اغتيال قادة الثورات وحلم إنهاء حركات التحرر ماذا ينتظر المنطقة في الايام القليلة القادمة؟
بقلم د. سعد ناجي جواد
نقلاً عن موقع صحيفة رأي اليوم
فجر امس والليلة التي سبقته نجح الموساد الاسرائيلي مرة اخرى، ومع شديد الاسف، في تنفيذ سلسلة من عمليات الاغتيال، بدأت باغتيال قائدين من قادة المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ثم ادعت انها اغتالت مستشار عسكري إيراني اخر، وختمها بجريمة اخرى تمثلت في اغتيال المراسل في قناة الجزيرة الشهيد اسماعيل الغول وزميله المصور الشهيد رامي الريفي. واذا كانت لدى اسرائيل اعذارا جاهزة لتبرير اغتيال القياديين في المقاومة، (سارعت الولايات المتحدة الى تأييدها)، فإنها ظلت وستظل عاجزة عن تبرير اغتيال إعلاميان في مقتبل العمر كل جريمتهم انهما كانا يحرصان على ان ينقلا للعالم معاناة أهلهما وأحبائهما وشعبهما الذي يعيش ظروف مأساوية وانسانية كارثية غير مسبوقة. وفي غمرة فرحتها المعتادة تناست اسرائيل ان لو كانت الاغتيالات لقادة الثورات تنهي ثوراتهم لكانت نجحت في وأد الثورة الجزائرية والثورة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية وحركات المقاومة الاخرى في كل أنحاء العالم. وبالنسبة للجرائم الثلاث الاولى ربما شعرت بانها استطاعت ان تستعيد جزءا من قدرتها التي فقدتها بعد طوفا الاقصى، وتناست في تلك اللحظات حقيقة ان كل ما فعلته مع قادة المقاومة في السابق لم ينجح في تركيعها. وان اغتيال مؤسس حركة حماس الشهيد احمد ياسين والقادة الآخرين من بعده لم تنجح، وان من نجح في توجيه ضربة موجعة للعدو هي المقاومة الفلسطينية. والحال نفسه يسري على المقاومة اللبنانية التي فقدت مؤسسها واستطاعت ان تنجب قادة جعلوا منها كابوسا للاحتلال.
من الواضح ان حكومة الاحتلال قد اختارت الوقت الخطأ والفعل الخطأ عندما ارتكبت جرائم كبيرة متتالية تمثلت ليس فقط في اغتيال القادة ولكن في اختراق حرمة عاصمتين بيروت وطهران. وأما الثالثة فلم تكن سوى استمرار اللجوء الى الأهداف السهلة المتمثلة في ابناء غزة الأبرياء الذين وضعهم القدر تحت رحمة الجبروت العسكري الاسرائيلي الذي يتلذذ بقتل الأبرياء من المدنيين والإعلاميين الذين يفضحون جرائمه.
بمناقشة هادئة وغير انفعالية، ورغم كل الحزن على خسارة الشهداء والألم الذي يعتصر النفس على نجاح الأجهزة الاسرائيلية المستمر في تحقيقي نجاحات كان يجب ان تكون المقاومة اكثر تنبها لها، فان استهداف الشهيد اسماعيل هنية لا يمكن ان يحسب نصرا اسرائيليا عسكريا كبيرا في معركة طوفان الاقصى، لان الشهيد ببساطة لم يكن من ضمن القيادة الميدانية التي أشعلت هجوم 7 اكتوبر، كما انه لم يكن هدفا صعب المنال، وكان في زيارة رسمية الى ايران شبه معلنة، وكان الإعلام يتابع تحركاته. وبالتالي فان تصوير الحدث بانه انجاز مخابراتي كبير امر فيه مبالغة كبيرة جدا، وعملية دعائية اسرائيلية لتبرير بقاء نتنياهو في الحكم وللاستمرار في حربه على غزة التي لم يحقق فيها ايا من أهدافه. نعم نجح جيش الاحتلال في قتل وجرح اكثر من 186 الف انسان في غزة والضفة (حسب نشرة لانست الطبية الرصينة)، ونعم هناك مع الاسف من يعتبر كل ذلك إنجازات لجيش ومخابرات الاحتلال. ونسي هذا النفر ان اعدا الشهداء والضحايا مهما كبرت لا تعني نصرا للطرف التي يرتكبها وان العبرة ليست بهذه (الإنجازات) قصيرة الأمد، وإنما العبرة تبقى بالخواتيم. علما بان المقاومتين اللبنانية والفلسطينية لم تعجزا في السابق، ولن تعجزا في المستقبل عن ايجاد البدائل لقيادتها الميدانيين، واثبت تاريخ الصراع ان كل الاغتيالات السابقة لم تؤثر على اداء المقاومة، ان لم نقل انها قوت من عودها.
بالتأكيد ان ما ارتكبته اسرائيل في بيروت وطهران، وقبل ذلك في ميناء الحديدة والعراق، مثل تجاوزا لكل الخطوط الحمراء، وكذلك توسيعا خطيرا لساحات المعارك، ومن يقل ان الاطراف التي استُهدِفَت سوف لن تجرؤ على الرد، او ان ردها سيكون صوري، هو انسان واهم. فكل الدلائل تشير الى ان الرد سياتي وسيكون بحجم ما تبجحت به اسرائيل. وهذا الرد سيكون الفتيل الذي قد يشعل حربا في المنطقة سوف يكون من الصعب تدارك اثارها او حصرها في نطاق ضيق او محدود كما ترغب اسرائيل والولايات المتحدة. وان كل من ايران والمقاومة اللبنانية واليمنية والعراقية اكدوا بانه لن تكون هناك اي سقوف او محرمات لهذه الردود. وان الولايات المتحدة بادرت الى نقل عشرات القطع البحرية للمنطقة الى جانب القواعد الموجودة اصلا،
كل هذه الامور تجعل من احتمال انفلات الامور وانحدارها الى مواجهات دامية وواسعة قد لا يستطيع المجتمع الدولي من احتوائها امراً واردا جدا، خاصة اذا ما استمرت الولايات المتحدة والغرب في ترديد العبارة الممجوجة والممسوخة والسَمِجة التي تقول (لاسرائيل كل الحق في الدفاع عن نفسها).
نعم المنطقة مقبلة على ايام عصيبة محفوفة بالكثير من المخاطر الكبيرة، وكل ذلك يبقى بسبب الاحتلال واستمراره وتمكينه من ارتكاب جرائم لا نهاية لها.