صحافة وآراء

تبقى دقيقة ونصف ليوم القيامة حسب الساعة الذرية

بقلم د. أيمن أبو الشعر

• الجنون الأمريكي توصل في الستينات إلى مشروع يقضي بإيقاف الأرض عن الدوران بهدف تشتيت الصواريخ السوفييتية

فناء البشرية بيد البشر
دخلت التقديرات حول احتمال حدوث يوم القيامة مرحلة بالغة الخطورة، والمقصود هنا اقتراب ساعة الصفر من الصدام النووي، أو الكوارث التي تنهي الحياة بكامل أشكالها على الكوكب الأرضي، والحديث يدور عن الساعة الذرية الرمزية الموجودة في مركز كيلر في جامعة شيكاغو.
لكن هذه الساعة الرمزية بالغة الجدية، فقد تم إنشاؤها عمليا عام 1947 إثر قصف هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النووية، وانطلاقا من التهديد الذي تشكله الأسلحة النووية باعتبارها أعظم خطر تواجهه البشرية، وظل ما وجهته قبل ذلك حتى إبان الأوبئة والكوارث الطبيعية لا يقارن بما يمكن أن تحدثه الحرب النووية الحديثة، وخاصة بعد تطور الإمكانيات التقنية في هذا المجال.
ويعمل بشكل مباشر في تنظيم أمور هذه الساعة “القدرية” 18 خبيرا من مختلف المجالات الحياتية السياسية والاقتصادية والعسكرية والنووية مرتين في العام لتقييم الظروف الحالية ومدى خطورتها على البشرية، وذلك عبر مشاورات واسعة النطاق لتكون تقديراتهم دقيقة، والهدف في نهاية المطاف ليس إثارة الذعر بين الناسي، بل لتحذير البشرية من مدى اقترابها من موعد فنائها، بهدف استنهاض ما يمكن أن يفعله الناس لمنع تحقق ذلك.
ويفترض أن البشرية في ساعتها الأخيرة التي تنتهي في ساعة الصفر عند منتصف الليل حسب الساعة الذرية هذه، ولكي ندرك الأمر جيدا نشير إلى أن عقارب الساعة الذرية هذه كانت تشير إلى أن البشرية مع تراجع الخطر باتت تبتعد عن الفناء الشامل أي ساعة الصفر مسافة 17 دقيقة في عام 1991 إثر توقيع الاتحاد السوفييتي معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية، وللمقارنة نشير إلى أن عقارب ساعة يوم القيامة كانت تشير إلى دقيقتين قبل منتصف الليل أي ساعة الصفر- ساعة الفناء عام 1953 على خلفية إجراء الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي تجارب نووية حرارية، وذلك يتبع للمخاطر التي تشكلها عمليات التطور التقني في مجال الأسلحة النووية الخاضعة للتنافس بين القوتين العظميين.

مخاطر استثنائية
حاليا ظهرت مخاطر استثنائية ليس بسبب الحرب الروسية الأوكرانية بقدر ما هي نتيجة تفاعل الغرب مع هذه الحرب أي مدى احتمالية حدوث صدام بين روسيا والغرب بسبب أوكرانيا، وباتت البشرية على بعدة 90 ثانية فقط من الفناء الشامل أي منتصف الليل الذري الذي يعني نشوب حرب نووية شاملة، ولكن لماذا شاملة؟ لأن الحرب النووية لا يمكن أن تكون غير شاملة فما من بلد نووي يرضى أن يقصف دون أن يرد على هذا القصف، ولو كان لدى اليابان قنابل نووية لقصفت الولايات المتحدة الأمريكية حتما كرد على قصف هيروشيما وناغازاكي.
المخاطر الاستثنائية تزداد لأن الدول النووية تكاثرت لتشمل : الولايات المتحدة، وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والهند وبكستان وإسرائيل، ويقدر عدد الرؤوس النووية ب 19 ألف رأسي نووي، ولدى كل هذه الدول الحوامل اللازمة من طائرات وصواريخ وسفن وغواصات عدا عن المنصات المتحركة وتحت الأرض، فإن الفناء مضمون حتى لو نشأ الخلاف بين دولتين بعيدتين نسبيا عن مكان الصدام النووي الأول، لأن الدول النووية البعيدة نسبيا ستتأثر جديا ومصيريا بفناء الدولة التي تدعمها، فتصبح أقل قدرة على ردع جارتها، وبالتالي تبدأ سلسلة حروب نووية متصاعدة، والمثير في الأمر أن كمية الأسلحة النووية والهدروجينية الموجودة حاليا تكفي لتدمير الكوكب الأرضي عدة مرات، في حين الفناء الشامل يكفيه تدمير الأرض مرة واحدة وحسب.

الأمريكان يفكرون في إيقاف دوران الأرض
ليس الأمر طرفة سخيفة، بل إن العسكريين الأمريكيين فكروا جديا بهذا الأمر! أن يوقفوا الأرض عن دورانها، كيف ولماذا؟
طبعا تستخدم عبارة “حين تقف الأرض عن دورانها” عادة كتعبير عن المستحيل كأن يقول أحدهم لخصمه ستحصل على مبتغاك عندما تقف الأرض عن دورانها، أي أن ذلك من رابع المستحيلات، ومع ذلك فكرت الولايات المتحدة جديا بإيقاف دوران الأرض.
لنعد بالذاكرة إلى الوراء قليلا … كانت الولايات المتحدة قد أعدت خطة لقصف الاتحاد السوفييتي بمئتي قنبلة ذرية تقضي على معظم مدنه وبنيته التحتية بعيد الحرب العالمية الثانية عام 1945، وهو تصرفٌ في قمة النذالة فالاتحاد السوفييتي كان حليفا للولايات المتحدة في الحرب على النازية قبل حين قصير من التفكير بقصفه نوويا، وقضت الخطة تدمير المدن الكبرى وإعادة الاتحاد السوفييتي إلى النمط البدائي، ويقال أن الرئيس هاري ترومان كلف الجنرال أيزنهاور بأن يقود هذا المشروع الذي سمي بالخطة “الشاملة”، ولكن يبدو أن الخطة كانت لخديعة الاتحاد السوفييتي والرضوخ لهيمنة الولايات المتحدة، حيث تشير معطيات ظهرت بعد ذلك أن الولايات المتحدة لم تكن تمتلك القنابل النووية الكافية لتنفيذ تلك الخطة، وحين غدا لديها هذا العدد كان الاتحاد السوفييتي قد امتلك القنبلة النووية التي باتت عامل ردع قوي وابتدأ سباق التسلح النووي الذي يعرض ليس الخصمين للخطر بل جميع سكان المعمورة.

