا وشيوخا، من يقاتل هذا العدو هو رمز نضالي كبير، بغض النظر عن بعض الفروقات والاختلافات المحتملة، وحسن نصر الله خير هو من قام بهذه المهمة، ناهيك عن أنه استشهد عمليا دفاعا عن أبناء غزة، ولم يتوانى عن ذلك لأنهم من السنة، كما يفعل قلة من أهل السنة في الوقوف ضده حتى بعد استشهاده، بل وبعضهم لا يخجل من التعبير عن شماتته، على كل سنأتي إلى ذلك لاحقا.
رسالة ودٍّ تدعو لتجاوز الأحكام المسبقة
هذه المقالة المكثفة هي أشبه ما تكون برسالة إلى المعارضة السورية عموما، وأنا أحيي مواقف الجناح الوطني من المعارضة الذي لم يضيِّع بوصلة الحفاظ على الوطن، وتحديد العدو الحقيقي، والرسالة طبعا موجهة بشكل خاص إلى المعارضة نصف المتشددة كرسالة ودٍّ تدعو لإعطاء كل ذي حق حقه، والتفكير السليم الواعي علنا نلتقي، فالوطن إمام لنا، وإن اختلفنا في بعض الأمور فهذا لا يعني أن نضيَّع بعضنا بعضا، فنقاط تلاقينا أكثر من الأمور التي تفرقنا، وأنا أعني ما أقول، وكذلك هي موجهةٌ بنسبة أقل إلى الفئة المتطرفة حتى النخاع الشوكي، بمعنى أنني واثق أن هذه الفئة المتطرفة جدا لا يمكن بحال من الأحوال إصلاح مواقفها التي تزداد تشنجا، وتتأجج مشاعرها حقدا يوما بعد يوم، وخاصة إثر هزائمها المتتالية، وبدء تراجع مموليها ورعاتها وتناقص الأموال التي ترسل إليها، وحتى احتمال أن يتخلى عنها الممولون والداعمون لها حتى أن تركيا نفسها وضعت جبهة النصرة في قائمة المنظمات الإرهابية، ما يدفع حتى الأجنحة المتطرفة الأخرى إلى مزيد من التطرف والتشنّج، وتصوير أية جهة تدعم سوريا في مواجهة التنظيمات الإرهابية بأنها قوى عدوة، وأكثر من ذلك…
قراءة الواقع بعيون واقعية
أريد قبل كل شيء أن أؤكد أنني ما زلت ذاك الإنسان المعارض وتاريخي لن تلغيه بعض العبارات التي معظمها يدخل في خانة قلة الأدب، حتى أن بعض الأصدقاء لامني لماذا لم أحذفها، ولم أحظر أصحابها، فقلت لهم: حتى هؤلاء هم مواطنون سوريون يهمني مصيرهم، وبعضهم كان يساريا على الأرجح، وبعض أصحاب هذه التعليقات لا أشك في أنهم يعبرون بصدق عن مشاعرهم كما يرون ويفهمون الواقع ليسوا وهم ليسوا خونة، وأتمنى أن يفتحوا عيونهم بجرأة أكثر لا في توجيه الاتهامات ونسف تاريخ شاعر عاش طوال عمره منافحا عن الديمقراطية والحرية، ونصيرا معبرا عن المستضعفين ورافضا للظلم والاحتلال، وأقول للذين لا يعرفون ووجهوا الاتهامات والكلمات القاسية في تعليقهم على ما كتبته عن الشهيد حسن نصر الله: إن أيمن أبا الشعر كان رمزا حقيقيا للمعارضة العنيدة الوطنية عشرات السنين ربما أكثر منكم، وتشهد له المنابر حين كان الكثيرون -ممن يقفون ضده الآن- يتزلفون للسلطة وينتفعون من مناصبهم فيها، ويأكلون من موائدها، وهم الآن الأكثر صراخا ضدها بعد أن فقدوا ما كانوا يحصلون عليه، طبعا ليس جميع المعارضين بل قسم منهم، وهم متطرفون ليس لأنهم فقدوا مكاسبهم وحسب، بل لأنهم يدركون أنه لم يعد لديهم مجال للعودة بعد أن أحرقوا الجسور، ويؤسفني أن أحد الشباب ” وهو ابن فنان صديق لي” وصل به الأمر إلى اتهامي بأني أتبنى مواقفي لأنني أقبض الدولارات.. عنا يقولون شعبيا “يا عيب الشوم” أنا أيها الشاب ” المهذب” لم أستفد من الحكومة السورية ولا بقرش واحد، بل على العكس تضررت كثيرا بغير حق، ولكن ليس الآن وقت فتح الحسابات، وما أتقاضاه في روسيا هو راتب ضنين قياسا بمصاريف الحياة هناك، ولقاء عمل مضن، تذكَّر يا بُني أنك إن اختلفت مع شخص آخر في تقييم أمور حساسة، فهذا لا يعطيك الحق في توجيه الإهانات إليه، فقد تكون أنت المخطئ، ومع ذلك هو لم يسئ إليك رغم أنك تتطاول عليه للمرة الثانية، أنا بكل بساطة بوصلتي الوطن، وهو ليس معنى مجردا، لو سمعت القصيدة لما علقت بأن عنوانها يدل على أني سأطلب من الناس أن يصمتوا!!! وقد تحدثتُ عن تعليق واحد لأن التعليقات الأخرى لا تخرج عن إطار هذه الاتهامات، والتي بعضها لا يخلو من قلة الأدب..
بين الأصدقاء والأعدقاء
يقول البعض: حسنا ولكن لماذا تغير موقفك أيها الشاعر؟ موقفي لم يتغير أيها الأصدقاء، وأيها الأعدقاء.
رؤيتي للواقع جعلتني أتلمس الحقيقة التي تعنيني، والتي جوهرها دائما الوطن، وإلا لماذا نناضل، كنت متحمسا جدا كمعارض عنيد لم أوفر الانتقادات حتى الحادة للمارسات الخاطئة، بل ومن على المنابر كنت عمليا أتحدى وأتحدى، حتى أنني كنت أتحدث بتعاطف كبير عن أحداث كان الحديث عنها يدخل في دائرة الخطوط الحمراء … كان الفلسطينيون في كل مرة كبش فداء يدفعون مئات وآلاف الضحايا وللأسف من حصارات واقتحامات وعمليات إبادة كانت تنفذها إسرائيل، أو العرب الموالون لإسرائيل وبمساعدتها والتنسيق معها، وخاصة في لبنان سواء في تل الزعتر ومخيم جسر الباشا وصبرا وشاتيلا وغيرها كثير.
إذن أولا لا بد من البوصلة، ليس هناك كما أعتقد شعب تعرض للتعذيب والقتل والإبادة أكثر من الشعب الفلسطيني، هنا البوصلة إذن بكل المقاييس الإنسانية لابد من التمييز بين قوى المعارضة الوطنية التي بوصلتها بالدرجة الأولى فلسطين، والقوى المعارضة التي بوصلتها إسرائيل، وتفرح لما تحرزه من انتصارات شنيعة بالنسبة لي، ومريحة ومبهجة بالنسبة لهم، هذه القوى أساسا لا تنطبق عليها عمليا حتى صفة المعارضة، وأقصد تحديدا المنظمات الإرهابية الممولة من بعض دول الخليج العربية كالنصرة، وكذلك المدعومة من تركيا كالجيش الحر، والمدعومة من أمريكا كداعش، ومجموعة وقوات سوريا الديمقراطية التي أغلبها انفصاليون من الأكراد بحماية المحتلين الأمريكيين. من هنا بات كل من يقاتل ضد إسرائيل مناضلا يستحق الاحترام والتبجيل بغض النظر عن موقفه من السلطات في سوريا، فحماس تنظيم إسلامي سني وقف مع المعارضة ضد الحكومة السورية، ومع ذلك اعتبرْتُه فصيلا نضاليا يجب دعمه، وحزب الله كان يدعمه، ويُسجَّل لسوريا أنها نسيت مواقفه المؤيدة للمعارضة، وتقبلته داعمة له من جديد كفصيل من المقاومة التي وقفت سوريا إلى جانبها كونها تقاتل إسرائيل، كما أن حزب الله الذي يتهمه الجهلة بالطائفية خاض معركة مصيرية ضد إسرائيل أودت في نهاية المطاف بحياة قائده حسن نصر الله لتخفيف العبء عن غزة السنية، ووضع شرطه الرئيسي أنه سيوقف النار على إسرائيل، إن أوقفت إطلاق النار على غزة، ومع ذلك ظل مرفوضا عند المتشنجين.. والله لو أشعل العشرة شموع، فإن القوى الطائفية لن تقبله، وستعتبره شرا مطلقا، ولهذا ستصب مواقفها في مصلحة إسرائيل! وإن كانت سابقا تبعد هذه التهمة عنها فإنها اليوم لا تكترث حتى لو وصفتها بأنها تساعد إسرائيل عمليا. بل إن بعض رموز المعارضة المتشددة زار إسرائيل وتفاعل معها، سأتحدث عن ذلك في الجزء الثاني، نعم أنا لا يمكن أن أتفق مع هذه النماذج، وكمعارض يمكن أن أتقبل مواقف هيثم المناع الذي يرفض فكرة حمل السلاح ضد الوطن، ولم يستنجد بالقوى الخارجية ضد وطنه.