• ما تعتبره واشنطن مطالب جديدة من حماس هو تأكيدها على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن بمراحله الثلاثة والتي من الواضح أن إسرائيل لا تريد ذلك.
استمرار المحاولات الأمريكية في تشويه حماس
كنا قد ذكرنا قبل يومين في مادة سابقة بعنوان “تعليق صغير ممتلئ على خبر كبير فارغ” أن هناك محاولات خبيثة من واشنطن لتوجيه اللوم إلى حماس معتبرة أن إسرائيل راضية بهذا القرار لكن حماس هي التي تسعى إلى إعاقته، وتوقعنا أن تتابع واشنطن نهجها هذا نتيجة طبيعتها الموالية لإسرائيل.
وكتأكيد على تصوراتنا وتوقعاتنا وكمصداقية إعلامية لما نشرناه في المقالة المذكورة، يطلع علينا وزير الخارجية الأمريكي بلينكين بتصريحات يدعي فيها بأن حماس اقترحت عدة تغييرات في ردها على مقترح وقف إطلاق النار، الأمر الذي أكده مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في اليوم التالي لنشر مقالنا المذكور، بتصريحات جديدة تشكك مجددا بموقف حماس، وهذه المرة بصيغة مواربة قليلا انطلاقا من أمر اعتبره حقيقة واقعة حيث أعلن أن واشنطن ستعمل مع الوسطاء مصر وقطر على سد الفجوات في التغييرات التي اقترحتها حركة حماس لإجراء تعديلات على المقترح الأمريكي، ولا بد من التنويه بأن الأمر يدور حاليا حول تنفيذ المرحلة الأولى من قرار مجلس الأمن لأن المرحلتين الثانية والثالثة تتطلب مفاوضات بين الطرفين حماس وإسرائيل التي من الواضح مسبقا أنها لن توافق على مضمونهما.
التعديلات تحتاج إلى قرار جديد
طبعا من الواضح أن هذا الكلام يقصد ليس فقط الاتهام بل وتشويه سمعة حماس، وحتى فهمها للسياسة الدولية، فمن المُعرف أن قرار مجلس الأمن يُطرح بعد إقراره لينفذ افتراضا رغم أن هذا القرار ليس تحت البند السابع، ولكن لإجراء تعديلات عليه لا بد من جلسة جديدة لمجلس الأمن واتخاذ قرار جديد بخصوص وقف إطلاق النار، وحصوله على الإجماع أو الأغلبية دون فيتو، ومجرد طرح المسألة بهذه الطريقة سيحرج حماس، ذاك أن غالبية دول العالم رحبت بالقرار رغم أنه قرار أعرج دفع موسكو لعدم التصويت عليه، ولأن العالم أجمع يعرف أيضا أن إسرائيل هي التي لا تريد تنفيذه، وستضرب به عرض الحائط كما فعلت بالعديد من قرارات مجلس الأمن، ولهذا تحديدا تسعى واشنطن لتصوير الأمر على أن إسرائيل موافقة وحماس غير موافقة، ولابد من الضغط عليها لكي توافق على تنفيذ القرار.
نفي وتوضيح من حماس
ولاستكمال المفارقة سرعان ما نفى أسامة حمدان القيادي في حركة حماس صحة الأنباء التي تشير إلى أن حماس طرحت أفكارا جديدة حول بعض التغييرات الطفيفة على المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بل واتهم حمدان الإدارة الأمريكية بمجاراة حليفتها إسرائيل للتهرب من أي التزام بوقف دائم لإطلاق النار في غزة. وعلى العكس من طرح سوليفان طالب حمدان الوسطاءَ بتقديم ضمانات حول تنفيذ القرار، لأن إسرائيل تزعم الموافقة على مقترحات وقف إطلاق النار، ومن ثم تتراجع عنها، ونشير هنا إلى أن إسرائيل هذه المرة أعلنت بوضوح على لسان مندوبتها في الأمم المتحدة “ريوت شابير بن نفتالي” أن إسرائيل لن توقف عملياتها في غزة، ولن تقوم بمفاوضات وصفتها مسبقا بالعبثية، وهذا موقف إسرائيل التي لا تريد أن تسحب قواتها من غزة.
