- روسيا تعلن عن انتاج صاروخ بوسيدون البحري الذي يعمل بالطاقة النووية، وقادر على تدمير عدة حاملات طائرات دفعة واحدة
- بوريسفيستنيك يستطيع حمل رؤوس نووية والوصول إلى أية بقعة في الكرة الأرضية دون أن تكشفه الرادارات، والتحليق حتى على ارتفاع عشرة امتار
الأجواء المرافقة- التوقيت
يمكن القول أن روسيا تكرس حالة الردع النووي بهدوء وثبات من خلال عوامل من أهمها: النصح التحذيري الذي توجهه إلى الناتو والاتحاد الأوروبي بالتريث والتفكير بالمصير الذي ينتظر دول هاتين المنظمتين إن هي أوغلت في العداء لروسيا، بما في ذلك عبر أوكرانيا، والتنويه بأن الرد الحاسم سيكون بالغ القسوة، والثاني وهو مرتبط بالأول أن العقيدة النووية الروسية الجديدة تعطي روسيا الحق في استخدام السلاح النووي ضد الدولة المعنية إن شعرت بوجود خطر حقيقي منها على أمنها، والثالث أن روسيا أثبتت أنها متفوقة في مجال الصواريخ فرط الصوتية، والأخير هو أن روسيا باتت تمتلك صواريخ تعمل على الطاقة النووية، أي أنها ذات مدى مفتوح غير محدد، كل ذلك يشكل ردعا نوويا حقيقيا، وقد جاءت تجربة صاروخ بوريفيتسنيك الذي ينطلق من البر ومن ثم بوسيدون البحري الروسيين في ذروة ما يمكن تسميته معركة تكسير العظام، ليس بين روسيا وأوكرانيا بل بين روسيا والغرب عموما، وقد تمت تجربته بنجاح يوم 21 أكتوبر – تشرين أول 2025 فلماذا أثار كل هذه الضجة في العالم
بوسيدون الجبار
تعود تسمية الصاروخ النووي الروسي بوسيدون إلى إله البحار والعواصف والزلازل في الميثيولوجيا اليونانية القديمة ومن أهم صفاته قدرته على التحكم بالبحار والمحيطات، ويبدو أن تطوير هذا الصاروخ مؤخرا جعله بالفعل قريبا من صفات إله البحر صاحب الاسم الأصيل “بوسيدون”.
وقدرة الصاروخ بوسيدون التدميرية حسب وصف الرئيس الروسي بوتن أقوى بكثير من صاروخ سامارت الضخم العابر للقارات وهو طوربيد ضخم يعمل بمحرك نووي ويمكن إطلاقه من الغواصات، وأوضح الرئيس الروسي أن القوات الروسية تستطيع استخدامه في المحيط المتجمد الشمالي يقصد تزويد الغواصات الروسية المتخفية تحت جليد المحيط المتجمد الشمالي، وأكد أن اعتراض هذا الصاروخ مستحيل عمليا.
الجدير بالذكر أن روسيا أنتجت هذا الصاروخ عام 2018 مزود برأس نووي بطول 20 مترا وقطره 180 سم ويسير تحت الماء بسرعة 200 كم في الساعة الجديد في الأمر أنه أصبح صاروخا يعمل بالطاقة النووية، وهو في الواقع غواصة صغيرة غير مأهولة، ويعمل مفاعله بقدرات هائلة وبحجم يصغر 100مرة عن مفاعل الغواصة النووية، ويمكن إطلاقه ليبقى تحت سطح الماء لمدد طويلة دونما حاجة للتزود بالهواء والوقود والمؤن كونه غير مأهول، ومن ثم توجيهه لتنفيذ مهمات طارئة عن بعد آلاف الكيلومترات.
صاروخ بوريفيستنيك لا مثيل له
لننطلق بادئ ذي بدء من التسمية صاروخ بوريفيستنسك أي صاروخ طائر العاصفة، ويطلق عليه أيضا اسم صاروخ يوم القيامة، وهو بطول 12 مترا مع الصاروخ الحامل الدافع وقت الانطلاق ثم يغدو 9 أمتار بعد انفصال الحامل عنه، ويحلق بمحرك يعمل على الطاقة النووية، ومن خصائصه تنوع المناورة، وقدرته على التحليق حتى على ارتفاع – 50- 25 مترا وحتى 10 أمتار أي أن الرادارات لن تستطيع اكتشافه.
بدأت تجارب صنع هذا الصاروخ منذ عام 2018 أي استمرت عمليات الابتكار والتجريب سبع سنوات كاملة، وكان الكثير من الاختصاصيين يعتبرونه من أسلحة الخيال العلمي، أو أنهم يعتبرون أن انتاجه مستحيل، فمن أهم خصائص هذا الصاروخ أنه يعمل بالطاقة النووية، وهذا يعني أنه لن يحتاج إلى كميات هائلة من الوقود لقطع مسافات كبرى، بل إنه يستطيع قطع مسافات هائلة بكمية الوقود النووي الصغيرة، بل التي لا يمكن مقارنة وزنها بوزن الوقود العادي، وهو قادر على حمل رؤوس عادية تقليدية، وكذلك رؤوس نووية، وظلَّ الصاروخ إبان تجربته الأخيرة في الجو 15 ساعة قطع خلالها 14 ألف كيلومتر، وهذا يعني أنه يستطيع إصابة أي هدف في العالم، فهذه المسافة ليست مسافته القصوى التي تقدر ب 20 ألف كيلو متر أو أكثر، وبما أنه صاروخ بالستي مجنح فهو قادر على تغيير اتجاهاته حسب الأوامر التي قد تتجدد وفق طبيعة تطور المهمات، ولهذا لم يكن صدفة أن يطلق عليه صاروخ يوم القيامة، ولم تنشر وزارة الدفاع الروسية معلومات تفصيلية كثيرة عن الصاروخ الذي يرجح كما ذكرنا أن ينطلق في البداية بدفع صاروخ حامل مساعد سرعان ما ينفصل عنه.
ردود فعل غاضبة
بعد الإعلان عن تجربة صاروخ بوسيدون إثر بوريفيستنيك أعطى الرئيس ترامب توجيهاته لوزارة الحرب الأمريكية ببدء اختبار الأسلحة النووية الأمريكية على قدم المساواة مع الدول الأخرى منوها بأن هذه العملية ستبدأ على الفور، والواضح أن إعلانه هذا يتضمن عمليات التطوير إسوة بما فعلته روسيا.
طبعا تم قبل ذلك نقل خبر نجاح تجربة صاروخ بوريفيستنيك إلى الجانب الأمريكي ما دفع بالرئيس ترامب إلى محاولة التخفيف من وقع خبر هذا التفوق، ولم يخف انزعاجه من نجاح هذا الصاروخ بقوله: أنه كان على بوتن أن يعمل لوقف الحرب في أوكرانيا لا أن ينشغل بتجارب صاروخية، وأضاف بأن لدى أمريكا أهم غواصة نووية قرب السواحل الروسية ولا حاجة لقطع أكثر من 8 آلاف ميل!!! لكن وزارة الدفاع الأمريكية لم تتقبل الخبر بنفس برودة الأعصاب، فبدأت الاتهامات بأن روسيا تقود سباق تسلح جديد، ما استدعى ردا من موسكو يركز على أن لروسيا الحق في ضمان أمنها، وأنها لا ترى مسوغا لتوتر العلاقات المتردية أساسا مع واشنطن نتيجة نجاح تجربة هذا الصاروخ.
من جهة ثانية لم يخل الأمر من التشكيك والتحذير من مخاطر صاروخ كهذا، حيث حذر بعض الخبراء من أن هذا الصاروخ سيكون بمثابة “تشيرنوبل” طائر بمعنى أنه قد يتسبب بنشر التسرب الشعاعي أثناء تحليقه المديد، وهو يحمل وقودا نوويا، خاصة أنه سبق أن أودى بحياة عدد من المهندسين الخبراء أثناء تجربة سابقة عام 2019.
بوسيدون و بوريفيستنيك قد يساعدا في تمديد “نيو ستارت”
انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من معاهدة حظر الأسلحة النووية متوسطة المدى في الثاني من أغسطس عام 2019 وتزايد طرح الشكوك واتهام موسكو بعدم الالتزام بالمعاهدة، وتزايد تدهور العلاقات بين موسكو وواشنطن، كما أن روسيا في خطوة استباقية أعلنت تعليق مشاركتها مع الولايات المتحدة في معاهدة نيو ستارت “التي وقعت عام 2010” ، وتم تمديدها عام 2021 لمدة خمس سنوات وذلك بعد انتهاء عمل معاهدة عام 2002 لتخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية…ووفق ما آلت إليه الأمور فإن الجانبين فقدا عمليا إمكانية المراقبة المباشرة لنشاطات الطرف الآخر في مجال انتاج الأسلحة النووية ما يعيد مخاطر انفلات هذا المارد من عقاله بعد أن حاولت المعاهدات النووية المتلاحقة لجمه وحصره في قمقم تلك المعاهدات.
هنا يمكن أن نلاحظ أن هذا التفوق الروسي وخاصة في مجال الصواريخ النوعية المتطورة قد يدفع واشنطن لأن تطالب بنفسها العودة لضبط هذه الأمور، سواء في تمديد فعالية نيو ستارت أو ربما بإنجاز معاهدة جديدة، وسيكون بوريفيستنيك وبوديسون في مثل هذه الحالة المحفز العملي الأول والرئيس للوصول إلى تفاهمات بهذا الصدد.
وأيا كان الأمر ومهما تنوعت ردود الفعل، يمكن القول بكل ثقة أن نجاح تجربة الصاروخين الروسيين الجديدين سيجعل ترامب يتريث كثيرا قبل أم يصف روسيا بأنها نمر من ورق!
