كيف استعملت أمريكا “عقيدة الصدمة” لتمرير رأسمالية الكوارث “رؤية أنثروبولوجية”
بقلم د. مها أسعد
هناك اتجاهين للصدمة، الاتجاه النفسي الذي بحثه عالم النفس الكندي (إيوين كاميرون) والذي كانت تجربتهُ تهدف إلى تعطيل حواس الانسان وتعريضهُ للصدمات الكهربائية ليفقد الذاكرة ومن ثم يقوم بتمرير ما يشاء من افكار عليه، أما الإتجاه الثاني فإن بطلهُ (ميلتون فيردمان) الاقتصادي العالمي المشهور وانما طُبق على الأفراد في التجربة النفسية لدراسة الحالة لكاميرون أراد فيردمان تطبيقهُ على الشعوب مثل أمريكا الجنوبية (تشيلي، الأرجنتين، والبرازيل)، والعراق.
إن أصل فكرة عقيدة الصدمة ظهرت لأول مرة بشقها النفسي في أحد المصحات النفسية في خمسينات القرن الماضي، خضع المرضى فيها للتجربة، في أول الأمر بموافقتهم، ومن ثم أصبحت التجارب اجباوية، وكان لهذه التجارب أثراً بالغ على صحة النزلاء في المشفى المستعملين بهذه التجربة، فإنهم قد عانوا من الاضطرابات النفسية وفقدان الذاكرة بشكل تام، يقول: Dr: Donald Hebb لم يكن لدي فكرة عندما اقترحت هذا البحث لأول مرة، عن إمكانية التوصل لسلاح شرير لهذا الحد، ثم توقفت من العمل في هذاالبحث بعد ادراكي لخطورته، وعلى الرغم مما قاله Hebb، إلا أن الدكتور إيوين كاميرون واصل البحث به وتطور الموضوع على يده فهو قد ركز على تدمير شيئين مهمين في عقل المرضى، وهما البيانات الحسية، والذاكرة، فحاول إلغاء الذاكرة بالصدمات الكهربائية والعقاقير المُهلوسة، والعزل التام لهم، استفادت الـ (CIA) من أبحاث كاميرون، فعرضت المعتقلين للصدمات، حتى يكون المعتقل قابل للتعاون بعد التخلي عن أفكاره، في سبيل ذلك أستخدمت الضرب والتعذيب والصعق الكهربائي والكلاب لهدم ذاكرة المعتقلين، كانت الفكرة في إطار التطبيق على الافراد، حتى ظهر ميلتون فيردمان ونادى بممارسة الصدمة على الشعوب، كان يؤمن بفكرة معالجة الاقتصاد عن طريق صدمة الشعوب عبر الكوارث، لتمرير النظام الرأسمالي عليهم، حيث ترفع يدالحكومات المُسيطر عليها عن السيطرة على أسعار السوق؛ ظلت أفكارفريدمان من دون تطبيق لحين صعود ريغان وتاتشر في الثمانينات القرنالماضي إلى السُلطة في كل من أمريكا وبريطانيا، وكانت التجربة الأولىلعقيدة الصدمة على الشعوب من نصيب تشيلي، حيث كانت تشيلي في الخمسينيات والستينيات جمهورية تقدمية، ومثال يُحتذى به مما أثار حفيظة الشركات الأمريكية وأشعرها بقلق و تهديد حقيقي لمصالحها، ولكي تتمكن أمريكا من ضرب الاقتصاد التشيلي، أبرمت جامعة شيكاغو اتفاقية مع الجامعة الكاثوليكية في تشيلي، وعلى أثر الاتفاقية جاء عدد كبير من طلاب تشيلي للدراسة في شيكاغو، عاد الطلاب لبلادهم ليُعلموا غيرهم، وهكذا يتممحو النظام الاقتصادي القائم واستبداله بالرأسمالية بالتدريج، كما حدث فيتشيلي حدث بالضبط في الأرجنتين، ففي عام ١٩٧٦ وقع أنقلاب عسكريبقيادة ثلاث ضباط على رأسهم (فيديلا)، أستغل فتيان شيكاغو الصدمة لتطبيق رأسمالية الكوارث، في غضون عام من الانقلاب انخفضت الأجور بنسبة٤٠%، وأغلقت المصانع وتفاقم الفقر، وكما في تشيلي، لا بد من وجود عدو ونشر الخوف، فانتشرت حالات الاختفاء القسري في وضح النهار، وكالعادة برر الفاشي فيديلا بأنهم يدافعون عنالمجتمع الأرجنتيني، وفي سبيل ذلك تنتهك الحرمات ويُعتقل الأفراد، تلقىعسكريو تشيلي والأرجنتين تدريبات أمريكية لقمع الثوار، والقمع لكل منيُعارض النظام الرأسمالي، بعد كل هذه الأنتهاكات التي مورست بحق الشعب المعارض لسياستهم، سقط النظام العسكري في الأرجنتين، وحكم على(فيديلا ) بالسجن طيلة الحياة. أما تطبيق عقيدة الصدمة في “العراق” فتقول الاستاذة“ناعومي كلاين” بعد دراسة معمقة قامت بها بهذا الصدد: أن العراق تعرضالى ثلاث أشكال من الصدمة، صدمة الحرب، تلاها مباشرة العلاج بالصدمةالاقتصادية والتي فرضها بول برايمر، ومع ازدياد المقاومة للتحول الاقتصادي، بدأت صدمة الإكراه متضمنة التعذيب؛ في عام ٢٠٠٣ أمسك بول بريمر زمام سلطة الاحتلال في العراق، وبعد أسبوعين غير النظام الاقتصادي تماماً، وأعتمد نظام السوق الحرة أمضى الشهور الأربعة الأولى في تمرير قوانينمدرسة شيكاغو فالرأسمالية كانت من أهم قراراته التي أتخذها لهذا الغرض، فصل الألاف من الموظفين من ذوي الخبرة، فبذلك أستفادت الشركات الأمريكيةأستفادة كبيرة من خراب أقتصاد العراق، من هذه الشركات المُستفيدة شركة“بيرنج بوينت“حيث أنها تلقت عقوداً بقيمة ٢٤٠ مليون دولار لبناء نظام السوقفي العراق، وأيضاً معهد “آرتي آي” تلقى عقوداً ب٤٦٦ مليون دولار، لتقديمأستشارات تدعم التحول الديمقراطي، أستعمل الأحتلال بواسطة أدواته فيالعراق كل وسائل الأرهاب ضد العراقيين فكانت الجثث تُلقى على جانبالطريق لإثارة الرعب في النفوس، في السنوات الثلاث الأولى من الاحتلال، كماإن تقارير الصليب الأحمر حينها قالت: قد تم أعتقال واحد وستين ألفاً وخمسمائة عراقي، ومُورست ضدهم شتى وسائل التعذيب في المعتقلات، وبالمجمل ولكل هذه الأسباب المُفتعلة من قبلهم كان كُل أسبوعين يموت ألف عراقي، كماوقد تسبب الأحتلال بنزوح أكثر من أربعة ملايين أنسان حينها، أضافة الى ذلكبرز التمرد الشعبي المتزايد في ظل هذه الفترة بسبب الثغرات الكبيرة فيالجيش والشرطة العراقيين الذي تم أستبدالهم من قبل المُحتل وأذرعه فيالعراق، بذوي الخبرة والكفاءة الذي كانوا موجودين قبل هذا التأريخ عن عمدتحت ذريعة ولائهم للنظام المنحل حسب تسميتهم، أستغلت ذلك القوات الأمريكة وطبقت أفضل الخطط التي تملكها نظر إلى نقص الخبرات العسكرية التيتسببت هي بأحداثها كما أسلفنا الذكر، والتي كانت هي ذريعتها لأحتواءالشارع فأعتقلت العراقيين من الشوارع كما تم الأشارة إليها، وسيق الألافمنهم للمثول أمام عملاء وكالة الاستخبارات المركزية، والذين كانوا معظمهم غيرمدربين – فأخضعوا لاستجوابات عنيفة بغية الكشف قدر الأمكان عن خطط المقاومة، حضنت هذه المشاهد المنطقة الخضراء في الفترة الأولى من الأحتلال، حيث أنها باتت مغناطيساً يجذب الخبراء بالصدم على أنواعهم، ولا سيما أولئكالمختصين بأبشع الفنون الهادفة إلى قمع حركات المقاومة، أما شركات الأمنالخاصة فضمت الى صفوفها قدامى جنود الحروب التي وقعت في كولومبيا، وجنوب أفريقيا و النيبال. تقول نعومي كلاين قال لي جون سيفنون وهو باحث في منظمة هيومن رايتس ووتش للدفاع عن حقوق الإنسان: إن سوء معاملةالسجناء في العراق لم يكن أمراً أعتيادياً أو مألوفاً، فأن هذه الحوادث تقع عادةفي ساحة المعركة، حيث يغطي غبار المعارك أي قانون، فإن الفوضى تكون هيسيدة الموقف، ظهرت هنا صدمة غرف التغذيب، فور بروز الصدمة الاقتصادية الأكثر إثارة للجدل في أواخر آب لذات السنة. خلاصة القول: تقوم آلية التطبيقفي عقيدة الصدمة على محاولة أحداث أكبر قدر ممكن من الفوضى والتىتمس أسس ثقافات الشعوب في نوع من المشاغلة النفسية تحت جو من الشد، وذلك لتحرير خطط القوى التي تسعى لفرض سيطرتها ورؤاها على العالم منخلال الترويج لفكرة أن نموذجهم الأيديولوجي هو حبل النجاة لتلك الشعوب وسط الفوضى التي هم من أحدثها في الأصل، فأن أستغلال وخلق الكوارث لتمرير الرأسمالية، هي الحرية المطلقة لرأس المال، حرية السوق، حرية الاحتقار والاستغلال؛ ففي الرأسمالية مسموح الاتجار بكل شيء ما دام كان مربح حتى في البشر.