لا شك أن العداء الأميركي – الغربي لروسيا الاتحادية متوارث ما بين الإدارات الأميركية وأتباعها الغربية وليس في السياسة والقوة الصلبة فحسب وإنما في القوة الناعمة فلا يخلو فيلم أميركي من إنتاج هوليود إلا ويمر فيه ترويج عن العداء لروسيا أو الاستخبارات الروسية ليصوّر لنا وكأنّ روسيا “الشيطان” المدمّر للعالم وأميركا “الملاك” المنقذ للعالم إنما ورغم كل التجييش الإعلامي ضدّ روسيا بكل الأدوات لم تستطع الولايات المتحدة من إغراء العقول وكسب القلوب لتغطي على جرائمها ضدّ الإنسانية بدءاً من دعم إسرائيل في جرائمه ضدّ الفلسطينيين وليس انتهاءاً بدعم أوكرانيا بجرائمها ضدّ الروس مروراً بإثارة الصراعات وتغذيتها برافد الإرهاب في غرب آسيا بل في أنحاء العالم فهم من أوجدوا “داعش” باعترافاتهم ولا نبالغ إن قلنا بأنّ “الناتو” و”داعش” هم وجهان لعلمة واحدة قوامها ومضمونها التطرف والإرهاب إنما الخلاف فقط في أشكالهم بين “إرهاب الكرافتات” و”إرهاب اللحى”..
وهذا ما يمنحنا تفسير ما حدث في ضواحي موسكو في الرابع والعشرين من آذار الحالي فهناك الكثير من “المصادفات” بهذا الهجوم الإرهابي، حيث لا داعي للبحث عن تفسيرات معقدة لها، حينما توجد تفسيرات بسيطة، فكما جرت العادة حين ينهزم الغرب ويخسر في المعركة يتجه نحو قتل المدنيين وفي السابع من آذار الحالي، أصدرت السفارة الأمريكية لدى موسكو تحذيرا لرعاياها المواطنين الأمريكيين بشأن احتمال وقوع هجمة إرهابية ضد “تجمعات كبيرة من الناس في موسكو، بما في ذلك الحفلات الموسيقية”، وبعد الهجوم الإرهابي، سارعت وسائل الإعلام الغربية والأميركية على الفور بسرعة أكبر من المعتاد للأعلان بأن الهجوم الإرهابي نفذه الفرع الأفغاني لتنظيم “الدولة الإسلامية”، والذي لم يسبق له القيام بأي أعمال ضد روسيا.
ولا ننسى أنّ الكثير من الهجمات الإرهابية كانت تحدث في موسكو وربما يومياً مع بداية العملية الروسية الخاصة ومنها اغتيال ابنة ألكسندر دوغين وتفجير جسر القرم وخط السيل الشمالي وغيرها إنما الجديد هنا هو الهجوم على حفل موسيقي وعملية قتل عشوائي وبذات أسلوب “داعش” عبر إثارة الرعب وحصد أكبر عدد من الأرواح وباعتبار أنّ الناتو هو “داعش” أو “داعش” هو وليد الناتو كما “النازيين” الأوكرانيين هم صنيعة الناتو فلا شك أنّه لقنهم الدرس جيداً ليبدو صنيعة “إرهابية – نازية” تحميه من أصابع الاتهام. لأنه من المعروف أن تنظيم القاعدة وداعش تم إنشاؤهم بواسطة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وتم تسليح “داعش” ودعمه من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية كعدو للدولة السورية. كما تمّ تسليح ودعم “النازيين الجدد” كعدو للدولة الروسية وكل من “النازيين الأوكران” و”داعش” أداتان متساويتان في يد واشنطن، ومشاركة أحدهما لا تستبعد مشاركة الآخر.
كما لا ننسى أن في موسكو حوالي 7 مليون أوكراني وحين بدأت العملية الخاصة نزح الكثير إلى روسيا وتم منحهم الباسبورات فوراً وهذا يعني أيضاً حق العمل رأساً وهم موجودون في كل مبنى تقريباً، وهذا ما يطرح تساؤل حول كيفية مررو “الإرهابيين” وكل المراكز التجارية تحوي في مداخلها على حساسات الأسلحة..! كما أنّ كل الحرائق التي حدثت في السابق كانت من موظفين فيها وبشكل خاص الحرّاس..! وفيما بعد تم إلقاء القبض على المتهمين (وجميعهم من طاجيكستان) في بريانسك وكانت جهة تقوم بإعداد طريق آمن لهم إلى أوكرانيا وهذا يطرح تساؤل أيضاً حول هذه الجهة المتورطة أيضاً.. والجدير بالذكر أنّ الكثير من الطاجيك ذهبوا إلى الحرب مع بداية العملية الروسية وحينها أصدر رئيس بلدهم مرسوماً منع بموجبه ازدواج الجنسية.
وربما تشير الأصابع إلى ضلوع التركي أيضاً وهذا أمر غير مستبعد خاصة وأنّ أحد المتهمين ظهرت له صوراً كان في تركيا الشهر الماضي وتمّ تجنيده عبر التيلغرام ناهيك عن أنّ التركي نفسه أعلن منذ فترة عن تفكيك خليتين للموساد واعتقال الجواسيس وفي المقابل التركي غارق بالصراع في غزة وفي أول الحرب سحب منصات عائمة للتنقيب عن الغاز من شواطى غزة ورغم كل استعراضاته ما يزال متصدر دول الداعمة لإسرائيل سواء من حيث الغذاء أوالسلاح وبشكل خاص (الإسمنت والفولاذ)..
