صحافة وآراء

متهوران خائفان هذا ما ينطبق على قرارات بايدن وتابعه شولتس

بقلم د. علي عزيز أمين

• لافروف: بايدن بات مثيرا للشفقة لأسباب إنسانية بحتة، وأنه بات من الصعب حتى فهم كيف تتكون الأفكار في رأسه ثم تتحول إلى تصرفات.

لم تهدأ التعليقات والتصريحات من مختلف أنحاء العالم وبتباين شديد على الحدث النوعي الذي تضمن سماح الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا لكييف باستخدام أسلحتهما لقصف عمق الأراضي الروسية، ما دفع بكييف لتوجيه الشكر لكل من واشنطن وبرلين على تفهمهما لمطالب أوكرانيا.

تردد الجبناء
ولكن لم يمضِ سوى ساعات قليلة على هذه الإعلانات حتى سارعت الولايات المتحدة إلى التخفيف من حدة هذا الإعلان وأكدت أن الرئيس بايدن لا يريد إطلاقا أن يكون مساهما في نشوب حرب عالمية ثالثة، أو أن يكون سببا لها، حيث أعلن جون كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض أن الرئيس بايدن لا يريد أن يكون سببا في حرب عالمية ثالثة، ومتى جاء هذا التصريح؟ جاء بعد فترة وجيزة جدا بعد أن أعلن بايدن عن السماح لأوكرانيا بضرب عمق الأراضي الروسية معلّلا ذلك بأن بوتين حسب انطباعاته ديكتاتور ويعرفه كماكر منذ أربعين عاما. لكن كيربي نفسه سرعان ما أوضح أن الجيش الأوكراني يستطيع أن يستخدم الأسلحة الأمريكية، ولكن على نطاق محدود وفي منطقة خاركوف وحسب!
وقام شولتس بالخطوة ذاتها حين سمح بعد تردد طويل الأمد لكييف بضرب عمق الأراضي الروسية، وكلاهما برر ذلك بأن أوكرانيا في مثل هذه الحالة تدافع عن نفسها انطلاقا من أن هناك قذائف وصواريخ تنطلق من الأراضي الروسية، وليس من المناطق التي سيطرت عليها روسيا داخل أوكرانيا ثم ضمتها إليها، وبالتالي لابد من السماح للقوات الأوكرانية بقصف تلك الأهداف العسكرية داخل الأراضي الروسية التي تعد العدة لقصف المواقع الأوكرانية.

ردود فعل صاخبة أرعبت أصحاب القرار
أثار ذلك بالطبع ضجة هائلة وبدأت التقديرات بأن هذه الخطوة يمكن أن تسفر عن صِدام مباشر مع روسيا، فما الذي حدث بعد ذلك؟ ألمانيا أساسا تتبع كل خطوة تقوم بها الولايات المتحدة، وهذا ما يفسر تصريح الرئيس الروسي قبل حين قال بأن فقدان ألمانيا السيادة هو إحدى أهم مصائبها، لكن الأمر بات يشبه المضحك المبكي بالنسبة لواشنطن، وخاصة أن الرئيس بايدن يستعد في الخريف القادم لخوض تنافس حاد في الانتخابات الرئاسية، فكيف يقنع شعبه من جهة أنه يدعم أوكرانيا وأنه في الوقت نفسه لا يريد إشعال حرب عالمية ثالثة؟ لا بد إذن من تصريحات تخفيفية خاصة أن موسكو أوضحت أنها سترد بشكل متكافئ، بل إن مدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي أعلن بوضوح أن الغرب مخطئ تماما حين يتصور أن بإمكانه أن يفعل كل شيء دون أن تستخدم روسيا أسلحتها النووية التكتيكية على أقل تقدير واعتبره واهما في ذلك.
هنا بدأت التصريحات الأمريكية التراجعية التي تدعو إلى السخرية، فقد أعلن بايدن بعد تصريحاته النارية ضد روسيا، وحتى انتقاده الذي يشبه الشتائم للرئيس بوتين أنه لا يسمح لأوكرانيا بمهاجمة موسكو أو الكرملين وهو بالفعل تصريح يستدعي السخرية، لأن أوكرانيا لو قصفت الكرملين لحكمت على نفسها بالفناء نهائيا، وقد أعرب وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عن شعوره بالأسى تجاه الرئيس الأمريكي إثر تصريحاته هذه، مضيفا أن بايدن بات مثيرا للشفقة لأسباب إنسانية بحتة، وأنه بات من الصعب حتى فهم كيف تتكون الأفكار في رأسه ثم تتحول إلى تصرفات. وقد أشار بايدن إلى أن واشنطن لا تسمح لكييف بشن ضربات على مسافة 322 كيلو متر في عمق الأراضي الروسية.

تردد تمهيدي
السر في أن بايدن نفسه اعترف بأن قرار السماح للقوات الأوكرانية بضرب أهداف داخل روسيا بأسلحة أمريكية قد يجر الغرب إلى الصراع مع روسيا، ولكن نظريا!!! طبعا هذا تعبير بعيد عن الصياغة السياسية والدبلوماسية، فجرُّ بلد ما للصراع نظريا يعني عدم حدوث هذا الانغماس واقعيا، أو أنه احتمال بعيد عن التحقق، وبما أن تصريحه هذا جاء ردا عن سؤال وجِّهَ له في باريس حول إمكانية أن يجرَّ القرار الأمريكي إلى توريط الدول الغربية والولايات المتحدة إلى الصراع المباشر، أي أنه عمليا يحاول تطمين الغرب بأن روسيا ستتعامل بهدوء مع هذه القرارات، ولن تصعد المواجهة مما يتناقض مع ما طرحه مدفيديف حول استخدام روسيا للأسلحة النووية التكتيكية، خاصة أنه أوضح أن موسكو تدرك أن جميع الأسلحة بعيدة المدى التي يقدمها الغرب لأوكرانيا يشرف عليها عسكريون من دول الناتو، وهذا يعني مشاركة مباشرة بالحرب ضد روسيا . لكن عبارة بايدن نفسها ليست حجة في التعامل السياسي زمن الحروب، فتقدير الرئيس الأمريكي بأن هذا الاحتمال غير مرجح لا يعني أبدا أنه مستبعد نهائيا، والدول وخاصة العظمى تحترس وتأخذ احتياطات مكثفة حتى أن كان احتمال وقوع هذا الحدث أو ذاك بنسبة واحد في المئة.

