يمكن التعامل مع الفقر وأوضاع الفقراء في العالم بطرق بديلة، بداية من تعريف الفقر، وانتهاء بالتحرك السليم بسواعد الفقراء أنفسهم، دونما وصاية أو وكالة لأجل تغيير أوضاعهم لكي يصبحوا أصحاب قرار في استعادة مساحتهم الخاصة في الحياة، وممارسة كل حقوقهم وحرياتهم في مجتمع سليم يقوم على العدل، هناك نظريات مُتعددة بالمعنى السابق، والأهم من ذلك أنها لا تخلو من تجارب كثيرة تتناول مع النظريات المُختلفة كيفية مواجهة الفقر بقوة، فنظرية العقد الاجتماعي الماثلة دائماً عند تحليل سبل ومقومات تحقيق العدالة، على سبيل المثال نجدها تطل هنا مقرونة بأبعاد تحليلية تردنا الى أصل تكوين النظم السياسية والاقتصادية، وكيف سيطرت هذه النظم بعينها على أسس استبعادية للمستضعفين المفتقدين لأدوات القوة التي أصابت الإنسانية، منذ تدشين نظام الأمم المتحدة ووصولاً الى تسعينات القرن العشرين وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين نجد أن الأمر قد ازداد سوء، الى ان اجتمعت وانسجمت جهود مُختلفة على وضع أُطر قانونية وحقوقية وإنسانية في تقنين العمل من أجل تنمية قائمة على تعزيز الحقوق، بفضل تطور المعاهدات والاتفاقات والاعلانات العالمية التي لها قوة التشريعات المحلية في الأعمال واحترام حقوق الناس الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ في الوقت الذي فشلت فيه جميع برامج الأمم المتحدة بكل امكانياتها ومواردها في تحقيق كثير من الالتزامات التي قطعتها على نفسها الدول المختلفة في أطار منظومة الأمم المتحدة نحو شعوبها، ومن بينها تلك الأهداف الإنمائية التي وضعتها الدول على اعتاب القرن الواحد والعشرين، وبعدها كانت لها رغبة في فتح صفحة جديدة مع الفقراء والمحرومين، والذي اضطرت بها هذه المرة على التعامل مع الخصوصية الثقافية والاجتماعية للدول وهذا هو فعل الانثروبولوجيا مندمجة معها الجغرافيا البشرية، حيث بواسطتهما يتم التأكيد على عادات الشعوب وقيمها وثقافتها المحلية والخصوصية الجغرافية بوصفهما سبل ناجعة لمُقاومة الفوضى التي خلقتها العولمة، والتي لم تنتج سوى المزيد من الإفقار، حيث صدرت عوامل الحرمان من بلد أو مجموعة بلدان الى جميع انحاء العالم، ليصبح العالم كُتلة واحدة قوامها بضعة أغنياء مُتجبرين وغالبية عظمى من الفقراء والمحرومين من كل عوامل التمكين الاقتصادي والإنساني والسياسي والاجتماعي، ولمُعالجة ذلك علينا مُراجعة أهم الدروس التي يمكن الاستعانة بها من التاريخ القديم والحديث لواقعنا العربي، والإصرار على التشبث في التغيير نحو الأسس الصحيحة، فإن تكون مستعبداً اقتصاديا، يعني من الناحية العلمية أن تكون مستعبداً سياسياً، على عكس ما جاء في قدر كبير من النتاج الفكري السائد في المجتمعات الرأسمالية، فأن التنمية السياسية نحو ديموقراطية أكثر احتواء ليست هي التكملة الحتمية للنمو الاقتصادي، ولا هي مُحصلة المقدرة بل على العكس من ذلك، ففي معظم أرجاء العالم اليوم أن التراكم الرأسمالي المنفلت لا يحدث في مناخ حميد من الديموقراطية الليبرالية.
