
عقدت الجامعة العربية قمتها في بغداد يوم السبت الموافق في السابع عشر من أيار (مايو) 2025 برئاسة رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، تحت شعار “حوار وتضامن وتنمية” والذي كان من أهم أهدافها أبراز السيادة التي لم تتحقق تحت إرادة الدول المُتحكمة في المشهد السياسي العراقي من جهة والمشهد السياسي العربي من جهة ثانية، حيث شاهدنا كيف أن ترامب قد زار دول الخليج (السعودية، وقطر، والأمارات) قُبيل أنعقاد هذه القمة من الجانب الأمريكي، كما وان قاآني قد زار بغداد قبل هذا التاريخ بيوم من الجانب الأيراني، فأن حتى الشكلية الناجحة في هذه القمة لم تتحقق، حتى على مستوى الحضور وليس التنفيذ والذي هو أضعف ما يمكن أن يتحقق في مثل هذا النوع من القمم، حيث لاحظ فيه المُتابع العراقي والعربي بعين ناقدة من عدم جدوى القمة في تكرارها، حيث تم عُقدها بعد أقل من شهرين من قمة القاهرة، مما جعلهم يعتبرونها خطوة زائدة لا تضيف جديداً، فضلاً عن ان هذه الجزئية جعلتهم يُقارنون من حيث الحضور للزعماء العرب في القمتين وكيف ان أغلبهم قد حضروا في قمة القاهرة وتخلفوا عن الحضور في قمة بغداد، فإن زعماء خمسة دول فقط هم من حضروا بشكل فعلي، أما بقية الدول العربية فقد أرسلوا مندوبين عنهم متمثلين بوزراء خارجيتهم، كما وأن هناك دول عربية لم تحضر أساساً ومنها ليبيا وموريتانيا، هذا الغياب يعكس الانقسامات الداخلية في العالم العربي ويؤثر على فعالية القمة في تحقيق التوافق العربي مع العراق بشكل خاص، كما وان البروتوكول كان غائباً بشكل واضح مما تسبب بعدم ألقاء زعيم قطر كلمته وراح منسحباً من القمة، اما بما يخص القيود التي فرضتها السلطة على الشارع العراقي ومنها حظر على التظاهرات والاحتجاجات خلال فترة انعقاد القمة، فقد أثارت أنتقادات بشأن تقييد حرية التعبير، هذا الإجراء دفع البعض إلى التساؤل عن مدى التزام الحكومة بحقوق الإنسان في ظل الظروف الراهنة، كما وأن الحكومة قد عطلت الدوام الرسمي لكافة الوزارات في بغداد عدى وزارة التربية قبل وبعد القمة في الخميس والأحد المُصادفين 15 و 18من الشهر الجاري، لكي تظهر الشوارع في بغداد أمام الوفود بلا ازدحام مروري كما هو مُعتاد في خلال العشرين سنة الماضية والى اليوم كجانب من الحلول الترقيعية، في حين ان القضية الفلسطينية التي كان مُعولاً عليها في زعمنا أنها قد تم الاتفاق على مُخرجات لها كذلك هي لم تتحقق وشاهِدُنا في ذلك هو كيف ان القصف الصهيوني كان مُكثفاً صباح اليوم التالي على غزة اي بعد ساعات لم تصل عددها الى تغطية يوم واحد من انعقاد هذه الجلسة، كما وأن القمة لم تُغير من الانقسام العربي والمواقف المتباينة بشأن ملفات حساسة مثل التطبيع، مما جعل من الصعب التوصل إلى توافق حقيقي، فضلاً عن أن بقية أهداف الجلسة المُتمثل في تعزيز التعاون الإقليمي والدولي قد واجهت عدة انتقادات وسلبيات، منها غياب التأثير الفعلي، كما انها قد أثيرت توترات إقليمية طغت على الحوار منها الصراعات بين بعض الدول المُشاركة، لدرجة أثّرت على إمكانيات التفاهم الحقيقي، كما ان ما قلل من زخم الحدث هي الظروف الأمنية والسياسية المُتوترة في العراق، حيثُ أن هذا العامل قد أثار تساؤلات حول قدرة بغداد على لعب دور قيادي إقليمي، أضافة إلى ذلك قد أتهمت بعض الأطراف باستخدام القمة لتلميع صورة الحكومة العراقية أو لأغراض انتخابية، بدل التركيز على مصالح دولية وإقليمية حقيقية، كما ان القمة قد أفتقرت إلى الاستراتيجية طويلة الأمد، حيث لاحظنا غياب في الرؤية الاستراتيجية مما جعلها أقرب إلى حدث دبلوماسي رمزي منها إلى منصة عملية لتكامل المناخ العربي والإقليمي.
على الرغم من هذه السلبيات، فإن القمة شهدت بعض المبادرات الإيجابية، مثل تأسيس “غرفة التنسيق الأمني العربية المشتركة” ومبادرات لدعم إعادة إعمار غزة ولبنان، ومع ذلك تبقى تساؤلات حول مدى تنفيذ هذه المبادرات وتجاوز التحديات الداخلية والخارجية، حيث أن القرارات التنفيذية أنتهت ببيانات ختامية عامة دون نتائج ملموسة أو آليات واضحة لتنفيذ التعاون بين الدول.