
فارسة فلسطينية تصنع التاريخ: ديانا الشاعر أول عربية تتولى رئاسة لجنة دولية في اتحاد الفروسية العالمي
ماتريوشكا نيوز - بيروت
في إنجازٍ يُعدّ سابقة في تاريخ الرياضة الفلسطينية والعربية، فازت الفارسة الفلسطينية ديانا الشاعر برئاسة لجنة رياضة الدريساج الدولية التابعة لاتحاد الفروسية العالمي (FEI)، بعد منافسة قوية مع المرشح الألماني كلاوس روزر. وقد أُعلن عن النتائج خلال المؤتمر السنوي للاتحاد المنعقد في هونغ كونغ، لتسجل الشاعر اسمها كأول فلسطينية تتولى هذا المنصب الرفيع منذ تأسيس الاتحاد.
يمثل هذا الفوز تحولًا نوعيًا في حضور فلسطين على الساحة الرياضية العالمية، ليس فقط من حيث رمزية المشاركة، بل من حيث الوصول إلى مراكز صنع القرار في واحدة من أرقى الرياضات الأولمبية. فالفروسية، التي كانت لقرون رمزًا للنبل والتقاليد العربية، تشهد اليوم لحظة اعتزاز عربي من نوعٍ جديد، مع صعود فارسة فلسطينية إلى موقع قيادة عالمي.
والد ديانا، الكاتب والدبلوماسي الفلسطيني رامي الشاعر، عبّر عن سعادته الكبيرة قائلاً: “هذا الفوز ليس انتصارًا شخصيًا لابنتي فحسب، بل هو إنجاز لكل الفلسطينيين والعرب، ولكل من يدافع عن قيم الحرية والعدالة في العالم. فديانا أثبتت أن الإبداع الفلسطيني لا تحدّه الجغرافيا ولا القيود.”
تبلغ ديانا من العمر 38 عامًا، وهي فارسة محترفة شاركت في بطولات الغراند بريكس الدولية، وخاضت أكثر من 80 مسابقة عالمية في أوروبا الغربية، إضافة إلى تمثيلها فلسطين في بطولة العالم للدريساج. وهي اليوم رئيسة لجنة الدريساج للمجموعة الإقليمية السابعة في الاتحاد الدولي للفروسية، ورئيسة المجموعة الإقليمية في الاتحاد الآسيوي للفروسية، فضلاً عن كونها خبيرة ومدربة معتمدة في برنامج FEI Solidarity المخصص لتطوير الرياضات الفروسية في الدول النامية.
كما تشغل ديانا منصب نائب الرئيس وعضو مجلس الإدارة في الاتحاد الفلسطيني للفروسية، حيث تتولى مسؤولية العلاقات الدولية وتعمل على تعزيز حضور فلسطين في المحافل الرياضية. ويعرف عنها شغفها العميق بدمج الرياضة بالثقافة والدبلوماسية العامة، إذ أسست شركة Palirus Media المختصة في الدبلوماسية الثقافية، وشاركت في تأسيس المؤسسة الخيرية الروسية للفروسية “Vanya” التي تدعم الفرسان الذين يعانون من إصابات أو أمراض مزمنة.
إنجاز يتجاوز الرياضة
تأتي أهمية هذا الإنجاز من كونه يتجاوز حدود الرياضة ليحمل رسالة إنسانية وسياسية وثقافية في الوقت نفسه. ففي عالمٍ تشهد فيه فلسطين تضييقًا على مختلف الأصعدة، يشكّل نجاح امرأة فلسطينية في اعتلاء منصب دولي بهذا المستوى دليلًا على قدرة الكفاءات الفلسطينية على فرض حضورها رغم التحديات.
ويرى محللون أن فوز ديانا الشاعر يعكس صورة جديدة للمرأة العربية، القادرة على الجمع بين الاحتراف الرياضي والريادة الفكرية والدبلوماسية. كما أنه يمثل دفعة قوية لتعزيز الوعي بالرياضات الراقية مثل الفروسية في العالم العربي، وإحياء الإرث العربي التاريخي في هذا المجال.
إعادة الاعتبار للهوية العربية في الفروسية
تُعد رياضة الدريساج (Dressage) واحدة من أكثر الرياضات تعقيدًا وأناقة في عالم الفروسية، إذ تتطلب تناغمًا فنيًا عاليًا بين الفارس والحصان. ومن المفارقة أن هذه الرياضة التي نشأت في أوروبا تحمل في جذورها الكثير من ملامح الفروسية العربية الأصيلة التي شكّلت جزءًا من هوية المنطقة لقرون طويلة.
بذلك، فإن فوز ديانا الشاعر بهذا المنصب لا يُعتبر انتصارًا فرديًا فحسب، بل إعادة تموضع للهوية العربية في قلب الرياضة العالمية، ورسالة فخرٍ بأن العرب ما زالوا يحملون روح الفروسية بمعناها الأصيل — الشجاعة، الانضباط، والكرامة.
نحو تمكين أكبر للفلسطينيين في الرياضة العالمية
من الناحية المؤسساتية، يُتوقع أن يسهم وجود ديانا الشاعر في قيادة لجنة الدريساج في فتح آفاق جديدة للفرسان الفلسطينيين والعرب، من خلال تطوير برامج التدريب، وتسهيل المشاركة في المسابقات الدولية، وتعزيز التعاون مع الاتحادات الإقليمية. كما يُرجح أن تسعى ديانا إلى نقل خبراتها الدولية لتأسيس أكاديمية فلسطينية للفروسية تُعنى بتدريب الجيل الجديد من الفرسان على أسس احترافية حديثة.
إن تتويج ديانا الشاعر بهذا المنصب هو رسالة أمل وفخر للعرب جميعًا — بأن الإبداع لا تحدّه الحدود، وأن الفلسطينيين قادرون على الوصول إلى مواقع القيادة في كل المجالات. لقد حوّلت ديانا شغفها بالحصان إلى جسرٍ نحو العالمية، ورسّخت حضور فلسطين في ميدانٍ اعتاد أن يحتكر الأضواء للأوروبيين، لتثبت أن الإرادة قادرة على كسر كل الحواجز.




