الدكتور قدري قدري جميل مواليد دمشق 1952، أمين حزب الإرادة الشعبية في سورية، وأحد قادة ومؤسسي “جبهة التغيير والتحرير السورية المعارضة”، عضو قيادة “منصة موسكو” للمعارضة السورية، شغل منصب وزير التجارة الداخلية ونائب رئيس مجلس الوزراء في حكومة رياض حجاب المنبثقة عن المفاوضات مع النظام السوري مع بدايات الأزمة السورية، وقد أقيل من منصبه كوزير بموجب مرسوم رئاسي صدر يوم 29/10/2013، وكان التبرير حينها “غيابه عن مقر عمله دون إذن مسبق وعدم متابعته لواجباته المكلف بها كنائب اقتصادي في ظل الظروف التي تعاني منها البلاد، بالإضافة لقيامه بنشاطات خارج الوطن دون التنسيق مع الحكومة وتجاوزه العمل المؤسساتي والهيكلية العامة للدولة”، وذلك بعد خروجه من سوريا وذهابه إلى روسيا لخوض مفاوضات من شأنها تسريع الحل السياسي في سوريا.
أجرى برنامج “حوار الساعة” مؤخراً لقاءً مطوّلاً معه، جاء على النحو التالي:
– في ظل وجود فصائل إسلامية مسلحة في سوريا هل من الممكن القول أنه مستقبلا قد يوجد دولة مدنية؟ وهل من ضمانات لهذا الأمر؟
الدكتور قدري: الضمانة الوحيدة ستكون في التطبيق الحقيقي والفعلي لقرار مجلس الأمن الذي طالما تحدثنا عنه وأكدنا عليه ألا وهو 2254 ولا شيء غيره، لأنه المفتاح لحل الأزمة السورية. جوهر 2254 بأنه الحل السوري بملكية سورية، بحيث يجب أن يضمن حق تقرير مصير الشعب السوري ومستقبله السياسي. لذلك الحديث عن الفصائل والقوى المختلفة أمر واقع وهذه القوى موجودة في الشام وهي التي أطلقت على نفسها تسمية المؤقتة. وأنا سعيد جدا لأنها لم تسمي نفسها ” إنتقالية” لأن هذا الإسم محجوز للقوى التي ستتمخض عن طاولة الحوار السوري السوري.
– ما هي ضمانات تنفيذ قرار 2254؟
الدكتور قدري: أعتقد أن 2254 هو نتيجة إجماع دولي، ومن دون تنفيذه لا يمكن لأحد أن يعترف بأي سلطة قائمة في دمشق، ومن هنا أعتقد أن الذين يديرون اليوم الأمور في دمشق يدركون تماما أنهم بحاجة لإعتراف دولي وهناك إشارة إستفهام حول ماهيّة الإعتراف فهو لن يأتي نهائيا إلا بتنفيذ 2254 حسب قناعتي. والإعتراف الدولي الهام اليوم ليس من أجل الشرعية وإنما من أجل حل الأمور المستعصية التي تعيش بها البلاد من حصار، عقوبات، إعادة الإعمار وعودة المهجرين. هذا كله مرتبط في نهاية المطاف ب 2254. الإشكالية اليوم أن هؤلاء المهجرين المتواجدين في تركيا اليوم والذي بلغ عددهم 3 مليون، كيف سيعودون إلى بلدهم إن لم يكن هناك ضمانات إقتصادية إجتماعية، ضمانات سياسية، وهذه الضمانات السياسية التي لا يمكن أن تظهر إلا باستقرار سياسي والإستقرار السياسي لا يمكن أن يحدث في سوريا المتنوعة والمتعددة التوجه والإنتماءات، ولا يمكن أن يحدث إلا بتواقق سوري سوري. قرار 2254 هو الضمانة لهذا التوافق.
– ما دور المعارضة العلمانية اليوم داخل سوريا فاليوم في الساحة السورية الطابع الواضح هو طابع إسلامي فما الذي ستقومون به لاحقا؟
الدكتور قدري: إذا شقينا الطريق وسمحنا بأن يعبر الشعب السوري عن نفسه من خلال إنتخابات نزيهة وشريفة وشفافة، أعتقد كل القوى ستكون قادرة للتعبيرعن نفسها وتكون حاضرة لتقنع السوريين وتأخذ الثقة منهم وهذا ما نعمل عليه في هذه اللحظة.
