تقارير - ماتريوشكا

إيلان بابي: أزمة صهيونية.. أزمة في الكنيست

من هو إيلان بابي؟

مؤرّخ وعالم سياسة وأستاذ جامعي، مواليد حيفا 7/11/1954، تخرج من الجامعة العبرية في القدس وجامعة أوكفورد، يجمل الجنسية الإسرائيلية ويقيم في المملكة المتحدة،ينتمي للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، عضو في تيار المؤرخين الجدد وهم مجموعة من المؤرخين الإسرائيلين الذين قاموا بإعطاء رواية جديدة لما حدث في السنوات الأخيرة والأحداث الحقيقية التي رافقت قيام دولة إسرائيل واختلفت هذه الروايات عن الرواية الرسمية الإسرائيلية. يعمل استاذاً جامعياً بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكسيتر البريطانية، ومدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية بالجامعة والمدير المشارك لمركز إكسيتر للدراسات العرقية والسياسية، وكان رئيساً لمعهد “أميل توما” للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية في حيفا “2000 ـ 2008″، من مؤلّفاته: التطهير العرقي لفلسطين 2006، الشرق الأوسط الحديث 2005، تاريخ لفلسطين الحديثة أرض واحدة وشعبان 2003، عشر خرافات عن إسرائيل 2017. يرى بأن الصهيونية أكثر خطورة من التشدد الإسلامي، ويدعو إلى مقاطعة المؤسسات التعليمية الإسرائيلية، ويدعم حل الدولة الواحدة وقيام دولة ثنائية القومية للفلسطينيين والإسرائيليين، تعرض إيلان بابيه للكثير من النقد في إسرائيل بسبب تأييده للحقوق الفلسطينية في عودة اللاجئين وفي مقاومة الاحتلال. وقبل مغادرته إسرائيل عام 2008، تم إدانته من قبل الكنيست، البرلمان الإسرائيلي؛ وقد دعا وزير التعليم إلى إقالته؛ ظهرت صورته في إحدى الصحف بانه مستهدف؛ وقد تلقى عدة تهديدات بالقتل، أطلق بابي المؤتمر الإسرائيلي لحق العودة والذي يدعم حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم سنة 1948.له مقالات منتظمة في عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية – المحرر.

أزمة الصهيونية.. أزمة في الكنيسة

قبل 7 أكتوبر 2023 كانت غالبية المجتمع اليهودي الإسرائيلي تتطلع بخوف وتوجس إلى الأسابيع الأخيرة من هذا الشهر، كان الخطاب السائد في إسرائيل حتى 7 أكتوبر 2023 يتمحور حول مستقبل إسرائيل. تظاهرات أسبوعية ضمت مئات الآلاف الإسرائيليين ضمن حركة إحتجاجية ضد محاولة الحكومة تغيير القانون الدستوري في إسرائيل، واستخدمت نظام سياسي جديد تمتلك من خلاله القوى السياسية ليخضع بذلك المجال العام بصورة كبيرة للجماعات المسيانية والدينية واليهودية.

في إحدى مقالاتي أصف هذا الصراع تحديدا حول هوية إسرائيل والذي شكل الموضوع الرئيسي حتى 7 أكتوبر 2023 كصراع بين دولة يهودا ودولة إسرائيل، ودولة يهودا هي الدولة التي تأسست في المنطقة الغربية على يد المستوطنين اليهود وهي عبارة عن خليط يجمع بين اليهودية، المسيانية والتعصّب الصهيوني والعنصرية. أصبحت هذه الدولة عبارة عن بنية سلطوية وباتت أكثر بروزاً وأهمّية في السنوات القليلة الماضية ولا سيّما في ظل حكومة نتنياهو، وكانت تستعد لتفرض نمط حياتها وتصوّرها عن الحياة على بقية إسرائيل خارج نطاق ما يُسمى يهودا، أي خارج الضفة الغربية، أو الفضاء اليهودي في الضفة الغربية، وفي مقابلها كانت دولة إسرائيل ومدينة تل أبيب خير تجلّياتها، وتقوم على فكرة أن إسرائيل هي تعدّدية ديمقراطية علمانية وغربية، وهذا الأمر الأهم، أو أوروبية إن أردتم. وهي تقاتل دفاعا عن وجودها ضد دولة يهودا، وقد كان هذا على ما يبدو محور تركيز ما يمكن وصفه بالحرب الأهلية إن لم تكن حربًا أهلية حقًيقية، فهي على الأقل حربًا أهلية باردة و وحربًا ثقافية مؤكّدًا بين اليهود الإسرائيليين في ما بينهم. عندما سأل البعض طرفي الصراع الإسرائيلي الداخلي عن إحتلال الضفة الغربية على سبيل المثال ألا ينبغي أن يشكل ذلك جزءا من النقاش عن مستقبل إسرائيل؟ قيل لهم ينبغي عدم ذكر الاحتلال من جانب أي طرف، تم إخبارنا أن لاعلاقة للاحتلال بمستقبل إسرائيل والواقع أن أي شخص كان يحاول طرح موضوع الإحتلال ضمن الإحتياجات الأسبوعية المناهضة للإصلاح القانوني أو الثورة القانونية كما يطيب لهم تسميتها.

كان يطلب منه المغادرة وعدم التواجد ضمن مجموعة أكبر من المتظاهرين الذين كانوا يلوحون بالعلم الإسرائيلي وبالتأكيد إذا أحضرت العلم الفلسطيني إلى تلك المظاهرات فسوف تتعرض للضرب وسوف تطرد من المظاهرة أو إذا ذكرت حقيقة أن مستقبل إسرائيل مرهون بظروف وأوضاع ما يقرب من مليوني مواطن فلسطيني في إسرائيل ممن خضعوا في خلال العام الماضي للتجريم إن العصابات الإجرامية التي مارَسَتْ الترويع لا تزال تهدد حياة المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. إن العصابات المسلّحة، العصابات الإجرامية والكثير منها كانت تتعاون في السابق مع إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة ونُقِلت من تلك المناطق بعد إتفاقية أوسلو هي مجهّزة بالسلاح ومُحَصنة بالكامل ضدّ أي ملاحقة من الشرطة وضد أي إجراء فاعل لمكافحة الإجرام. ما يعني، وكما تعرف غالبيتكم، أن الفلسطنيين الذين يعيشون في إسرائيل وأنا أتحدث عن المواطنيين الإسرائيليين يخشون الخروج ليلاً بسبب الوضع الجديد في شوارعهم وفضاءاتهم العامة، حتى هذا الأمر لم يكن مطروحاً للنقاش في المجال العام في ما يتعلق بمستقبل إسرائيل وإذا أردت أن تذكر القدس الشرقية والتطهير العرقي للأحياء العربية في القدس مرّة أخرى سيقول المتظاهرون وقادتهم أن هذا ليس موضوعاً مهماً، أو كما قالت عميرة هاس الصحافية الشجاعة في هآرتس طالما أن الإسرائيليين ليسوا قلقين -وذلك ينطبق حتى 7 أكتوبر 2023 فإن الاحتلال غير موجود بمعنى أنه لم يعد مشكلة بعد الآن بل حلها. هناك سلطة فلسطينية وهناك وجود يهودي مكثف للغاية في مستوطنات الضفة الغربية، لم يعد على أحد أن يتعامل معه بعد الآن. في الواقع إذا نظرت إلى الحملات الإنتخابية الأربع الأخيرة فلسطين أو الإحتلال- سمّها ما شئت لم يكن موضوعا يطلب من الإسرائيليين التصويت عليه لأنه لم يعد موجودا كمشكلة. إذا ذكرت قطاع غزة، وإذا تحدثت عن الحصار على غزة فمن جديد سيقول الناس ما الذي تتحدث عنه! هذه المسألة أيضا لم تعد تزعج أحداً وإذا بينت لهم أن القتل اليومي للفلسطينيين في العام الماضي أو في العامين الماضيين، أن القتل اليومي للفلسطينيين في الضفة الغربية والعدوان المستمر والمتكرر على الأقصى هو أمر لن يمر مرور الكرام وستترتب تداعيات على هذه السياسات وحقيقة أن السلطة الفلسطينية الضعيفة غير قادرة على حماية الفلسطنيين من عنف المستوطنين وعنف الجيش الإسرائيلي وعنف شرطة الحدود الإسرائيلية لا تعني أنه ما من مجموعات فلسطينية ستحاول الدفاع عن الفلسطينيين، ليس في قطاع غزة فحسب بل والموجودين أيضا في أجزاء أخرى من فلسطين التاريخية. وقد قيل هذا للجمهور الإسرائيلي وصانعي السياسات وقائد الجيش الإسرائيلي والمخابرات مرارا وتكرارا، بيد أنهم أنكروا وجود مشكلة فهم برأيهم المشكلة الوحيدة هي الإصلاح القانوني سواء كنا سنقبل به أم لا. وكان واضحًا جدًا لماذا لم يتم التعامل مع كل هذه القضايا لأن ما كان لدينا في إسرائيل هو في جوهره صراع بين شكلين من أشكال الأبارتهايد، هناك الأبارتهايد العلماني الإسرائيلي حيث يتنعم اليهود الإسرائيليون بالعيش في ديمقراطية تعددية، بديمقراطية على النمط الغربي وهذا هو نوع الأبارتهايد الذي يريدون الحفاظ عليه، ولديك النسخة المضادة من الأبارتهايد وهو الأبارتهايد المسياني الديني والثيوقراطي.لا كانت المعركة عبارة عن قضية يهودية محلية تتعلق بنوع الحياة اليهودية التي ستكون في المجال العام من دون أي إشارة إلى حياة الفلسطينيين سواء أكانوا الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال في الضفة الغربية أم كانوا الذين يعيشون تحت الحصار في قطاع غزة أو في ظل نظام تمييزي داخل إسرائيل، ناهيك عن الملايين الكثيرة من اللاجئين الفلسطينيين، كل هذا لم يكن موجوداً وانفجر كل شيء في وجه الإسرائيليين صباح 7 أكتوبر. إسرائيل تحت وهم بصري الآن بالتأكيد بسبب الصدمة التي مرت بها في صباح يوم السبت 7 أكتوبر، اختفت كل هذه الشقوق في البنية الصهيونية لأن هجوم حماس كان مؤلماً ومدمراً لدرجة نسيان كل السجالات الداخلية واتحد الجميع خلف الجيش وخطته الحالية لغزو قطاع غزة والبدء بما سبق أن بدأه بالفعل وهي سياسات الإبادة الجماعية على الأرض، لكني أعتقد أن ذلك مجرّد وهم بصري فالصراع الداخلي الإسرائيلي لم ينتهِ وسيعاود الظهور، لا أعرف متى ولكنه سيعود ولكن الأهم وهذا أمر يجب أن نشدد عليه كنشطاء وأكاديميين وكأي شخص يرتبط بشكل أو بآخر بفلسطين والنضال الفلسطيني هو إصرارنا على أن أحداث 7 أكتوبر بمعزل عن كيفية فهمنا لها أو مقاربتنا لها سواء أمن وجهة نظر إنسانية أم من وجهة استراتيجية أو وجهة نظر أخلاقية بمعزل عن كيفية مقاربتنا للمسألة، يجب ألّا تقع في الفخ الذي يبدو أن الكثير من الأفراد الطيبين وقعوا فيه وهو إقتطاع أحداث 7 أكتوبر من سياقها ومسارها التاريخي وهذا أمر لن يتغير في الأسابيع المقبلة، فالواقع على الأرض لا يزال الواقع نفسه الذي كان قائما قبل 7 أكتوبر.