المفارقة تكمن في تفسير أية تعابير تصدر عن حماس وكأنها مرتبطة تحديدا بتنفيذها للقرار، وليس تعبيرا عن الرغبة، فمن الطبيعي أن تعبر عن رغبتها بأن يكون وقف إطلاق النار دائما وأن تنسحب إسرائيل نهائيا من قطاع غزة وأن تبدأ العمليات الإنسانية الملحة سواء في تقديم المساعدات الإنسانية، أو معالجة الجرحى والمصابين وفك الحصار الخانق على غزة، وهذه آمال مشروعة تماما لم يتطرق إليها بشكل حاسم قرار مجلس الأمن الذي اعتمد انطلاقا من مقترح بايدن الذي أعلن عن نفسه بوضوح بأنه صهيوني، من هنا جاء تعبير رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بأن هناك مساحة للأخذ والرد لتجسير الهوة بين حماس وإسرائيل بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، أي أنه وضع بعض النقاط على حروف هذا الأمر، بأن هناك قراءتين للقرار، قراءة فلسطينية وأخرى إسرائيلية أي أن هناك تباينا في تفسير القرار بين الطرفين وليس رفضا من حماس للقرار، فقد أعربت حماس عن رضاها بالإطار العام للقرار، لكنها قلقة من عدم تطبيق إسرائيل لشروطه، وما يعتبر مطالب لتعديل القرار هو رغبة حماس بأن يكون وقف إطلاق النار دائما وأن يكون الانسحاب كاملا، وما من أحد يمكن أن يقول هذا تغيير لمضمون القرار وأن على إسرائيل أن تتابع قصفها لغزة بعد انقضاء الأسابيع الستة على وقف إطلاق النار، ولن يعاتب أحد في العالم إسرائيل إن سحبت قواتها بالكامل من غزة ولم تكتف بالانسحاب من المدن.
بيان ساطع
كما أن حركة حماس أصدرت بيانا حمَّلت فيه بلينكن مسؤولية تعطيل اتفاق وقف إطلاق النار، معتبرة أنه يمثل التواطؤ الأمريكي في الحرب على غزة، وأكدت أنها تعاملت بإيجابية في جميع مراحل التفاوض مشددة على رغبتها بأن يكون وقف العدوان نهائيا والانسحاب كاملا، وبحيث يعود النازحون وتبدأ عملية إعادة الإعمار وإبرام صفقة جدية لتبادل الأسرى، وحدد البيان سبعة مواقف لحركة حماس تنصب كلها في الإطار الذي أوضحناه، بل إنها ذكرت بأن خطاب الرئيس الأمريكي في 31 مايو أشار إلى وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب إسرائيل، وعودة النازحين وإعادة الإعمار وتبادل الأسرى.
وكان بديهيا أن تطلب حماس من بلينكن والإدارة الأمريكية أن يتوجها بالضغط على إسرائيل الفاشية، والتي تعلن بوضوح أنها ماضية في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير غزة واستكمال الإبادة الجماعية، وذلك في انتهاك صارخ لكافة القوانين والمعاهدات الدولية، ومن هنا يمكن فهم تعبير القيادي في حماس حمدان أن بلينكن جزء من الأزمة وليس جزءا من الحل في صراع غزة.
تأكيد مصري
وعلى خلفية كل ذلك يبرز ما أعلنه مصدران أمنيان مصريان بأن حركة حماس تريد ضمانات مكتوبة وليست شفهية من الولايات المتحدة، تؤكد متابعتها لوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب إسرائيل من غزة، واقتراح هدنة حقيقية بدعم من واشنطن، وأشارت هذه المصادر إلى أن لدى حماس مخاوف من أن إسرائيل لن تتابع للانتقال التلقائي من المرحلة الأولى إلى الثانية ثم الثالثة في تطبيق قرار مجلس الأمن، وهو ما أشرنا إليه قبل قليل، وهذا مطلب يصب في إطار قرار مجلس الأمن ولا يسعى لإعاقته كما يتصور السيد بلينكن، أي أنه لضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن يا سيد بلينكن، وعدم الوقوع من جديد في حبائل إسرائيل المتعطشة للدماء، ربما عليك أن تسمع بالمثل العربي الشعبي الذي يقول: “من جرَّبَ المُجَرَّب كان عقلُه مُخرَّب!” والأهم أن تفهمه!