صحافة وآراء

الحمار الغر يمضي فوق رأس القافلة عطفا على مقالة د. علي عزيز أمين “قليلا من التعقل”

بقلم د. أيمن أبو الشعر

• إن وقعت الحرب النووية، فإن أوروبا ستفنى، وستزول أمريكا، لكن روسيا كاكبر دولة مساحة في هي التي ستبقى رغم تضررها جديا

هذا العنوان هو نهاية قصيدة لي عن خيانة السادات في حرب تشرين، ومدى مخاطر أن يكون قائد السرب أحمق يقود إلى الجحيم ، وأنا أكتب هنا تأييدا ومتابعة لما قد بدأه الدكتور علي عزيز أمين يوم أمس الأول في مقالة جدية بعنوان: “قليلا من التعقل…احذروا اللعب بمصير العالم” تناول فيها بالتحليل الموضوعي القرار النوعي الخطير الذي اتخذته واشنطن وبرلين بالسماح للقوات الأوكرانية بقصف العمق الروسي بالأسلحة الغربية، والذي يلقى تأييدا وحماسا من معظم دول الناتو وخاصة دول البلطيق وبولونيا وبريطانيا، وحذر في مقالته هذه من أن هذا القرار المتهور قد يشعل حربا عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر…
ومتابعة لهذا الموضوع الرهيف جدا والذي سيبقى حديث العالم لفترة طويلة من الزمن أشير إلى أنه عمليا قد يتشعب، ويتطور حسب ما يمكن أن يحدث من تأثير إبان تنفيذه على أرض الواقع، مع الإشارة إلى أن أوكرانيا كانت تستخدم الأسلحة الغربية في قصف الأراضي الروسية وخاصة الصواريخ البريطانية حيث لم تضع لندن نفس القيود التي تمسكت بها واشنطن وبرلين نسبيا؟
السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي دفع إلى اتخاذ هذا القرار وإلى أين سيؤدي، ومع محاولة الإجابة عن هذين السؤالين نستطيع التوغل أعمق إلى الخلفيات المستترة وراء كل ذلك، والانعطافات المحتملة حسب مجريات الأمور على أرض الواقع، وهل يمكن حقا ان يؤدي كل ذلك إلى حرب نووية؟.

السؤال الأول: تسارع الانزلاق
لو اقتربنا من الترجمة العسكرية لهذا القرار لظهر بسطوع أمامنا سؤال آخر: كيف يمكن لكييف أن تقصف مواقع فعالة داخل الأراضي الروسية؟ سيقول متعجل: بالصواريخ والقذائف بعيدة المدى، فيجي السؤال الجوهري ومن سيعطي القوات الأوكرانية إحداثيات هذه المواقع والتي تحتاج إلى رصد من الأقمار الصناعية الدقيقة التي لا تملكها أوكراينا؟ نعم هنا تح\يدا يكمن المحور الإشكالي النوعي، فقد كانت روسيا تغض الطرف عن مساهمة الخبراء العسكريين الغربيين الذي يعملون ويشغلّون منظومات الصواريخ الغربية في المعارك داخل الأراضي الأوكرانية التي باتت تحت سيطرة القوات الروسية، أما الآن فالأمر يدخل فيما يسمى تجاوز الخطوط الحمراء.
وقد طلبت أوكرانيا -حسب موقع Business Insider الأمريكي- من واشنطن الحصول على المعلومات الاستخباراتية اللازمة لكي تستطيع توجيه قصفها إلى عمق الأراضي الروسية، وأشار الموقع إلى أن واشنطن ما زالت مترددة، والواضح أن التردد شكلي أو إلى حين، ولكن كييف ستضغط جديا قائلة تسمحون لنا بقصف عمق الأراضي الروسية ولا تعطونا الإحداثيات ؟ إذن كيف نفعل ذلك؟ وهو أمر لن تتساهل فيه روسيا من جهة، ومن جهة ثانية يجعل الولايات المتحدة وألمانيا مشاركتين عمليا وواقعيا في الحرب، وليس مجرد مساعدتين بالسلاح لأوكرانيا، أي الانتقال إلى مستوى آخر، وهو قصف الأراضي الروسية بأسلحة أمريكية وألمانية، وبمشغلين خبراء أمريكيين وألمان تحت ستار المرتزقة، وتقديم وزارتي الدفاع الأمريكية والألمانية الإحداثيات… وماذا تبقى إذن؟ أين أوكرانيا هنا؟ الأسلحة والمشغلون والمعلومات كلها أمريكية ألمانية، وهذا يعني بشكل صارخ توريط الناتو كله في الحرب المباشرة مع روسيا.

السؤال الثاني هل تجدي زيادة جرعات الدواء للمحتضر؟
هل بإمكان الغرب بدعمه لأوكرانيا إيقاف العملية العسكرية الروسية حقا؟ يبدو لي أساسا أن هذا القرار جاء نتيجة النجاحات التي حققتها العملية العسكرية في أوكرانيا، وخاصة في الشهر الأخيرة، والتي كانت مرعبة جدا للغرب وزعمائه وبدل أن يرعووا ، وألا يلعبوا بمصير العالم كما نصحهم الدكتور علي عزيز أمين في مقالته تلك، تورطوا في الغرق، إنهم يشبهون الرجل الذي يقع في مستنقع من الرمال المتحركة حيث يزداد انغماسا وغوصا كلما تحرك ظنا منه أنه سينقذ نفسه، وذلك من خلال التبريرات التي يطلقونها لتطمين أنفسهم بأنهم على الطريق الصحيحة، عبر أطروحات الدفاع عن النفس التي أشار إليها الدكتور علي عزيز أمين في مقالته، ولن تكون زيادة التوريدات، وحتى حصول كييف على طائرات اف 16 إلا وبالا جديدا لا على أوكرانيا وحدها، بل على واشنطن، حيث من الواضح تماما أن روسيا ستسقط تلك الطائرات وتحصل على أسرارها بالكامل، كما كان الأمر بالنسبة للدبابات والمدرعات، لأن زيادة جرعات الدواء لمن دخل في حومة الاحتضار قد تعجل بموته لا إنقاذه.

السؤال الثالث هل ينقذ الغرب أوكرانيا أم يدمرها؟
انطلاقا من معطيات السؤال السابق يطرح هذا السؤال نفسه بقوة: ما يفعله الغرب هل ينقذ أوكرانيا أم يدمرها؟ الحقيقة أن الزميل الدكتور علي عزيز أمين تنبه جيدا لهذا الأمر، فأوضح أنه على الرغم من أن كل هذا الدعم الكبير بل ربما بسببه تخسر أوكرانيا المزيد من الضحايا والمناطق بدل أن تفاوض للوصول إلى حل سلمي وأشار إلى أن أوكرانيا خسرت خلال شهر مايو وحده 28 قرية وبلدة، ونضيف أنها في اليوم الأول من يونيو فرضت سيطرتها على بلدة جديدة هي أومانسكوية في دونيتسك وليس في منطقة خاركوف التي أثارت حفيظة الغرب، في حين أن روسيا تقوم بعملياتها وفق مخططاتها هي لا حسب تصورات الغرب، ووفق وزير الدفاع الروسي الجديد بيلاأوسوف فإن القوات المسلحة الأوكرانية فقدت خلال شهر مايو المنصرم وحده أكثر من 35 ألف عسكري، وأكثر من 2700 قطعة سلاح، أي كما ذكر الدكتور علي عزيز أمين توريدات الأسلحة الغربية تتحول إلى خردة أو إلى معارض الغنائم.

السؤال الرابع هل الغرب جاد في الذهاب إلى حرب عالمية ثالثة؟
هذا هو الجوهر، فعندما يدرك زعماء الغرب أن الحديث يدور حول فناء العالم يسرعون إلى أعادة النظر بمشاريعهم وأطروحاتهم، وحتى قراراتهم ويحاولون التنصل من مسؤولية دفع العالم إلى الفناء، حيث لن يكون هناك شاهد حتى على من تسبب في ذلك، ولن يندم أحد، ولن يُلام أحد، بل سيبقى هناك “اللا أحد”، كما ختم مقالته الدكتور علي عزيز أمين.
إذن لماذا هذه الضجة التي وإن بدت كزوبعة في فنجان تبقى كارثية، ذاك أن قارئة الفنجان هذه المرة تقول: كل الطرق تقود إلى الجحيم، ولم يكن صدفة أن يسارع منسق الاتصالات الاستراتيجية في الأمن القومي الأمريكي جون كيربي إلى الإعلان أن الرئيس جو بايدن لا يريد تحمل مسؤولية اندلاع حرب عالمية ثالثة، وأكد أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع روسيا، ولا مع أية قوة نووية أخرى، ويفاجئك سؤال اعتراضي ، هل تدرك واشنطن حجم المخاطر أكثر من باريس؟ حيث سعى الرئيس الفرنسي تحديدا إلى إقناع ألمانيا بالسماح باستخدام أسلحتها لقصف العمق الروسي، وزار برلين لهذا الهدف ثلاثة أيام متتالية!

السؤال الخامس من سينتصر إن وقعت الحرب العالمية الثالثة؟
طبعا الإجابة الأولى السريعة المنطقية هي أن لا أحد، ففي هذه الحرب فناء للعالم، ومع ذلك ووفق سيناريوهات متنوعة قد يتم وقف الحرب النووية حتى وإن بدأت وبالتالي سيفنى القسم الأكبر من أوروبا وأمريكا، وينهار الاقتصاد العالمي بكامله، وتفنى نهائيا الدول المحرضة الصغيرة التي أشار إليها بوتين، وعدد آخر من دول العالم، وستضرر روسيا بنسبة قد تصل إلى سبيعين بالمئة … ومع ذلك فإن مساحة روسيا كأكبر دولة في العالم سيتيح لها وفق هذا السيناريو البقاء على قيد الحياة، وهذا الأمر يدركه زعماء الغرب جيدا، ولهذا هم مترددون في المضي حتى النهاية، أي حتى الجحيم، ولو كانوا موقنين بأن النصر سيكون حليفهم لما توانوا أبدا عن خوض الحرب النووية ضد روسيا، وقد سبق أن وضعوا مخططات لقصف الاتحاد السوفييتي بمئتي قنبلة نووية بعد الحرب العالمية الثانية، رغم أنه كان حليفهم ضد النازية في تلك الحرب. هذا ناهيك عن سبب جوهري آخر يتعلق بالقدرة العملية على مواجهة روسيا في ظروف انقسام الناتو تجاه هذه الحرب، خاصة ان قرارات الناتو يجب أن تكون جماعية، وقسم فعال من هذه الدول تدعو للتفاوض مع روسيا لا إلى مواجهتها، ثم إن الجيش الأمريكي ضمن ظروف عديدة ليس في أحسن أوضاعه مع احتفاظه بوجوده العسكري في عدة مناطق حول العالم، ناهيك عن أن الولايات المتحدة حسب معظم المعطيات لن تستطيع أن تخوض عدة حروب معا حتى بالنسبة للذخائر، إن كرست صراعاتها الواضحة في أوكرانيا، والشرق الأوسط، وتايوان؟ في الوقت الذي يزداد تحالف الصين وروسيا قوة، وتزداد حدة الصراعات بين الولايات المتحدة والصين حتى اقتصاديا.

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى