الطعنة الثانية بعد “طوفان الأقصى”.. كيف زعزع الحوثيون أسطورة الجيش الذي لا يُقهر
بقلم علي الجابري
في 19 يوليو 2024، تلقت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر! طعنة ثانية غير متوقعة بعد الهجوم الصاروخي الحوثي الذي استهدف قلب تل أبيب.
هذه الضربة تأتي بعد عدة أشهر قليلة من عملية “طوفان الأقصى” المباركة، التي شكلت صدمة هائلة للكيان الإسرائيلي. تلك العملية، التي شنها المقاومة الفلسطينية فجر السابع من أكتوبر 2023، والتي تمكنت من إحداث اختراقات كبيرة عبر البر والبحر والجو في المستوطنات المتاخمة لقطاع غزة.
وبينما كانت إسرائيل تعمل على استعادة هيبتها عبر عمليات عسكرية معقدة، جاء الهجوم الحوثي ليكشف ضعفاً ملحوظاً في المنظومة العسكرية الإسرائيلية وقدرتها على الحفاظ على هيبتها في مواجهة التهديدات الإقليمية المتصاعدة.
هذه الطعنة الثانية لم تكتفِ بإضعاف صورة القوة العسكرية التي طالما روج لها الكيان الغاصب في الإعلام الغربي والأمريكي بأنها غير قابلة للزعزعة، بل أضافت بُعداً جديداً للصراع الإقليمي، مما يفتح أبواباً جديدة للتحديات والمفاجآت في المشهد العسكري والسياسي.
طعنة ثانية
الضربة المباشرة إلى قلب مدينة تل أبيب عبر مسيرة مسلحة، كانت خطوة مفاجئة، هدفت الجماعة الحوثية من خلالها إلى تعزيز مكانتها الإقليمية وإعادة تعريف قواعد الصراع مع الكيان الغاصب.
في الوقت ذاته، أقدمت إسرائيل على رد عسكري معقد ومكلف ضد ميناء الحديدة اليمني، مستهدفةً شريانًا حيويًا يعتمد عليه اليمن في تأمين البضائع والسلع الأساسية.
وهذه الضربة، التي نفذتها إسرائيل بنفسها بعيدًا عن تدخل حلفائها، تعكس محاولتها لاستعادة الهيبة والردع الإقليمي في مواجهة التصعيد الحوثي الذي كسر هيبتها للمرة الثانية.
وبينما تستمر الضغوط العسكرية على الحوثيين من قبل التحالف الغربي، يبرز الصراع الحالي كمرحلة جديدة من التوترات الإقليمية التي قد تفتح أبوابًا لتحولات استراتيجية أكبر في منطقة مليئة بالتحديات.
خلفية الهجمات الحوثية على إسرائيل
وبعد أيام من عملية “طوفان الأقصى”، أعلن الحوثيون استهداف المصالح الأسرائيلية ، وتضمنت إجراءاتهم تهديدات موسعة للملاحة في البحر الأحمر وهجمات متكررة على ميناء إيلات الإسرائيلي، وجه الحوثيون ضربتهم القوية التي هزت الكيان الصهيوني
ولا شك أن هذا الهجوم عكس خطوة متقدمة في استراتيجيتهم، حيث تمكنوا من استهداف عمق الأراضي الإسرائيلية، بعد أن اعترفت إسرائيل بتوقف ميناء إيلات بسبب هذه الهجمات.
وتأتي هذه الهجمات الحوثية في وقت تتفاقم فيه الأزمة الاقتصادية في اليمن، خاصة بعد قرار البنك المركزي في عدن بوقف التعامل مع ستة من أكبر البنوك في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تحاول الجماعة تعزيز موقفها الإقليمي وتحقيق مكاسب سياسية، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مناطقهم.
تعزيز قدرات الردع والمكانة الإقليمية
تهدف الضربات الحوثية الأخيرة إلى تعزيز قدرات الجماعة على الردع وزيادة مكانتها الإقليمية بشكل ملحوظ.
ومن خلال تنفيذ هجمات متقدمة على عمق الأراضي الإسرائيلية، يسعى الحوثيون إلى ممارسة ضغط أكبر على الحكومة اليمنية الشرعية لدفعها لتقديم تنازلات سياسية. وقد أعرب عبد الملك الحوثي عن ترحيبه بانتقال المواجهة إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، واصفًا ذلك بأنه جزء من “المرحلة الخامسة من العمليات غير المحدودة بالزمن أو بالأفق”.
ويرى الخبراء أن هذا التصعيد يعكس نية الحوثيين في توسيع نطاق مواجهاتهم، ليس فقط مع إسرائيل، بل قد يمتد ليشمل دولًا إقليمية أخرى مثل السعودية والإمارات. تصاعد هذه المواجهة يشير إلى سعي الحوثيين لزيادة تأثيرهم الإقليمي وتعزيز موقفهم كقوة فاعلة في الصراع الإقليمي.
الأبعاد الاستراتيجية للمواجهة مع إسرائيل
فتح الحوثيون جبهة جديدة في اليمن لمواجهة إسرائيل يمثل تحولًا استراتيجيًا يعقد جهود تل أبيب في التركيز على تهديداتها الرئيسية. على الرغم من أن تأثير هذه الهجمات قد يبدو محدودًا من حيث النتائج العسكرية والأمنية المباشرة، إلا أن الجغرافيا الوعرة في اليمن تزيد من صعوبة استمرار إسرائيل في عملياتها العسكرية في هذه المنطقة لفترة طويلة. هذه الضغوط تُسهم في تفاقم الانتقادات الدولية لإسرائيل وتمنح إيران فرصة لتطوير استراتيجيات جديدة تعزز من نفوذها الإقليمي.
ومن هنا يرى المراقبون، أن الاستراتيجية الحوثية التي تنسجم مع تكتيكات “محور الممانعة” تتبنى أسلوبًا مشابهًا لأساليب “القتل بألف طعنة” التي استخدمتها إسرائيل وأمريكا ضد إيران سابقًا. من خلال هذا النهج، يهدف الحوثيون و”محور الممانعة” إلى تقويض قوة إسرائيل بوسائل متعددة ومتنوعة، مما يؤدي إلى تعميق الصراع وتعقيد الديناميات الإقليمية.
الرد الإسرائيلي على ميناء الحديدة
في خطوة تهدف إلى تحقيق أهداف متوازية مع تلك التي يسعى الحوثيون لتحقيقها، حرصت إسرائيل على تنفيذ ضربة مباشرة ضد ميناء الحديدة.
هذه الضربة كانت جزءًا من جهود إسرائيلية لاستعادة ردعها الإقليمي والحفاظ على هيبتها ومكانتها على الساحة الدولية. على الرغم من أن تنفيذ العملية كان معقدًا من الناحية اللوجستية ومكلفًا ماليًا، إلا أن إسرائيل اختارت القيام بها بنفسها بدلاً من الاعتماد على حلفائها.
هذا القرار يعكس إدراكًا إسرائيليًا عميقًا للتآكل في هيبتها نتيجة الضغوط الحوثية. الضربات التي نفذها الحوثيون قد أثرت على قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها بشكل فعال، مما دفعها إلى تصعيد الإجراءات العسكرية بنفسها.
من جهة أخرى، كانت الضربات الأمريكية والبريطانية على مواقع الحوثيين مستمرة، لكن إسرائيل اختارت أن تكون الضربة على ميناء الحديدة ذات طابع خاص.
هذا الميناء، الذي يعد مدنيًا ويعتبر شريانًا حيويًا للسلع الأساسية، لم يكن من السهل على قوات التحالف استهدافه لأسباب متعددة، مما جعل إسرائيل تأخذ زمام المبادرة في هذه المهمة.
ويبقى أن، تلقي أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر ضربة ثانية عبر الهجوم الحوثي على تل أبيب في 19 يوليو 2024، يعكس تحولًا كبيرًا في ميزان القوى الإقليمي، بعد أشهر قليلة من عملية “طوفان الأقصى” التي أحدثت صدمة عميقة للكيان الإسرائيلي، يأتي الهجوم الحوثي ليكشف عن مدى تآكل الهيبة العسكرية لإسرائيل ويزيد من تعقيد المشهد الاستراتيجي في المنطقة.