صحافة وآراء

الكيان الإسرائيلي وإستراتيجية الصفعات العشر؟!

بقلم فضل المهلوس

هناك قول مأثور يتردد بكثرة، مفاده: “مَن عَرَفَ لغة قومٍ أمِن شرَّهم”، واللغة تعني ليس المفردات اللفظية الصادرة عن اللسان، فهي مجرّد تعبير شكلي عن جوهر ثقافة وسلوك وماهية علاقات قوم ما بين أفراده من جهة والأقوام الآخرين من جهة أخرى، لتُشكّل مُجتَمِعة محددات هوية قوم ما تُميّزه عن غيره.. وهنا سنُحاول تسليط الضوء على واحدة من محددات السلوك الصهيوني المُجَسَّد في الكيان الإسرائيلي، التي ربما يتفرّد بها عن سائر أقوام المعمورة شكلاً ومضموناً، ألا وهي إستراتيجية الصَّفعات أو الضَّربات العشر، والتي يجري انتهاجها حالياً بأبشع صُورها..؟!

بداية، تُستَمَدّ هذه الإستراتيجية مما هو وارد في الأساطير الخرافية التوراتية عن الضربات العشر لمصر الفرعونية في الإصحاحات السابع والثاني عشر من سفر الخروج، والتي يُجمِع علماء الكتاب المقدس على أن العهد القديم دُوِّن لأول مرة حوالي 600 قبل الميلاد، ثم حُرِّرَت وحُدِّثَت قصصه مع مرور الوقت، علماً بأن قصة الخروج حدثت حوالي 1300 قبل الميلاد، أي أن التدوين جاء بعد ما يقارب سبعة قرون من حدث الخروج، وتوالت بعد ذلك عمليات التحرير والتحديث المتواصلة..؟!

وبعيداً عن الغوص في نصوص سفر الخروج الدالّة على الضربات العشر ودلالاتها المشينة، وخصوصاً في العقاب الجماعي وإبادة الحياة للبشر والحجر والحيوان وحتى النبات، ممثَّلة في: الدّم، الضفادع، البعوض، الذباب، طاعون الماشية، الدّمامل، عواصف بَرَد ونار، الجراد، الظلام، موت الأطفال البُكور للمصريين. ترتكز الإستراتيجية الصهيونية ثم تجسيدها العملي مُمَثَّلاً في الكيان الإسرائيلي، على توجيه ضربات متلاحقة دون فاصل زمني، بحيث تُربِك الخصوم، وتحول دون دراسة وتنفيذ الردّ المشروع، فيقعوا في حيرة على أيّ ضربة سيردّون، ومتى وكيف سيردّون، بحيث ستُنسيهم الضربة اللاحقة ما سبقها من ضربات، وهكذا دواليك..؟!

وهذا ما انتهجه الكيان في الآونة الأخيرة، ولا يزال، فمِن ضرب ميناء الحديدة المدني اليمني، إلى مجزرة خان يونس بدعوى إغتيال محمد الضيف، إلى ضرب مبني سكني في ضاحية بيروت بحجة إغتيال القائد في حزب الله فؤاد شكر، إلى ضرب بابل العراقية، إلى إغتيال إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، إلى قصف العاصمة السورية دمشق، والحبل على الجرّار… كل ذلك، وإن كان يشي عن ضعف الكيان عن المواجهة العسكرية في الميدان، إن لم يكن هزيمته، وتُعبّر عن وضاعته وخِسَّته في صناعة نصر زائف على حساب دماء الأبرياء، لهدف دفين في نفسه المُشبَعة بالأمراض العُضال.. فإنّه يعكس خللاً في فهم طبيعة هذا العدو اللئيم، وكيفية التعاطي معه، بل وإعداد سيناريوهات وخطط مسبقة، للرد الفوري والسريع أولاً بأول، بغية كسر هذه السلسلة الإجرامية، ولجمه بصورة ناجزة عن مجرّد التفكير في التمادي بانتهاج هكذا استراتيجية سوداء. فهل يُقدم المعنيون على فعل ذلك، حَقْناً للمزيد من الدماء، والكثير من الدّمار بشتى صوره وتعبيراته. كما أن التأخير في الردّ يُعطي الكيان ليس فقط التمادي في هذه الإستراتيجية العدوانية فحسب، وإنّما تمنحه الفرصة الكافية ومعه كافة صانعيه وداعميه لتحضير دفاعاته، وإضعاف الردّ إن لم يكن إفشاله، وهذا هو المُنى والمُراد كذلك..؟!

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى