عملية حسابية بسيطة يمكن أن تقوم بها فتاة فلسطينية كرسالة إلى واشنطن (تعليق صغير على حدث كبير)
بقلم د. أيمن أبو الشعر
يأتي التعليق الصغير على الحدث الكبير ليس استهانة ولا إنقاصا من مدى الطابع المأساوي لهذا الحدث الكبير، وهو فاجع حقا وأقصد أعداد الشهداء والجرحى والمصابين والمفقودين في غزة -وسنأتي على المفارقة- ولكن أشير إلى أن التعليق الصغير يأتي انطلاقا من بيتي عمر بن معد يكرب الزبيدي:
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيّاً ولكنْ لا حياةَ لِمَنْ تُنادي
ولو ناراً نفختَ بها أضاءتْ ولكنْ أنتَ تنفخُ في الرمادِ
والنداء موجه للضمير الأمريكي الذي مات منذ زمن بعيد، وبالتالي لم يعد يرجى منه أي خير أو تجاوب، حيث تشير الأرقام الأخيرة التي لا تبقى على حالها، وتزداد يوميا إلى أن عدد ضحايا القصف والتوغل الإسرائيلي في غزة بات يقترب من أربعين ألفا، وأن عدد المصابين والمفقودين ومن هم تحت الأنقاض يقرب من المئة ألف، ومعظمهم من النساء والأطفال عدا عن عمليات اعتقالات عشوائية للشباب أثناء مداهمات القرى والمناطق الفلسطينية، ثم اختفاؤهم نهائيا، أي فقدان أي أثر لهؤلاء الشبان الفلسطينيين. يجيء ذلك رغم اتخاذ مجلس الأمن أكثر من قرار لوقف إطلاق النار لم تلتزم به إسرائيل بالطبع كالعادة، عدا عن تنبيه المسؤولين الأمريكيين لتل أبيب بأن هذه القرارات غير ملزمة لإسرائيل.
وعلى الرغم من أن واشنطن عبر تصريحات للرئيس بايدن حاولت الظهور بمظهرٍ شبه متعاطف مع معاناة الفلسطينيين إلا أن قمع الحراك الطلابي المؤيد لفلسطين وشعب غزة أكبر دليل على أن بايدن ليس صادقا في هذا التعاطف على الإطلاق، ولكنه صادق وبنبرة حماسية حين أعلن أنه صهيوني وبلهجة اعتزاز.
ولكن لماذا حساب النسبة المئوية في هذا المجال؟ ولماذا جامعة كولومبيا؟ لأن هذا الواقع المتناقض في الولايات المتحدة يدفع إلى إجراء هذه العملية الحسابية لكي يتساءل المسؤولون الأمريكيون كيف سيكون موقفهم لو أن الولايات المتحدة عانت نفس المعاناة، ونتطرق لجامعة كولومبيا لأن مديرتها اتخذت مواقف مخزية واستدعت الشرطة لقمع الطلاب المؤيدين لفلسطين رغم جذورها العربية التي يدل عليها اسمها ” نعمة شفيق”…
هذا الأمر يمكن أن توضحه هذه القصة القصيرة التي كتبتها في أوج الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية وبداية قمعه، وحتى الفصل من الجامعة لبعض الطلاب الذين ساهموا فيه، وقد قام الطلاب بالتظاهر أمام بيت المديرة التي وقفت ضد الحراك الطلابي، ولم يوفر الطلاب انتقادهم اللاذع لهذه المديرة المتأمركة حتى النخاع الشوكي، ناهيك عن رسائل الانتقادات الحادة لها معتبرين أن موقفها يشكل خزيا وعارا لها…
وعلى الرغم من أن القصة كتبت في إطار متخيل، إلا أنها قريبة جدا من الواقع، ومن يدري قد تكون إحدى الطالبات قد قامت بعمل مماثل أو مقارب أو أكثر جرأة، حيث طالبت إحدى الطالبات رئيسة الجامعة بالاستقالة …. وإليكم قصة ” سلمى الفلسطينية” التي ستنشر في مجموعتي القصصية الجديدة .
سلمى الفلسطينية في جامعة كولومبيا والنسبة المئوية
كانت الإضرابات الطلابية في الجامعات الأمريكية أقرب ما تكون إلى ثورة طلابية حقيقية للتعبير عن السخط على ما يجري في مدينة غزة من إبادة جماعية للفلسطينيين، حراك يذكر بالثورة الطلابية في فرنسا عام 1968 والتي نشأت لسبب مقارب وهو رفض الحرب الأمريكية في فييتنام، ولكن رئيسة جامعة كولومبيا المتأمركة ذات الأصول العربية، رفضت هذا الحراك، بل واستدعت الشرطة لقمعه، وطلبت من المدرسين متابعة محاضراتهم لإحباط ما اعتبرته تمردا غير مبرر، ويقال أنها طالبت بمتابعة الدروس والمحاضرات حتى لو كان عدد الطلاب قليلا جدا..
الطالبة سلمى الفلسطينية لاحظت أن بعض الطلاب الذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدين دخلوا قاعة المحاضرات، ولم ينضموا للمتظاهرين، فدخلت معهم مصممة على أمر ما، وكانت المحاضرة عن ارتباط الأخلاق بمعطيات حياة المجتمعات، بمعنى أن الحديث يدور حول الأخلاق العامة التي تنطبق عموما بشكل متقارب على مختلف المجتمعات في الظروف المتقاربة… بعد دقائق وقفت سلمى وقاطعت الأستاذ المحاضر وسألته هل يحق لأمريكا أن يحاضر أساتذتُها عن الأخلاق الاجتماعية، وهل سيكون موقفها الأخلاقي هو نفسه كما هو حاليا تجاه الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في غزة التي تؤيدها الولايات المتحدة بقضها وقضيضها لو أنها هي التي تدفع الثمن وفق معادلة النسبة المئوية؟
دهش المدرس وسأل عن أية نسبة مئوية تتحدثين؟
أجابت سلمى بقوة: عندما كنت بعد في المرحلة الابتدائية تعلمت في مدارسكم كيف نصوغ النسبة المئوية لمقارنة المفارقة بين كمية عددية وأخرى، وبالتالي فإن نسبة عشرة أو خمسة عشرة بالمئة من مجموع ألف شخص لن تتعدى مئة أو مئة وخمسين شخصا على وجه العموم! نقسم الرقم الأصغر المراد حساب نسبته على الرقم الأكبر وهو المجموع العام، ونضرب الناتج بمئة، فنحصل على النسبة، أليس كذلك؟
هز الأستاذ رأسه، وقال: لم أفهم ماذا تنوين أن تقولي.
عندها انتفضت سلمى وقالت: يا أستاذ أنت تتابع دروسك في الوقت الذي قتلت فيه إسرائيل وجرحت واعتقلت وتركت تحت الأنقاض قرابة عشرة بالمئة من الشعب الفلسطيني في غزة، فهل كنتَ ستفعل ذلك إن كانت أمريكا وفق النسبة المئوية قد فقدت ما فقدته غزة… نعم أي ثلاثين مليونا من مواطنيها، قل لي وتابع إن شئت محاضرتك!!! هذه حقيقة يا أستاذ وفق النسبة المئوية التي علمتمونا إياها في المرحلة الابتدائية، أم أن النسبة المئوية، وكل معطيات الرياضيات تختلف من شعب إلى آخر بالنسبة لأمريكا؟ كما كانت العلاقة مع كونتا كونتي؟ “1”
“1” كونتا كونتي – هو اسم بطل رواية “جذور” لأليكس هيلي… ويشار إلى أنها تروي القصة انطلاقا من وقائع مرحلة سرقة الزنوج من إفريقيا ثم بيعهم عبيدا في أمريكا ليخدموا في المزارع عند البيض، وتشير إلى حقيقة العنجهية والحقارة التي انطلقت منها الحضارة الأمريكية التي تتبجح بحديثها عن حقوق الإنسان.