– هل تدعو إلى حراكات سياسية متنوعة في سوريا؟
الدكتور قدري: نعم حراكات متنوعة وآمال السوريين بمجتمع تعددي سياسي وإستقرار قوي جدا، وظهرت في الأيام الأخيرة التخوفات التي تتحدثين عنها، ولكن أعتقد أن القائمين عن الأمر اليوم (ما يسمى أحيانا سلطة الأمر الواقع) يدلون بتصريحاتهم التي تحمل الكثير من الطمأنينة والأمل والأمان وحتى في سلوكهم على الأرض يحاولون أن يؤكدوا ذلك.
– البعض يعتقد أن هذه الأفعال والتطمينات هي مرحلة مؤقتة إلى حين إستقرار الأمور ومن ثم لاحقا قد يحدث تغير.
الدكتور قدري: هذا التقدير هو احتمال، ولكن هذا التقدير والإحتمال لهما علاقة في توازن القوى وقدرة الشعب السوري على التعبير عن نفسه وفرض رأيه على الجميع. أعتقد أن هذا هو الطريق الوحيد في الظروف الحالية، حاجتنا إلى صراع وصدام لكن يجب أن ننتقل إلى الصراع عبر الحوار وليس الصراع عبر البندقية كما كان يحدث سابقا. وهذا الأمر تحدثت عنه منذ اللحظة الأولى بمؤتمر صحارة 2012، حينما صرحت أن الحوار هو ضرورة ولكن إذا كنا لا نريد الحوار السلمي أي حوار نريد؟ ستغلب على الساحة لغة الحوار بالرصاص، والذي حدث فعليا أن المختلفين بالرأي من هذا الطرف أو ذاك هم فئة ترفع شعار الإسقاط والطرف الآخر يطرح شعار الحسم. قلنا لهم منذ تلك اللحظة أنتم فقط تعرضون بعضكم البعض للأذى ولكن ليس مقدراً لأحد منكما أن ينتصر على الآخر في الظروف الدولية المستجدة، كما كنتم تظنون أنه من الممكن أن يحصل، كحالة العراق، أو حالة ليبيا.. سوريا أمر مختلف وهذا الصراع بين بعضكم البعض سيصيب فقط الشعب السوري لذلك يجب الانتقال فورا إلى المواجهة السلمية، ولكن مع الأسف ما زلنا منذ عام 2011 إلى عام 2024 داخل نفس الدائرة.
– كنت قد ذكرت بوجود أمثلة مثل ليبيا وتونس، اليوم ما الذي يجنبنا في سوريا من الذهاب إلى تلك النماذج العربية التي لم تلبي طموحات الشعوب؟
الدكتور قدري: أولا ما يجنبنا هو إرادتنا كشعب، نمتلك العقل وعلينا أن نتصرف بحكمة وحزم لمواجهة كل مخططات الإنفراد بالسلطة، وأنا مطمئن لأن سلطة الواقع الحالية أعلنت عن نهاية عمر الحكومة المؤقتة، أول آذار عام 2025. نحن اليوم في منتصف كانون الأول يعني تبقى من عمرها شهرين ونصف، في هذه الفترة سيتم التعديل في قرارمجلس الأمن كي يتلائم مع الظروف الحالية. تعديل كلمة واحدة حوار بين المعارضة والنظام يتحول إلى حوار بين السوريين والأجندات التابعة له صالحة وتعمل حتى هذه اللحظة. لذلك هذه ضمانة، أما الضمانة الثانية أن هذا حدث في شق الأنفس داخل مجلس الأمن عبر توافق دولي وبالتالي لا يوجد سلطة في سوريا ستتمكن من أن تحظى بالشرعية دون تنفيذ هذا القرار، والشرعية الدولية اليوم ليست كلمة تقال، الشرعية الأساسية بالنسبة لنا هي الشرعية التي يعطيها الشعب عبر صناديق الإقتراع ولكن الشرعية الدولية حتى اللحظة التاريخية التي نعيشها في سوريا بأننا ما زال يوجد علينا عقوبات، وحصار ومشاكل دولية كبرى لا يمكن فكها إلا عبر إعتراف الشرعية الدولية بالمنظومة الحاكمة الموجودة في دمشق وإلى الآن لا يوجد إعتراف.
