ما أشبه اليوم بالأمس، إذ نشاهد أخيراً الأصيل الداعشي الإسرائيلي الهدّام يُطل بوجهه الحقيقي ليهدم معبر رفح الحدودي الوحيد الرابط بين فلسطين غزة هاشم ورئتها العربية ممثلة بجمهورية مصر أمّ الدنيا وخيمة العرب الجامعة.. مستذكرين ما أقدمت عليه “داعش” الوكيل من إزالة الحدود العراقية ـ السورية، وما بذلته من محاولات علنية فاشلة في “الجرود” لإزالة الحدود السورية ـ اللبنانية، وما كانت تُضمِره لحدود عراقية وسورية ـ عربية أخرى.. تنفيذاً لمخططات الصهيوني برنارد ليفي المتوافقة مع الخرائط الأمريكية ـ الغربية ـ الصهيونية لما يسمى الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، والهادف إلى تجزيء المُجزّأ وتفتيت المُفتَّت عِبر اختلاق كيانات إثنية وطائفية وعِرقيّة متناحرة تسمى دولاً أو دويلات أو حتى إمارات، يكون للكيان الإسرائيلي اليد الطولى فيه، وتُبرّر استمرار وجود ما يسمى “الدولة اليهودية” العظمى اللامحدودة الحدود.. فهل دخل مخطط تقسيم مصر العروبة حيّز التنفيذ، وهل دفع الصمود الأسطوري المنقطع النظير للفلسطينيين الغزاويين الكيان الداعشي الإسرائيلي إلى حالة من الهستيريا المحمومة دفعتهم إلى العودة مجدداً إلى حلمهم الواهم والمكشوف بإزالة الحدود الفلسطينية ـ المصرية وإعادة تفعيل وكيلهم من دواعش مصر وخصوصاً منهم دواعش سيناء بشتى مسمّياتهم لفرض التطهير العرقي والتهجير القسري بالحديد والنار باتجاه تكريس مشروعهم القديم المتجدّد الوطن الفلسطيني البديل على أرض سيناء المصرية ولاحقاً الأردنية، وهل.. ولكن ماذا “نحن” فاعلون؟!
لقد أدرك الفلسطيني، ومعه مئات الملايين من العرب والعَجم حول العالم ممّن يمتلكون الفطرة الإنسانية السويّة وما زالوا يتمسّكون بالقِيَم الأخلاقية النبيلة، أن المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني هو مشروع قتالي عدواني توسّعي إحلالي يقوم على افتراءات وأكاذيب مخادعة كبرى، من نمط: “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” و “أرض الميعاد” لِـ “شعب الله المختار”.. وقد جَهد الانتداب البريطاني منذ أن وطأت عساكره أرض فلسطين التاريخية لتكريس ذلك قتلاً واعتقالاً واستيلاء للممتلكات العامّة والخاصة، وتقديم كلّ أشكال الدعم اللامحدود للعصابات الصهيونية المشحونة من خلف البحار والمحيطات إلى الأرض الفلسطينية، وصولاً إلى توافق دولي جائر لإقامة الكيان الإسرائيلي المسخ على حساب نكبة الشعب والأرض الفلسطينية بيت القصيد. ولكن ما أذهل العالم، الأعداء قبل الأصدقاء، وباعترفات النُّخَب الصهيونية ذاتها، أن يواجهوا شعباً مُتفرّداً لا مثيل له بالصبر والمقاومة والتشبّث بوطنه أرض الآباء والأجداد إلى ما قبل سابع جد آوى واحتضن إبراهيم وذريته الأطهار، رغم آلاف المجازر والتطهير العرقي وبؤس المنافي القريبة والبعيدة، حيث لم يدع الكيان الغاصب طريقة همجية الّا وابتكرها لتفريغ الأرض الفلسطينية من أصحابها الأصلاء الأصيلين، مقدّماً للعالم أجمع ولأشقائه من الشعوب العربية المجاورة وغير المجاورة أنموذجاً حيّاً يُحتذى ويَنتظر الاقتداء في المقاومة والبطولة والصبر اللامتناهي، وقبل أن يفوت الأوان ويسبق السيف العذل..؟!
صحيح أن الحلم العربي الوحدوي يتوق ومنذ زمن بعيد إلى إزالة الحدود البينيّة المصطنعة بين شعوب الأمة العربية الواحدة، والتي فرضها قسراً الاستعمار الغربي. لكن شتّان ما بين هذا الحُلم الوحدوي المنشود، وما بين حلم “إبليس” الاستعماري الغربي الصهيوني التفتيتي الإلغائي، والذي تجري وبشتى السبل والأحابيل الإجرامية الدنيئة محولات هستيرية محمومة لفرضه على أرض الواقع مهما غَلت التكاليف، غير آبهة بعشرات ملايين الضحايا والمعذّبين في شتى أرجاء الوطن العربي الكبير، وبغض النظر عن انتماءاتهم الوطنية والعرقية، فكلنا عندهم سواء، ومَن لم تدركه الطامّة اليوم ستُدركه غدأ أو بعد غدٍ لا محالة. ولكن هيهات..هيهات!