أن وجود الفقر بصورة هائلة جعل منه قضية عالمية، فأصبح من الضروري تناول قضايا التنمية البديلة على المستوى العالمي، المعضلة تكمن في اعتقادنا بأننا على دراية بالفقر، وأنه لم يبقى أمامنا بكُل الأحوال سوى التفكير بطرق أفضل للعمل، لأن الفقر مفهوم مُتفاوت، ففي نظر عدد من الناس قد يكون طريقة مُختارة للحياة، هناك عدد أخر من الناس لا يحسبون أنفسهم فقراء بالرغم من أنهم يعيشون في فقر بوفق معايير مُعينة، كما أن هناك فقراء بصورة مُؤقتة، وهناك الكثير ممن ولدوا فقراء ولا يتوقعون أبداً أمكانية الهروب من ظروفهم، فأصبحوا راضين بالفقر بطريقة أو بأخرى مُعتبريه ظرفاً طبيعياً، ولكن ما ننظر إليه في موضوع الفقر هو كونهُ قضية عامة واجب علينا الكتابة بها والمقاربة بشكل جماعي. كان في وقت من الأوقات التفكير بالفُقراء مصحوباً بشيء من الريبة، وذلك لأنه عُرف لأول مرة بطرق تدعو لذلك، فقد أُطلق عليهم في القرن التاسع عشر( الطبقات الخطيرة أو الكُسالى والأراذل)، وإن هذه الادراكات السلبية نحو الفقراء لم تختلف حتى وقتنا هذا، فإن يكون المرء فقيراً لا زال يُدرك وعلى نحو واسع على أنه قذر، أخرق، يفتقر للمهارة، مُخدر، وقابل للعنف والجريمة، وشخص غير مسؤول عموماً، وأن أناس بهذه السمات يجب أن يكونوا تحت السيطرة، ووضعهم في مؤسسات وادارتهم، وبعد مرور وقت وعندما ازداد عددهم بسبب السياسات الخاطئة وتراكم الخبرات عند المجتمعات بالتعامل معهم طورت بيروقراطية الدول من لغتها التي تستعملها في وصفها للفقراء ووصف علاقتها معهم، وأصبحت تُشكل جزء من المفردات المعيارية للفقر ومنها: (خط الفقر، الفقر المُطلق والنسبي، الفُقراء المُستحقون، وغير المُستحقون، جيوب الفقر، السكان المستهدفون)؛ ولمعالجة هذه الحالة بالممكن يجب أن نحدد بعبارة (الفقر كانعدام للتمكين) واعتبارها بمثابة نموذجاً مُتغيراً سياسياً لمقاربة الحاجات الأساسية، وهي تتمكن على السياسة وليس على التخطيط، بوصفها العملية الرئيسية التي تتم بواسطتها تحديد الحاجات وممارسة وسائل إشباعها، والمُتمثلة في ثمانية أُسس للسلطة الاجتماعية وهي تُمثل الوسائل الرئيسية لاقتصاد الأُسر وسبل معيشتها، وهي: (مساحة الحياة التي يمكن الدفاع عنها، فائض الوقت، المعرفة والمهارات، المعلومات الصحية، التنظيم الاجتماعي، الشبكات الاجتماعية، وسائل العمل وسبل العيش، الموارد المالية)؛ تتسم هذه الأسس الثمانية للقوة الأجتماعية بالاعتماد على بعضها البعض، فبحكم أن جميعها تشير إلى وسائل للحصول على وسائل أخرى، في عملية حلزونية لزيادة القوة الاجتماعية؛ وبسبب أنها لا تنهار إلى بعد واحد مثل المال الذي يُعتبر التيار الساند كوسيلة رئيسية “للتمكين “يتجاوز بواسطتهُ البقاء على قيد الحياة، يعني وجوب تغيير علاقات القوة السائدة، وهذا ما يدعو إلى وجود شيء لا بد لهُ من أن يتجاوز الزيادة في الوصول الى أسس القوة الاجتماعية، التي تقوم بتحويل القوة الاجتماعية الى قوة سياسية قادرة على تحويل المطالب الى حقوق شرعية، فإن التمكين الذاتي الجماعي لوحدة نادراً ما يكون عملية تلقائية للتحرك المُجتمعي، وأن الغرض الأساسي من هذا النموذج يعد واحد من المُساعدات الكشفية في التحديد الأكثر دقة للمهام التي يجب على التنمية البديلة أتباعها لأنها تظهر في سياق الحركات الاجتماعية الساعية لإحلال نموذج النمو المُتجانس، ببديل ذي معنى وقادر على كسب التأييد السياسي.