– بعد تطبيق 2254 سيحصل نوع من الإعتراف؟
الدكتور قدري: إعتراف كامل لجميع العقوبات وفك الحصار وفتح طريق سوريا الذاتي.
– طالما نتكلم عن حراك سياسي، حزب البعث في سوريا ما مصيره؟
الدكتور قدري: عليك أن تسأليه هو لأن أول قرار أصدره بتوقيع الأمين العام المساعد هو تجميد نشاط حزب البعث، نحن نعتقد أنه في حزب البعث هناك شريحة هامة من الوطنيين الذين لم يستفيدوا من السلطة ولم يستخدموا إمتيازاتها وهذا الحزب هو جزء من التاريخ السوري وأنت تعلمين أن في سوريا تيارات سياسية مختلفة، التيار القومي الممثل الاساسي له. لذلك لا يمكن شطب حزب البعث من التاريخ السوري ولا من الحاضر ولا من المستقبل، ولكن على حزب البعث أن يعيد تنظيم نفسه وأن يعيد النظر في برنامجه وطريقة عمله كي يستطيع أن يتلائم مع الظروف الحالية. اليوم أخذوا القرار بالتجميد ولعل هذا القرار المقصود منه التكييف مع الظروف الحالية، كان لديهم فرصة كافية سابقا حتى يلعبوا هذا الدور لكنهم عمليا بقوا جزءاً من المنظومة الحاكمة التي كان يميزها القمع والفساد وكانوا جزءاً من الديكور العام ولم يستطيعوا أن يعودوا ويصبحوا جزءاً فعالاً في المجتمع.
– لم يكن هناك حياة سياسية يعني هذا الأمر هو مثل الأحزاب في سوريا وكان الجميع تحت سيطرة الدولة ولم يوجد أي حريات سياسية.
الدكتور قدري: لم يكن حزب البعث كالأحزاب الأخرى بل كان جزء من جهاز الدولة، الأحزاب الأخرى كان مهيمن عليها من جهاز الدولة ومن ذراعه القوية التي هي الأجهزة الأمنية. لذلك الأحزاب تختلف عن الحزب البعثي فهي إما مقموعة وفي السجن أو تستمع لتعلميات أجهزة الأمن. لدينا العشرات من الأحزاب في سوريا تسمى أحزاب علي مملوك موجودة ولكنني لا يمكنني القول أنهم ليسوا سوريين. وقياداتهم أحيانا كانوا يخبروني سابقا أنه ما الذي بإمكاننا القيام به، وأنه من المستحيل العمل في سوريا من دون التعامل مع أجهزة الأمن. خذوا مثال عن حزب الإرادة الشعبية نحن كل حياتنا لم نتصل ولا اتصل بنا أجهزة الأمن لماذا؟ لأننا نحن لدينا قاعدة شعبية وقوتنا نحضرها من تنظيمنا وجمهورنا ومن نفوذنا. الأمن يأخذ هذا الموضوع بعين الإعتبار ونحن كذلك، ولذلك نحن لا نخاف من أحد.
– إذا نريد أن نتكلم عن الجيش السوري ما هو مستقبل هذا الجيش؟
الدكتور قدري: قبل أن أتكلم عن مستقبل هذا الجيش علي أن أتكلم عن ماضيه، الجيش السوري بكتلته الأساسية جيش وطني لعب دورا هاما في التاريخ السوري ولا يمكن شطب هذا التاريخ، بغض النظر عن وجود قيادة متحكمة بهذا الجيش مستفيدة من الإمتيازات المعطاة له، لكن في الأخير يوجد بعد الضباط هم من كتلة الضباط السوريين التي تعد بالآلاف المؤلفة، هذا العدد قليل فأنا أعرف ضباط عقداء كانوا يذهبون إلى المنزل ويعودون منه بباصات العمل، باصات تسمى المبيت يعني لم يكن يمتلك حتى وسيلة نقل خاصة.
هذا له علاقة بطاولة الحوار، أنا برأيي لا يجوز شطب كل الضباط الموجودين في الجيش السوري سابقا، يجب أن توضع معايير،و يجب أن يتم النقاش حول هذا الموضوع ولا يجوز أخذ الصالح بخطيئة الطالح، وهذا الموضوع يجب أن نناقشه جدياً وعلينا إعادة ضباط الجيش السوري الشرفاء والوطنيين الذين لم يرتكبوا الجرائم والذين لم يعملوا في مجال الفساد لأن هذه القصة معروفة، يجب العمل على إعادتهم إلى مواقعهم لأن هذا الجيش السوري بناه الشعب السوري وهو ملك له، ولا يجوز التفريط بهم بهذا الشكل ونحن إنتبهنا أن الإدارة الحالية في دمشق صرحت ببيان مشترك مع فصائل الجنوب وقالوا بأنهم قرروا تشكيل نواة للجيش الوطني وأن يطلبوا من الضباط الذين خرجوا من الجيش بسبب الأحداث إلى خارج البلاد أن يعودوا وهذا أمر جيد، وأنا أعتقد أن إعادة الضباط الذين كانوا جزء من الجيش السوري خلال المرحلة السابقة موضوع مهم وراهن وملح ولكن حله لا يمكن أن يتم إلا عبر التوافق السياسي على طاولة مفاوضات وعلى تنفيذ قرار 2254.
– كيف يجب أن تكون مكونات الجيش وما هو التصور لتلك المكونات؟
الدكتور قدري: كل سوري يحق له أن يكون في الجيش السوري، بغض النظر عن دينه وطائفته وتوجهه السياسي. الجيش السوري يجب أن يكون محايداً عن السياسة وتحت أمر القيادة السياسية الشرعية المنتخبة من قبل الشعب السوري، يجب أن يكون الجيش السوري بعيدا عن السياسة وبالتالي يترك تكوين الجيش بالمعنى الفني للإختصاصيين، لكن تكوينه بالمعنى السياسي هو أن كل مواطن عربي سوري يحق له أن يكون جزء من الجيش العربي السوري إذا توفرت فيه كل الشروط والمواصفات المطلوبة من كل الذين يريدون أن يكونوا جزء من هذا الجيش.
– من هم الذين يحق لهم الإنتماء لهذا الجيش؟ كيف ستكون هذه المكونات ونحن لدينا اليوم فصائل مسلحة موجودة في سوريا، هل ستكون هي جزء من هذا المكون؟
الدكتور قدري: لا يوجد سلاح شرعي خارج الجيش، هناك فصائل كانت مسلحة تندمج مع الجيش وهذا موضوع نقاش. لا يوجد فصائل مستقلة عن الجيش فمن لديه الكفاءة والمواصفات ويرغب في ذلك ممكن أن يكون جزء من الجيش العربي السوري، ولكن لا يوجد فوضى بأنه من يشاء بإمكانه الدخول وأين ما كان.
– هذا موضوع مطروح في الساحة السورية، هل ستبقى الفصائل هي المتحكمة؟ وهل ستنضم إلى الجيش لاحقا؟
الدكتور قدري: هذه مرحلة مؤقتة ويبحث في كيفية حلها وانضمام من يرغب منها إلى الجيش، الآن ليس هذا الموضوع الملح، الموضوع الملح هو في بداية المرحلة الإنتقالية وحل جميع هذه الفصائل وسحب سلاحها.
– هل يوجد إمكانية لهذا الأمر واليوم هي المسيطرة على الأرض؟
الدكتور قدري: يجب أن يكون هناك وسيلة، وسيلتنا الأساسية هي قوة القانون الذي سيعتمد على الشرعية 2254 والتي هي شرعية الشعب السوري.
– العدو الإسرائيلي اليوم يتابع تقدمه في عمق الأراضي السورية، سيطرة قوات الإحتلال على المنطقة العازلة، تمددت نحو مناطق في دمشق حيث تجري عمليات خاطفة وبالتوازي هناك تسريبات عن مخطط أوسع يستهدف الوصول إلى منطقة التنف حيث توجد القاعدة الأمريكية وطبعا تعرف خطورة هذا الأمر وخطورة هذا المخطط، ما هو الموقف اليوم من الضربات الإسرائيلية التي لم تتوقف في الخمس ساعات الأخيرة؟ 60 ضربة على مختلف المناطق السورية، التقدم والإحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية، ما هو الموقف اليوم؟
الدكتور قدري: حتى يصلوا عليهم أن يمروا بكامل الأراضي السورية.
– هذا نوع من التسريبات التي جاءت في صحيفة الأخبار أنه بحجة حماية حدودهم وهناك الكثير من الأحاديث في هذا الموضوع ألا وهو ربط المناطق ببعضها البعض. ما الذي يضمن عدم التوسع؟
الدكتور قدري: التنف بعيدة جدا عن حدودهم، وأعتقد ما يقومون به مدان من قبل المجتمع الدولي لأنهم خرقوا قرار مجلس الأمن 338 في الـ 73 وخرقوا اتفاق الهدنة 74 وهم سيجبرون خلال الفترة المنظورة القادمة للعودة إلى حدود ما بعد 1973.
– من يلزم إسرائيل اليوم؟ منذ سقوط الأسد وما قبل سقوطه هي تستمر بالضرب على العاصمة دمشق
الدكتور قدري: بشار الأسد ترك فراغا ليس فقط دستوري، بل فراغ عسكري فعلي للجيش، تركنا دون غطاء عسكري نهائيا، والإسرائيلي إستفاد من هذه اللحظة وهذا يطرح تساؤلات كبرى، بشار ذهب في اليوم الأول فجاءت إسرائيل في اليوم التالي وبدأت بقصف كل المنشآت العسكرية السورية ودمروا 80% من السلاح السوري.
– هل يوجد ترتيب بين الوضعين، بين الهروب وحل الجيش والضربات الإسرائيلية؟
الدكتور قدري: في بعض الأوقات الأمور لا تُرى بالبصر ولكن تُرى بالبصيرة، البصيرة هنا تقول هل من الممكن أن تكون صدفة هروبه غير المفسّر والمُذل والذي يرتقي إلى مستوى الخيانة العظمى، وهروبه الذي يعني أنه حنث بالقسم الذي أقسم عليه عندما تولى هذه المهام، الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا، لو هروبه فقط حل حزب البعث بإمكاننا أن نحلها لكن هروبه فعلياً هو حل الجيش السوري الذي كان الشعب السوري بأكمله قد وضع دم قلبه وروحه عليه خلال عشرات السنين. الأمريكان كانوا ليحلوا الجيش العراقي كان ينبغي أن يدخلوهم إلى بغداد، اليوم الإسرائيلي إستطاع أن يحل الجيش العربي السوري دون أن يطلقوا رصاصة واحدة دون أن يدخلوا حتى إلى دمشق. وبالتالي قدم خدمة كبرى لأعداء سوريا، تريد أن تذهب هذا شأنك لكن كان بإمكانك أن تنقل السلطة بشكل دستوري بإمضاء قلم.
– هل كان يمتلك الوقت في اللحظات الأخيرة؟
الدكتور قدري: طبعا، اليوم كل ما يتسرب يقال أنه قبل ساعات عديدة من خروجه، إلتقى به السفير الروسي وأخبره أنه لم يعد هناك أمل كي تسير الأمور بشكل أفضل، لذلك إذا كان يريد أن يغادر يجب أن ينقل السلطة لمجلس عسكري.
– هذا الكلام متى صدر؟
الدكتور قدري: أعتقد قبل يوم أو ساعات قصيرة، كان عليه أن ينقل السلطة لمجلس عسكري لكنه رفض، التاريخ سيجيب عن هذا السؤال لكن على الأقل الآن يمكننا القول أنه ارتكب فعل خيانة عظمى.
– هل من الممكن أن يكون خروجه الآمن في تلك الأثناء هو ثمن أساسي تركه لا يسلم الجيش أو المجلس العسكري ليحل الجيش؟
الدكتور قدري: هناك مثل في التاريخ “الحياة وقفة عز”، منذ القدم سلفادور أليندي رئيس تشيلي السابق عندما قام بانقلابه، هذا الديكتاتور الدموي بالحكم بعد 30 سنة وعندما هاجم القصر، أليندي منتخب ديمقراطيا من الشعب، ماذا فعل أليندي؟ إرتدى الخوذة وذهب إلى مكتبه وجلس على مقعده الرسمي ووضع السلاح أمامه، وعندما دخلوا لاعتقاله أطلقوا النار على بعضهم البعض حتى فارق الحياة بشرف. إذاً هناك خيارات أخرى لذلك لا أحد يقول أنه ليس لديه سوى هذا الخيار حتى ينفذ. البلد بأكمله لم ينفذ من سلوكه، وضع البلد في وضع صعب جداً.
– اليوم المخاوف كبيرة جدا بسبب هذا التصرف. لكن هل الأسد خذل روسيا أم روسيا هي من خذلت الأسد؟
الدكتور قدري: منذ مدة طويلة وروسيا تطلب منه تنفيذ 2254، وكانت تطلب منه الجلوس مع أردوغان والوصول إلى حل. اليوم إذا بحثنا في العمق وخرجنا من التفاصيل اليومية نرى أن السببين الرئيسيين الذين أديا إلى إنهيار السلطة الحاكمة في هذا الشكل هو رفض الحل السياسي المتمثل بقرار 2254، الروس تعبوا وهم يطلبوا منه أن يجد حل سياسي وأن يقوم بخطوات ملموسة، كان يضحك عليهم وأنه موافق على اللجنة الدستورية وكان يتركها لسنوات تعمل عملا فارغا. الدستور يحتاج لعمل أكثر من شهر، اللجنة الدستورية تعمل لأكثر من كم سنة ولم تنتج سطرا واحدا، هذا كله لعب دور في ذلك. الأمر الثاني، كان عليه تنفيذ 2254 لكنه لم يستمع إلى النصائح، طلبوا منه أن يجلس مع أردوغان لأن الجلوس معه يعني عمليا إلغاء العقوبات على سوريا وليس قانونياً لأنها ستفتح الحدود ويخفف الضغط على الشعب السوري. وكانوا بإمكانهم إيجاد حل لعودة المهجرين من تركيا لأن عددهم كبير جداً بلغ 3 ملايين تقريبا بأن يعودوا إلى سوريا، إلى أراضيهم، وبيوتهم وأرزاقهم، لم يكن يرضى أن يضع شروط فنقول اليوم من تخلى عن من؟ الروس حتى لم يتخلوا عنه لأنهم وافقوا أن يأتي كلاجئ إنساني. حاولوا إلى اللحظة الأخيرة أن ينقذوا الوضع وأنا برأيي أنهم أخطأوا بعدم القيام بضغط بعد أكثر من الذي قاموا به عليه لتنفيذ الحل السياسي وانقاذ سوريا، لكن المشكلة كان متمسك بقراره ورافض رفض حتمي. لم نكن نفهم في ذلك الوقت لماذا لكن هروبه بهذا الشكل جعلنا ندرك ونفهم أن المقصود هو أن يجري ما جرى، كان مقصود أن يطبق شعار إما أنا أو أحرق البلد.
– اليوم المستقبل الروسي في سوريا، نسأل عن بدء انسحاب القوات الروسية من سوريا أو ان روسيا لم تعد تجد في مياه الشرق الأوسط الدافئة موطئ قدم لها وسلمت بضرورة تسلميه للغرب، ما رأيك بهذه النظرية وما هو المستقبل الروسي اليوم؟
الدكتور قدري: لا أعتقد أن هذه النظرية دقيقة، قاعدة حميميم أنشأت عام 2015 من أجل مكافحة الإرهاب وإبعاد خطر سقوط دمشق بيد داعش، الروس دخلوا لإنقاذ الدولة السورية وليس لإنقاذ بشار الأسد طبعا إعلام بشار حاول أن يصور أن الروس هم أصدقاؤه وهم قادمون لإنقاذه وإنقاذ نظامه، هم دائما كانوا يؤكدون على ذهابهم لإنقاذ الدولة السورية. لديهم مصلحة في إنقاذ الدولة السورية لأن مصلحتهم في إنقاذها هو أنه اذا استوطنت داعش في دمشق وأصبحت عاصمة الخلافة ما الذي كان سيجري في المنطقة؟ وإلى أين كان سيصل الإرهاب؟ نحن لم ننته أن عاصمة الخلافة هي الرقة ولكن إذا أصبحت عاصمة الخلافة دمشق كانت الفوضى التي سيسببونها ستنتقل إلى كل المنطقة ومن ضمنها جنوب روسيا لأنه كان يوجد الكثير من الإسلاميين المتطرفين الذين يعملون في صفوف داعش، وهناك قوميات كثيرة في روسيا اليوم، وممكن القول بأنهم ذاهبون لدفنهم في سوريا قبل أن يصلوا إليهم. فالروس كان لديه مصلحة وتقاطعت مصلحتنا مع مصلحته في موضوع القضاء على داعش إذا صح القول.
أنا حذرت منذ 4 سنوات الروس في مؤتمر صحفي أن ثمار الإنتصار العسكري على الإرهابي ستتبخر إذا لم تثمر بحل سياسي. بين سوريا وروسيا علاقات تاريخية تعود إلى ما قبل الإتحاد السوفياتي وموضوعيا الشعب السوري تاريخيا أثبت أن العلاقات بين روسيا وسوريا ضرورية، وإدارة العمليات العسكرية من أول البيانات التي أصدرتها بيان حول أنها تسعى إلى تحسين العلاقات الحسنة مع روسيا. اليوم الروس ماذا يريدون من قاعدة حميميم؟ أنا برأيي مهمتهم إنتهت إذا تشكلت حكومة شرعية إنتقالية معترف عليها دوليا، هذا يعني أنه تم القضاء على الإرهاب في سوريا، وأن قاعدة حميميم لم يعد لديها حاجة. موضوع القاعدة البحرية هو إتفاق وعقد بين الحكومة السورية والحكومة الروسية، هذا الموضوع بعد أن تظهر حكومة سورية شرعية إذا لديها رأي بالموضوع يبحث، أعتقد أنه ببنود الإتفاق وهو عقد طويل مدته 50 سنة، هذا إذا كان لدى السوريين في حكومتهم الجديدة المنتخبة أن ينهوا وجود القاعدة العسكرية البحرية هذا يتم الإتفاق عليه ولا يوجد مشكلة، لكن روسيا دولة عظمى وجودها في المياه الدافئة في المعنى الجيوستراتيجي في ظل الأسلحة الجديدة هذا لم يعد له معنى كما كان له معنى سابقا بالقرن العشرين. اليوم بظل الصواريخ الإستراتيجية والفرط صوتية وإلى آخره لها قيمة في العلاقات أنه يوجد علاقات جيدة لكن ليست مشكلة ولكن نحن نأمل أن تبقى العلاقات مع روسيا علاقات جيدة تعكس العلاقات التاريخية التي كانت موجودة بين الشعبين والبلدين.
– ما هو المستقبل التركي في سوريا.
الدكتور قدري: أردوغان طوال عمره يعيد ويكرر أن تركيا ملتزمة بسيادة ووحدة الأراضي السورية وهذا شيء إيجابي، دعونا ننظرإلى أرض الواقع كيف ينفذ إلى الآن، رغم كل التعقيدات لا يوجد أي طيران تركي أو قوات تركية على الأراضي السورية العقدة الوحيدة التي ممكن أن تخرق هذه الواقعة هي المشكلة مع قسد. لذلك يجب السعي سريعا لحل المشكلة بين قسد وبين إدارة العمليات العسكرية، إذا تمت واتفقوا مع الجنوب على إنشاء جيش وطني واحد. أعتقد أن اليوم تجري مفاوضات بين قسد وإدارة العمليات العسكرية كي تكون جزء من هذا الجيش وهذا يعني أن مخطط تقسيم سوريا إلى جنوب، شمال، شرق وغرب صار في الماضي لذلك نحن ندفع باتجاه أن قسد على الأقل اليوم في إطار فكرة تشكيل نواة الجيش الوطني أن يجري إتفاق عملي مع إدارة العمليات العسكرية في الظروف الحالية. الآن تجري مفاوضات لا نعلم إلى أين وصلت وما هي الصعوبات التي واجهتها ولكن نعتقد أنها ستصل في الأخير إلى المكان المطلوب لأن المجتمع الدولي لم يعد يتحمل التوتر الموجود في سوريا وتعب كما تعب الشعب، وسوريا أتعبت العالم.