البادي أظلم
تحذير موسكو كان أشبه بتهديد مصيري يعيد إلى الأذهان حتى نشر الصواريخ السوفييتية في كوبا، والتي كادت واقعيا أن تنتهي بحرب نووية، وقد أنقذ الاتحاد السوفييتي العالم بالعدول عن نشر صواريخه في كوبا عام 1962 لقاء تعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا، لكن الولايات المتحدة لا تزال مصرة على جعل أوكرانيا منصة للناتو ولو بعد حين، ولو فعلت كما فعل الاتحاد السوفييتي عام لصانت العالم بل ولقدر العالم موقفها كما قدر موقف الاتحاد السوفييتي الحكيم آنذاك، لكم المنطق الصبياني الذي يذكر بخلافات أولاد الحارة أدى إلا أن يعبر عن ذاته في هذا الوقت العصيب فتمسك الغرب والناتو بمواقفه ودعمه لأوكرانيا التي باتت أشد سعارا من الغرب نفسه مع تنامي النزعة النازية الجديدة، وكل ذلك بحجج واهية لا تنطلي حتى على أطفال الحارة، بحجة أن أوكرانيا بلد ذات سيادة ويحق لها أن تفعل ما تشاء، وماذا أليست كوبا بلدا ذا سيادة أيضا. هذا رغم المفارقة الكبيرة في حجم القوة فقد كانت القوة النووية لدى الولايات المتحدة تفوق القدرة النووية لدى روسيا بقرابة ثماني مرات، في حين أن لدى روسيا حاليا قرابة ستة آلاف رأسي نووي استراتيجي وقرابة 2000 رأس تكتيكي في حين لدى الولايات المتحدة 6428 رأس استراتيجي و200 رأس تكتيكي فقط، وهكذا أعلن بوتين بوضوح ردا على هذا التجاوز الخطير أنه يستطيع أن ينشر أيضا صواريخ في بعض بلدان العالم الصديقة له يمكن وقت الضرورة أن توجه روسيا من خلالها ضربات موجعة لتلك الدول التي تقدم السلاح لأوكرنيا، بمعنى أن لسان حال روسيا يقول: إن كان البعض يعتبر أنه يستطيع توريد هذه الأسلحة إلى منطقة القتال لضرب أراضينا وتهديدنا والإضرار بنا فلماذا لا يكون لدينا مثل هذا الحق لكي نرسل أسلحة مماثلة إلى مناطق في العالم يمكن أن نوجه منها ضربات إلى مواقع حساسة في تلك الدول التي تقوم بهذه الخطوات بالذات تجاه روسيا.

تخبط المواقف الغربية
إذن قلب بوتين المعادلة بشكل ذكي ومنطقي، وقد أعلن بيسكوف أن الدول الغربية تلقت رسالة الرئيس بوتين الرمزية الواضحة هذه، وأن على الغرب وأوكرانيا فهم أن روسيا لن تتخلى عن مصالحها، ويرى بعض الآراء الغربية المستقلة أن هذه الإجراءات الغربية تجاوزت الخطوط الحمراء، حتى أن النائبة في البرلمان الألماني “سارة فاغنكنخت” اعتبرت ضرب عمق الأراضي الروسية بالأسلحة الألمانية جنونا، وشددت على أن الحرب تنتهي لا بأصوات المدافع بل بمفاوضات السلام.
وحتى الرئيس الأمريكي السابق ترامب اعتبر أن تطور الأوضاع في أوكرانيا وترحيب كييف بالسماح لها بقصف عمق الأراضي الروسية سيؤديان إلى نشوب حرب عالمية ثالثة، في حين اعتبر أوستن وزير الدفاع الأمريكي قرار قصف عمق الأراضي الروسية مفيدا جدا، بحيث لا يعطي لروسيا فرصة لكي تهزم أوكرانيا، أما عن ردود الفعل الدولية فقد طلبت روسيا عقد اجتماع في مجلس الأمن يوم 14 يونيو الحالي لبحث إعطاء الضوء الأخضر لأوكرانيا بقصف عمق الأراضي الروسية بالأسلحة الغربية التي أرسلت لها، ويمكن منذ الآن الحديث عن السيناريو الذي سيجري يوم الرابع عشر من يونيو الحالي دون أية حالة تنبؤية ميتافيزيقية، الذي سيجري هو أن الدول التي تملك حق النقض الفيتو ستقف ثلاثة منها مع تبرير هذا القرار وحتى استخدام إحداها حق النقض لإفشال أي مشروع يدين أو ينتقد هذا القرار، فيما ستكوّن روسيا والصين في الجبهة المواجهة للتأكيد على ضرورة إنهاء هذه الكارثة بالنسبة للشعب الأوكراني الذي تدفعه شركات السلاح الأمريكي إلى الفناء لتحقيق أهدافها عبر شعار سنقاتل روسيا حتى آخر جندي أوكراني.

كاتب

  • د. علي عزيزأمين

    مسؤول المكتب السياسي لتنظيم البديل الثوري للتغيير في العراق. ورئيس مؤسسة بابل للدراسات والأبحاث والإعلام والأخبار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى