تقارير منوعة

إسرائيل في سَكرَة القوة وليس مَن يوقفها في الطريق نحو الانهيار

” مجرّد التفكير في أن الملايين في الشرق الأوسط يفرون منّا في حالة من الرعب، كان ينبغي أن يجعل كل إسرائيلي ينكمش من الخجل والخوف. لكنها تملأ قلب إسرائيل بالفخر. لقد عادت الغطرسة الإسرائيلية، وبصورة كبيرة. سوف ينتهي هذا بالبكاء والدماء”.

تحت العنوان أعلاه نشرت “هآرتس” مقالاً تحليلياً يوم 15/10 الجاري بقلم “جدعون ليفي” بدأه: “. مَن كان يصدّق أنه بعد مرور سنة كاملة على السابع من تشرين الأول 2023، يمكن أن يعود وبمثل هذه المقاييس؟ بعد أن هزمنا حماس ودمّرنا قطاع غزة، ها نحن نهزم حزب الله وندمّر لبنان الآن، وقد أصبحت أعيننا نحو إيران. في السجال الإسرائيلي، أصبحوا يغيّرون النظام هناك أيضًا، يتحدثون عن اغتيال علي خامني ويجادلون ما بين المنشآت النووية ومنشآت الوقود. إسرائيل في حالة غطرسة. من الحضيض وانكسار الروح إثر هزيمة 7 تشرين الأول ـ التي شبّهوها بكارثة يهود أوروبا ـ إلى قمم العجرفة بتغيير أنظمة حكم ونقل الشعوب في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وهذا كله في غضون سنة واحدة فقط. سوف ينتهي هذا بالبكاء والدماء. فطبيعة الغطرسة، بحُكم تعريفها، أنها تنتهي بكارثة. طبيعة مثل هذه التقلبات الحادة، من الكارثة المتخيَّلة إلى الانتصار المُتخيَّل، أنها تنتهي بالانهيار. في الأثناء، يفرّ ملايين بني البشر هاربين من وجه الجيش الإسرائيلي، مُهجَّرين، مُشرَّدين، لاجئين، معوزين، عاجزين، مصابين، أيتامًا وعَجَزة مُعاقين في قوافل المعاناة التي لا نهاية لها في قطاع غزة ولبنان. في الضفة الغربية قريبًا وربما في إيران أيضًا. لم يحدث من قبل، قَط، أن فرّ هذا العدد الهائل من الناس خوفًا من إسرائيل، ولا حتى في نكبة 1948. لن ينسوا، أبدًا، ما فعلته بهم إسرائيل. أبدًا. هذا لا يسبب لإسرائيل والإسرائيليين الارتياح والاعتزاز الوطني والفرح فحسب، بل هو يثير لديهم نشوة القوة على نحو لم يشهدوا له مثيلًا من قبل، ولا منذ 1967 بالتأكيد. النجاحات العسكرية، مهما كانت مُبهِرة ومثيرة للإعجاب، تأخذ إسرائيل إلى الجنون وفقدِها صوابها. كيف قمنا بتفجير أجهزة الاستدعاء (البيجر) وكيف اغتَلنا، وكيف… يا لها من روعة. الهجوم (المتوقع) على إيران قد يجسد هذا. إلا أن الإنجازات العسكرية هي ليست كل شيء. إذ، ماذا بعد؟”.

ويحاول الإجابة بالقول: “تشعر إسرائيل بأنّ السماء هي حدود هجماتها، احتلالاتها، القتل والدمار الذي تستطيع زرعهما. وليس ثمة مَن يوقفها. لم تقف من قبل، مطلقًا، أمام مَرامٍ خالية كما هو الحال الآن، وهي مقتنعة بأنها قد أتيحت لها فرصة حياتها للركل. واحدًا تلو الآخر تهاوت الأبراج الورقية التي كنا نخاف منها: القذائف من غزة، الصواريخ من لبنان، الصواريخ الموجَّهَة من اليمن والصواريخ الباليستية من إيران لم تعد تثير الاهتمام لدى أحد. حتى عجز المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة، يعزز هذا الشعور بالثمالة. بالإمكان فعل كل شيء، تحرّك، تحرّك، نهاية، حتى اللانهاية. يبدو أن إسرائيل تستطيع الاستمرار، دون أي معيق، في حملات الاحتلال والعقاب الجنكيزخانيّة الخاصة بها. الولايات المتحدة تتوسل لكن توسلاتها لا تثير لدى الإسرائيليين أي اهتمام. بحقّ. مجرّد التفكير في أن الملايين في الشرق الأوسط يفرون منّا في حالة من الرعب، كان ينبغي أن يجعل كل إسرائيلي ينكمش من الخجل والخوف. لكنها تملأ قلب إسرائيل بالفخر. لكن من الممكن، أيضًا، أن يتضح أن جميع انتصاراتها المذهلة ليست سوى فخّ عسل مصيريّ، مثل الانتصار المُسكِر في 1967، والذي لا تزال إسرائيل تأكل ثماره الفاسدة حتى هذا اليوم. ما يرتسم وكأنه قدرات عسكرية غير محدودة قد ينتهي بانتصار بيروسيّ، باهظ الثمن. في قطاع غزة، تواصل إسرائيل التنكيل بملايين بني البشر التعساء، حتى بعد أن أعلنت أنها قد نجحت في إخضاع حماس عسكريًا. لماذا يواصلون؟ لأنه بالإمكان. وقريبًا، في لبنان أيضًا. حول العقاب الذي لا حاجة له والخطير في إيران، تتناقش بصورة علنية على مدار أيام عديدة، وكأن ليس ثمة دولة أخرى سواها. لا حدود لإمكانياتها وليس ثمة مَن يلجم شهوة القوة لديها. في غياب صديقة حقيقية تقوم بذلك، هي لن تتوقف من تلقاء نفسها، أبدًا، حتى وقوع الكارثة. وهي قد تحلّ. تميل النجاحات العسكرية إلى الخداع عادة؛ وهي عابرة”.

ويخلص ليفي للقول: “إلى المقت الجماهيري في العالم سوف تنضم الحكومات أيضًا، في نهاية المطاف، وسوف يصيبهن التعب منها أيضًا، ذات يوم (بعيد) ما. لا تحظى إسرائيل لدعم دولي، باستثناء الولايات المتحدة وأوروبا. صحيح أنها لم تحرّك ساكنًا حتى الآن، لكن الرأي العام هنا قد يغيّر ذلك يومًا ما. التاريخ مليء بالدول التي أثملتها القوّة ولم تحسن التوقف في الوقت المناسب والصحيح. إسرائيل تقترب إلى هناك. وفي الأثناء، فإن مجرد التفكير في أن ملايين الناس في الشرق الأوسط يهربون منّا مرعوبين، يعانون معاناة لا توصف ويُهانون تحت جزماتنا، كان ينبغي أن يجعل كلّ إسرائيلي ينكمش على ذاته، خجلًا وخوفًا في الوقت نفسه. لكن بدلًا من هذا، يملؤون قلب إسرائيل بالفخر ويشجعونها على البحث عن المزيد من الشيء ذاته. وليس هناك مَن يوقِف هذه المأساة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى