صحافة وآراء

هل تسعى أوروبا للحرب مع روسيا

د. أيمن أبو الشعر

إحداث ضجة كبرى بما في ذلك في مجلس الأمن للضغط على روسيا هي في نفس الوقت محاولة لإعاقة التسوية السياسية في أوكرانيا

اتهامٌ مبرمج
لم يكن صدفة أن تتهم موسكو وارسو بأنها تسعى -تلبية لرغبات كييف- بتوريط آخرين في الصراع المباشر مع روسيا لتوسيع رقعة النزاع، حيث اعتبر نيبينزا مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة أن مثل هذه المساعي التي تقوم بها بولونيا خطيرة، وهي لا تفكر بعواقب هذا التصعيد، ويجري الحديث عن اتهام روسيا باختراق الأجواء البولونية بمسيرات روسية، وأوضح المندوب الروسي الدائم في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي أن أوكرانيا سعت منذ أمد طويل إلى توسيع جغرافية النزاع دون أن تبدي اهتماما لما يمكن أن يجره من تبعات، ونوه بأن السلطات البولونية كانت دائما من خلال مناهضتها الجنونية لروسيا مستعدة لدعم أي تصرفات لنظام كييف حتى لو كانت ذات طبيعة إجرامية ومتهورة، فهي تستهدف التسبب بالضرر لروسيا بكل الوسائل حسب تعبيره، وقد دفع ذلك على الفور فرنسا للتخطيط لإرسال طائرات رافال المقاتلة لحماية الأجواء البولونية، وأوضح أن مثل هذه الممارسات التي تساعد على إطالة أمد العمليات العسكرية دون انهيار النظام في كييف يعني أن ثمن التسوية سيكون أعلى، وبات واضحا أن ما تدعيه وارسو مبرمج مسبقا ليصب في السعي الأوروبي المحموم لإيذاء روسيا بعد أن بات واضحا أن شعار تحقيق هزيمة استراتيجية لموسكو كان شعارا زائفا.

افتعال بولوني أوكراني
وقد ابتكرت وارسو بالتعاون مع كييف هذا الاتهام لموسكو بتعمد اختراق الأجواء البولونية، ولا يُستثنى ان تكون المسيرات أوكرانية أساسا خاصة أنها باعتراف البولونيين لم تكن تحمل سلاحا، وقد نفت موسكو بقوة اتهام بولونيا لها بتعمد دفع طائراتها المسيرة لاختراق الأجواء البولونية، وطالبت وارسو بتقديم الأدلة، في حين أكدت الدفاع الروسية أن مسيراتها استهدفت منشآت عسكرية داخل الأراضي الأوكرانية، وهذا يعني أنها كانت تحمل أسلحة خلافا لما أعلنته وارسو، وعرضت موسكو إجراء اتصالات رسمية بين البلدين، لكن بولونيا رفضت ذلك، حيث أعلن أوليانوف الممثل الدائم لروسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا أن وزارة الدفاع البولونية أحجمت عن ذلك، لكن المسألة سرعان ما تحولت إلى أزمة حقيقية استدعت طلب وارسو عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لأول مرة في تاريخها، زد على ذلك أن الرئيس البولوني ناوروكي وقع مرسوما يقضي بالسماح للناتو بنشر قواته على الأراضي البولونية كتعزيز لقوات بولندا في إطار عملية الحارس الشرقي”.، وأعلن رئيس الوزراء البولوني توسك أن القوات البولونية أسقطت هذه المسيرات التي وصفها بأنها خطيرة هذا رغم أن وزير الخارجية البولوني سيكورسكي اعتبرها خلافا لرئيس الوزراء مجرد دمى كونها لا تحمل أية متفجرات، إذن الأمر مرسوم كخطة لإثارة ضجة كبيرة تعيق حتى مساعي ترامب بتسوية الأزمة سياسيا…

الضجة الكبرى مرسومة
وبالطبع سرعان ما حقق هذا الاتهام المفتعل أهدافه سياسيا وإعلاميا وحتى أمنيا، عبر ضجة كبيرة في مختلف الأوساط الغربية، فقد طالبت وارسو على خلفية هذا الاتهام بتفعيل المادة الرابعة من ميثاق الناتو التي تدعو إلى إجراء مشاورات عاجلة لوجود خطر محدق، بل وصل الأمر بميلاني جولي وزيرة الخارجية الكندية أن اعتبرت أن الأمر قد يستدعي تفعيل البند الخامس من ميثاق الناتو الذي يطلب من جميع الأعضاء التحرك عسكريا، ما قد يجر وراءه حربا شاملة ضد روسيا، أي الوصول إلى توسيع شامل للمواجهة التي لا تستثني حربا عالمية ثالثة واستخداما للأسلحة النووية، من هنا يجيء تحذير موسكو بأن من يسعى لتوسيع رقعة المواجهة لا يدرك مدى مخاطرها، واعتبر وزير الخارجية الألماني فادفول أن على دول حلف “الناتو” تعزيز قوة الجناح الشرقي للناتو وزيادة الضغط على روسيا واقترح إرسال منظومات دفاعية من اليونان وإسبانيا إلى بولونيا.

ورأى روبيو وزير الخارجية الأمريكية أن اختراق المسيرات الروسية للأجواء البولونية تطور مرفوض وخطير، وأن كانت هذه المسيرات تقصد بولونيا فهو خطوة تصعيدية، فيما رجح الرئيس الأمريكي ترامب أن تكون المسيرات قد عبرت الأجواء البولونية عن طريق الخطأ، كما شنت رئيسة المفوضية الأوربية دير لاند هجوما عنيفا ضد روسيا إثر الحادث، وفي الوقت الذي اعتبرت مندوبة بريطانيا في مجلس الأمن وودوارد أن الأمر يستدعي وحدة دول حلف الناتو أعلن روته الأمين العام للحلف عن خطوة عملية لتعزيز الجبهة الشرقية تحت اسم عملية حارس الشرق وفي نفس الوقت حذر من أن الصواريخ الروسية الحديثة لن تستهدف دول البلطيق وحدها، بل تستطيع الوصول إلى المدن الأوربية بعد بضع دقائق من وصولها إلى فيلنوس أو تالين. ترافق ذلك باختراق مسيرة الأجواء الرومانية قرب نهر الدانوب مما عمق من الضجة المتصاعدة في هذا المجال ولتزيد من سكب الزيت على النار.

فهل تريد أوروبا حقا الحرب مع روسيا وهي تدرك تماما أن مثل هذه الحرب ستعني فناءها قبل فناء دولة كروسيا هي أكبر بلد في العالم مساحة، ومن البديهي أنها لا تقصد الحرب فعليا لكنها تقامر على امتحان أعصاب موسكو حتى اللحظة الأخيرة وحتى الخطوط الحمراء التي يعني تجازوها أنه لن يكون هناك أحد يعاتب أو يتهم، خاصة أن موسكو حذرت مرارا من مغبة مثل هذه الخطوات الاستفزازية.

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى