هل تكرّر إسرائيل تجربة “الحزام الأمني”؟!
“تكرار تجربة الحزام الأمني هو بمثابة خيار واع لاستئناف ما يوصف بأنه المستنقع اللبناني الذي غرقت فيه إسرائيل نحو عقدين. وفي حال الاتجاه أيضًا نحو إقامة حزام أمني آخر في قطاع غزّة، فإن هذه القيادة كما لو أنها تعرض على الأمهات في إسرائيل الاختيار بين غرق أبنائهن الجنود في المستنقع اللبناني أو غرقهم في المستنقع الغزيّ”؟!
تحت العنوان أعلاه نشر الكاتب الفلسطيني المعروف “أنطوان شلحت” مقالاً نشره موقع “عرب 48” يوم 18/9 الجاري جاء فيه: “كشف المراسل العسكري لصحيفة معاريف، أخيراً، عن أنه في نهاية كل شهر كانت (الفرقة 91) تجري تلخيصاً لعدد القتلى من الجنود معتبرة أن استقرار هذا العدد عند معدل 12 جنديّاً قتيلًا في الشهر يُعدّ مقبولاً، ويمكن استمرار التعايش معه… تشهد إسرائيل منذ أعلن رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، أنه سيعمل على لمّ شمل هدف إعادة سكان المستوطنات في منطقة الحدود الشمالية مع لبنان إلى منازلهم ضمن أهداف الحرب التي تشنها دولة الاحتلال في الوقت الحالي على غزّة، وتتسبب بقصف متبادل ومعارك في جبهات أخرى، أشدّها خطورة الجبهة الشمالية مع حزب الله، تشهد جدلًا بشأن الطريقة المثلى التي من شأنها أن تحقّق هذا الهدف. وما كُشف عنه أن الطريقة الأكثر تداولًا هي التي طرحها قائد المنطقة العسكرية الشمالية في الجيش، اللواء أوري غوردين، وتقضي بإقامة منطقة عازلة أو (حزام أمني) في الجنوب اللبناني، على غرار المنطقة العازلة التي يجري الحديث عن إقامتها في منطقة الحدود مع قطاع غزّة، بوصف ذلك إحدى النتائج التي ينبغي أن تسفر عنها الحرب على القطاع”.
وتابع: “وعلى الفور، أعاد هذا الطرح إلى الأذهان تجربة الحزام الأمني السابق في الجنوب اللبناني الذي أقامته إسرائيل بعد حرب 1982 على لبنان، وبقيت تحتله 18 عامًا وانسحبت بعدها منه بصورة أحادية الجانب في أيّار/ مايو 2000 إبان ولاية حكومة إيهود باراك (1999- 2001). كذلك أعاد الخلاصة التي يصعب العثور على من يفنّدها في أوساط المحللين العسكريين والمسؤولين الأمنيين السابقين، وفحواها أن ذلك الحزام الأمني ليس فقط لم يوفر الأمن للمستوطنات الحدودية الشمالية، بل أيضًا حوّل الجيش الإسرائيلي في الحزام إلى هدف للضربات المباشرة. بموازاة ذلك، أقيمت حركة أربع أمهات (حركة لأمهات جنود إسرائيليين طالبت بالانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان)، وجعل نشاطها الاهتمام بالحفاظ على حياة الجنود الإسرائيليين يتصدّر جدول الأعمال العام بدلًا مما يزعم إنه الأمن القومي. وطوال الفترة التي بقي فيها الجيش مرابطًا هناك، كانت الأسئلة المطروحة: ما الذي تفعله إسرائيل في جنوب لبنان؟ وعمّن يدافع الجيش الإسرائيلي هناك؟ وهل يدافع فعلًا عن المستوطنات الحدودية الشمالية؟ وما تبين، في نهاية الأمر، أن الجنود الإسرائيليين كانوا يدافعون عن أنفسهم فقط”.
واستطرد قائلاً: “وكشف المراسل العسكري لصحيفة معاريف، أخيرًا، عن أنه في نهاية كل شهر كانت (الفرقة 91) تجري تلخيصًا لعدد القتلى من الجنود معتبرة أن استقرار هذا العدد عند معدل 12 جنديًّا قتيلًا في الشهر يُعدّ مقبولًا، ويمكن استمرار التعايش معه. وفي قراءة هذا المراسل نفسه، فإنّ اتجاه القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل نحو تكرار تجربة الحزام الأمني هو بمثابة خيار واع لاستئناف ما يوصف بأنه المستنقع اللبناني الذي غرقت فيه إسرائيل نحو عقدين. وفي حال الاتجاه أيضًا نحو إقامة حزام أمني آخر في قطاع غزّة، فإن هذه القيادة كما لو أنها تعرض على الأمهات في إسرائيل الاختيار بين غرق أبنائهن الجنود في المستنقع اللبناني أو غرقهم في المستنقع الغزيّ. وبموجب قراءات إسرائيلية عديدة، كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان في 1982 موضع خلاف سياسي كبير في إسرائيل، ولكن من نتائجها الأبرز خروج منظّمة التحرير الفلسطينية من بيروت، في أيلول/ سبتمبر 1982. كما كانت آخر حربٍ يتم فيها تفعيل قوات عسكرية برّية كبيرة من أجل احتلال أراض وإحراز هدف سياسي. غير أن دوافع استمرار سيطرة الجيش الإسرائيلي على (الحزام الأمني) في جنوب لبنان لم تكن، في حينه، منطوية على أي قيمة استراتيجية محدّدة، أو على أي دلالة تكتيكية. وقد قيل إن أهمية (الحزام) كامنة في منع قوات معادية من التسلّل إلى إسرائيل، في حين أن مثل هذه القوات لم تكن موجودة في ذلك الوقت، أمّا في ما يتعلق بصواريخ الكاتيوشا، فلم يسفر وجود (الحزام الأمني) عن وقفها قطّ”.
وخلص للقول: “وفي ما يتعلّق بقطاع غزّة، ليس الأمر أقلّ خطورة، حيث أن كل قطعة أرض يجري اقتطاعها لمصلحة إقامة حزام أمني ستؤدّي إلى تهجير سكان سينتقلون إلى أماكن أكثر اكتظاظًا في منطقة تُعتبر الأكثر اكتظاظًا في العالم”.