أفكار لا تخطر ببال المجانين
بما أن الردع النووي هو الذي يمنع أية دولة من إفناء الدولة الخصم، فكر الجهابذة الأمريكان بمخرج عجيب غريب. نعم فكروا بإيقاف الأرض عن الدوران بحيث تتوه الصواريخ السوفييتية حين تنطلق إليهم ويحققوا ضربتهم ويتخلصوا من الاتحاد السوفييتي.
يقول الخبر الذي نشرته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن لدى البنتاغون مشروعا سريا كان قد نوقش منذ ستينات القرن الماضي بعد تحقيق بعض النجاحات في السباق الفضائي، وقد أطلقوا على المشروع تسمية ريترو ” Retro ” ويعتمد كي يتفادى الضربة الصاروخية الروسية النووية تجهيز مساحة واسعة في الأرض ينصب عليها 1000 محرك لصواريخ ثقيلة “كأطلس” بعد التدقيق بحيث يتم التأكد من أن الاتحاد السوفييتي أطلق صواريخه المزودة بالرؤوس النووية، وأنها عبرت القطب الشمالي وبدأت تتجه نحو منصات الصواريخ الأمريكية، وفي هذه اللحظة بالذات يتم تشغيل محركات الصواريخ الثقيلة الألف دفعة واحدة بحيث تكون قوة الاندفاع الذي تطلقه عكس اتجاه دوران الأرض مما يؤدي حسب قناعتهم إلى توقيف حركة دورن الأرض لفترة محددة تجعل الصواريخ السوفييتية تتجاوز أهدافها في التحليق، وتسقط في أماكن أخرى، ثم وبعد أن تعاود الأرض إلى دورانها تقوم الولايات المتحدة بتوجيه ضربة نووية شاملة إلى المدن السوفييتية.

المعطيات العلمية تسخر من هذا المشروع
أولا أن توقف الأرض عن الدوران ولو للحظات سيؤدي إلى حدوث زلازل وتسونامي هائلة في كل مكان على سطح الأرض، وستتغير حالة الطقس بشكل كارثي، ذاك أن تدفق المعادن السائلة كصهارات في اللب الخارجي للأرض ودورانه مع دوران الأرض يولد تيارات كهربائية ومجالا مغناطيسيا نتيجة الدوران وهو الذي يحمي الكوكب من الإشعاعات الضارة، ويقول العلماء أن فقدان المريخ للمجال المغناطيسي في الماضي السحيق هو الذي جعله غير صالح للعيش. وتتغير مدة الليل والنهار بحيث قد تصل إلى ستة أشهر، والمعروف أن سرعة دوران الأرض تبلغ مداها عند خط الاستواء حيث تبلغ 1770 كيلو مترا في الساعة، وكل الأجسام الموجودة على سطح الأرض ستتابع دورانها بشكل كارثي نتيجة عطالة الاندفاع السابق، ويؤكد العالم الجيولوجي “جيمس زيمبلمان” أنه لا توجد أية قوة يمكن أن تمنع الأرض عن الدوران، وفي حال توقفت الأرض عن الدوران فإن الانطلاق بسرعة 1770 كيلو مترا سيستمر لموجودات السطح الخارجي عند خط الاستواء، وتتناقص السرعة نسبيا كلما اتجهنا نحو القطبين بما يسمى الزخم الزاوي، حيث يتحرك مع اتجاه الدوران السابق الهواء والمياه والطبقات العليا من الأرض، وحتى الغابات والصخور الخارجية، ويتمزق سطح الأرض ويتبعثر في الغلاف الجوي ثم في الفضاء الخارجي، إلى أن تعود الشظايا المنصهرة بعد حين إلى الكوكب الأرضي بفعل الجاذبية وتتصل بالأرض من جديد بعملية تسمى الالتحام، ناهيك عن فقدان كميات هائلة من مياه الأرض في هذه الفترة الجحيمية.
يبدو أن الذين فكروا بهذا الحل العبقري لم يخطر ببالهم أنهم سيحدثون دمارا لكل الكوكب الأرضي، وستفنى الولايات المتحدة قبل غيرها في مثل هذه الحال، ومن حسن حظ البشرية أن هذه الفكرة مستحيلة التطبيق، ويبدو أن الذين فكروا بهذا المشروع “العبقري” تخرجوا عند زوربا اليوناني الذي ابتكره نيكوس كازانتزاكي، زوربا العبثي الذي ينفذ مشروعه في قذف جذوع الأشجار من الجبل نحو الشاطئ على الحبال التي شدت بأوتاد ضخمة دون أن يدري كيف يتزايد الثقل بقوة الانزلاق وسرعته، فتتحطم الأوتاد ويفشل المشروع لغياب التفكير العلمي، وينتهي ببعض الإصابات ولكن ليس بدمار البشرية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى