“حميدتي” في الميدان و”حمدوك” في الحكومة.. معادلة تحقق مصالح الإمارات – مركز بابل للدراسات المستقبلية
مركز بابل للدراسات المستقبلية- لم يشهد السودان حالة من الاستقرار السياسي طويل الأمد منذ حصوله على الاستقلال عام 1956، وحتى اليوم الحالي، ويعود السبب في ذلك بطبيعة الحال إلى التدخلات الخارجية وأطماع الدول الاستعمارية الكبرى والإقليمية، بثروات البلد الغني جداً.
في الواقع الدول الاستعمارية لم تغير من سياساتها، بل غيرت فقط بأسلوبها الاستعماري، فبعد مغادرة جيوشها لدول المنطقة، التي حكمتها بشكل مباشر، نصبت حكاماً وأنظمة موالين لها أو من صنعها، لتحافظ على سيطرتها وحكمها لدول المنطقة بشكل غير مباشر، وعندما تنتفض الشعوب من أجل التغيير وبناء وطنها، ترسل لها شخصيات، تم تحضيرها وتدريبها مسبقاً، لتبدو بالظاهر وطنية، وتريد الإصلاح، ولكنها في الباطن هي ليست إلا عميلة، تنفذ أجندة من أوصلها للسلطة.
عبدلله حمدوك “عميل” بلباس رجل الدولة
وجدت واشنطن في تعطش الشعب السوداني للحرية والتغيير، والوصول لحكم مدني ديمقراطي، فرصة مواتية للتسلل إلى السودان والتحكم بمجريات الأمور فيه، وذلك عبر تقديم أحد رجالاتها على أنه المخلص للبلاد والذي سيحقق كل طموحات وأحلام الشعب السوداني. هنا ظهر عبد لله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني في الحكومة المؤقتة، الذي تخرج من جامعات المملكة المتحدة وعاش فيها وفي الولايات المتحدة الأمريكية لفترة طويلة، وتمّت تهيئته وتدريبه بشكل جيد من قبل المخابرات الغربية لأداء المهمة المستقبلية.
تم تقديم حمدوك، على أنه الوجه الديمقراطي الجديد للحكم المدني، والذي سيلبي تطلعات الشعب السوداني، وحظي بدعم أمريكي وغربي كبير عند تسلمه منصب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية في أغسطس 2019.
حققت حكومته بعض الانجازات الاقتصادية، ولكنها فشلت بتحقيق أي انجاز سياسي، كما أن حمدوك لعب خلال فترة حكمه دوراً سلبيا ساهم بشكل كبير بتعميق الخلاف بين المكونين المدني والعسكري ولم يساهم بتحقيق أي تقدم في العملية السياسية، مما أدى في نهاية المطاف إلى إعلان استقالته من منصبه في أكتوبر 2021 ومغادرته البلاد إلى الامارات العربية المتحدة التي لايزال يقيم فيها حتى اليوم، لتعود من جديد السلطة إلى أيدي العسكر بشكل كامل. على الرغم من دعوة الولايات المتحدة مراراً وتكراراً إلى عودة حمدوك إلى السلطة ودعمها له.
لماذا الامارات العربية المتحدة؟
دخلت الامارات ساحة الصراع السياسي والعسكري القائم في السودان منذ بدايته، حيث لعبت دور محوري في دعم حمدوك واستقباله على أراضيها، فبعد وصول حمدوك إلى الإمارات، باشر بمهمته الأولى، وبدأ يعمل على زيادة الخلافات بين قوات الجيش، والدعم السريع، وأيضاً بين المكونين العسكري والمدني مستغلاً صلاته بالقوى المدنية والعسكرية في البلاد، حتى وصلت الأمور إلى صدام عسكري دمر البلاد، وصعّب الوصول لأي حل، وكل ذلك كان بتوجيه إماراتي-أمريكي لإثارة الفوضى وتسهيل سرقة ثروات البلاد.
ثم تابعت الامارات خطتها، بدعم قوات الدعم السريع مالياً وعسكرياً، واستقبلت قائدها محمد حمدان دقلوا الملقب بـ “حميدتي” وسمحت له بحفظ أمواله في بنوكها. وذلك حتى تحقق الامارات سيطرة كاملة لها على مقدرات البلاد وخاصة الذهب واليورانيوم، وأيضاً ليكون لها موطئ قدم على سواحل البحر الأحمر وخاصة في بورتسودان حيث تخطط لإقامة قاعدة بحرية تجارية هناك.
ولكن لم تجري رياح الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع كما تشتهي مصالح الإمارات، كما أن القيادة الإماراتية أيقنت بأنه لا يمكن الاعتماد على “حميدتي” فقط في السيطرة على البلاد، وخاصة ان قوات الدعم السريع لا تحظى بقبول دولي وإقليمي، ومن الضروري أن يكون هناك شخص أخر في السلطة مستقبلًا لكي يتم الاعتراف به، هنا وجدت الإمارات في ثنائية “حمدوك في السياسة وحميدتي في الميدان” المعادلة الأنسب لتحقيق مصالحها، لذلك بدأت بدفعه من وراء الكواليس إلى الواجهة.
إلى جانب ذلك، يمثل عبدالله حمدوك، الخيار الأمثل لأنه مازال يحظى بتأييد شعبي، وهو الخيار الأمريكي والأوروبي الأول للسودان.
وبالتوازي مع كل ما سبق، وفقاً لمصادر دبلوماسية غربية وعربية، تم إجراء اتفاق ضمني بين الامارات المتحدة وواشنطن على دعم الإمارات لحمدوك وترشيحه، على أن تساعد الولايات المتحدة الأمريكية الأمارات في استرداد جزرها المحتلة من إيران، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.
وهذا ما جعل من حمدوك نقطة تقاطع رئيسية لمصالح الامارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، كوسيط لحل الأزمة العسكرية في السودان، ووسيلة لتمكين سيطرتهم على السودان.