وبالنسبة للصراع في أوكرينا فهو مؤخراً وافق على انضمام فنلندة والسويد للناتو وهذا ما نتج عنه نشر صواريخ الناتو على حدود روسيا الشمالية – الغربية الأمر الي دفع بروسيا إلى نشر النووي في هذه المنطقة كما أنه تمّ إغراء الحكومة التركية في ربيع عام 2023، من خلال توجيهها نحو استراتيجية تتماشى مع الولايات المتحدة وإسرائيل ولكنها وقعت في فخ السياسة الأميركية وفي هذا الفخ، تنأى الحكومة التركية بنفسها عن روسيا وفلسطين وسورية وإيران والصين. وفي هذا الفخ، فتحت الحكومة مجالات جديدة للتهديد الأميركي من خلال الموافقة على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي. وفي هذا الفخ، تمنح تركيا الإرهابيين المتواجدين في سورية فرصة للتنفس بل وتعمل على تسهيل مرورهم عبرها إلى أوكرانيا وروسيا وتدعم زيلنسيكي عسكرياً، وفي هذا الفخ، تسيء تركيا إلى روسيا وإيران وتعرض أمن الطاقة لديها للخطر بل وتعزل نفسها في شرق البحر الأبيض المتوسط وتدعم إسرائيل عسكرياً وغذائياً، وفي هذا الفخ أيضاً تتورط تركيا بهجوم المركز التجاري وتسيء للشعب الروسي..
بالتالي فإنّ كل الامور مرتبطة ببعضها البعض خاصة وأنّه كان هناك معلومات حول إعداد مخطط أمني يشمل سلسلة تفجيرات في المنطقة المشرقية برمتها وكان المخطط متسلسل ومترابط مع بعضه البعض وتشير المعلومات إلى أنّ أهداف المخطط الأمني كانت مؤسسات حكومية ومرافق عامة غير أنّ التنسيق الإستخباراتي ما بين دول المنطقة المشرقية أحبط هذا المخطط ودفنه في مهده قبل أن يولد حتى وكانت دلالة إحباطه في الهجوم الذي نفّذ ضدّ “الموساد” في أربيل وهذا الأمر يوحي بأنّ محاولات الإنتقام “الناتوي – الصهيوني” اليوم تظهر في الهجوم الإرهابي على المركز التجاري في ضواحي موسكو فالحرب اليوم هي حرب الاستخبارات وهي مغايرة عن سابقاتها وربما هي حرب “من تحت الحزام” تستخدم شتى الوسائل “القذرة” لتحقيق الغايات المطلوبة ومن هذه الوسائل القذرة اختيار هذا المركز التجاري تحديداً دون سواه خاصة وأنّ الاعترافات الأولية كانت تقول بأنهم أرسلوا خصيصاً لتنفيذ عمليتهم في هذا المركز الأغلى في روسيا والذي تقع مسؤولية حمايته على المالك (باعتبار أنّ مسؤولية حماية الممتلكات الخاصة تقع على عاتق المالك حكماً) وتجدر الإشارة أنه مملوك لقريب الرئيس إلهام علييف، ناهيك عن أن موسكو تضم الكثير من المراكز التجارية وأكبر من هذا المركز ومنها سلسلة غلوبوس التركية وسلسلة لوران مارلي العملاقة وأسواق ومراكز تجارية عملاقة لليهود أيضاً ولكن ما يميّز هذا المركز هو احتوائه على قاعة موسيقية ما يعني أنّ الحكاية ليست إرهاب فقط ويبدو أنّ مصالح اكتر من جهة اجتمعت مع بعضها البعض لتنفذ هذه العملية منها الصراع المالي الطاحن بين يهود أذربيجان والمسلمين وبين المافيات التركية والموساد وبين الناتو بما يضمه من أميركا ودعمه لأوكرانيا في الصراع مع روسيا ..
ومنذ البداية اختار “الناتو” وتركيا كعضو فيه، الإرهاب كأحد الأساليب الرئيسية لمحاربة روسيا منذ اليوم الأول للحرب في أوكرانيا. ووفقا للأوكرانيين أنفسهم، فإن “الناتو” يشارك بشكل مباشر أو بطرق أخرى في 90% من عمليات أوكرانيا ضد روسيا. وبطبيعة الحال، فإن هذا ينطبق أيضا على الهجمات الإرهابية التي تشنها وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية. وبإمكاننا القول إن الهجوم الإرهابي الرهيب في موسكو “مفيدا” و”ضروريا” لعدة أطراف وإذا حكمنا من خلال مستوى تنسيق الهجوم الإرهابي، فقد تم التخطيط له من قبل محترفين، كما هو الحال في الهجمات الأخرى ضد روسيا. لا زلنا لا نعرف التفاصيل بعد، لكن الخيار الأكثر ترجيحا هو أنه تم بأوامر أميركية – ناتوية، وأوكرانيا هي الجهة المنظمة، والمنفذ بمشاركة “داعش”..
لتبدو الصورة أننا ذاهبون نحو الإنفجار وما حدث في موسكو هو تفصيل في تلك الصورة الكاملة المنسوخة بتفاصيلها كاملة عن ظروف عشية الحرب العالمية الثانية إنما الكارثة الكبرى هي أنّ الحوار وخطوط التفاوض مقطوعة تماماً وتم استبدال الحوار بالمناورات البحرية والتي جاءت بعد فشل الاجتماع “النووي” في الرياض الذي جمع كلاً من روسيا والصين وامريكا وفرنسا وبريطانيا وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ “فرنسا وبريطانيا دول تملك النووي ولكنها لا تصنّعه فالتصنيع أميركي” وربما هذا هو السبب وراء التبعية العمياء للولايات المتحدة .. فالغرب الناتوي سيستخدم كل أدواته، وإذا لم ينجح في هذا، فلن يتبقى أي خيار آخر أمامه سوى الصدام المباشر مع روسيا