الشعب الفلسطيني منذ العام 1929 على الأرجح، منخرط في نضال من أجل التحريرإنه نضال ضد الاستعمار، إنه نضال ضد الاستعمار الإستيطاني، وكل نضال مناهض للاستعمار يمرّ بمطبات، كل نضال مناهض للاستعمار يملك لحظات من المجد كما يمرّ بلحظات عصيبة من العنف فإنهاء الاستعمار ليس عمليّة سلسة منظمة بل عملية بلا قوانين وكلما طال أمد الاستعمار والقمع، كلما زاد احتمال أن يؤول إلى فورة عنيفة ومتحرّقة على صعد كثيرة وهذا مهم جداً لتذكير الناس بتاريخ تمرد العبيد في هذه البلاد، وكيف تم إنهاء الاستعباد تذكيرهم بتمرّد وثورات السكّان الأميركيين الأصليين بتمرّد الجزائريين ضد الاستعمار في الجزائر، ومجزرة وهران أثناء نضال جبهة التحرير الوطني من أجل التحرر الوطني هذا جزء من النضال من أجل التحرير، يمكنك أحيانا التشكيك في بعض الأفكار الإستراتيجية وقد تمر ببعض اللحظات العصبية المحقة بسبب الطريقة التي بها الأمور، ولكن لا يمكنك أبدا أن تفتقد بوصلتك الأخلاقية إذا لم تنتزع الأمور من سياقها ومن تاريخها، يبدو أنك في صراع ضد تغطية نموذجية سواء من وسائل الإعلام أو الأكاديميين في هذا البلد في الغرب والشمال العالمي.

عموما الذين يملكون قدرة على أخذ الحدث والتعامل معه وكأن لا تاريخ له وكأن لا عواقب تنجم عن ذلك، حتى القصص المتعلقة بالحفل أو المهرجان الذي تعرض للهجوم في 7 أكتوبر، لا تذكر حقيقة أنه كان مهرجاناً للحب والسلام على بعد 1.5 كلمة من غيتو غزة، كان الناس يحتفلون بالحب والسلام بينما يعيش سكان غزة على بعد 2 كلم وراء ذلك السور وتحت أحد أكثر الحصارات وحشية في تاريخ البشرية وهو حصارمستمرمنذ أكثر من 15 عامًا، ومن ثم يسيطرالإسرائيليون على القطاع ويقررون عدد السعرات الحرارية التي تدخل إليه، ويقررون من يدخل ومن يخرج منه ويبقون مليوني إنسان في أكبر سجن في الهواء الطلق على وجه الأرض. تسمح لك كل هذه السياقات بالتعامل مع المسألة أخلاقيا من دون فقدان تلك البوصلة ولكن الأكثر أهمية بكثير من السياق المباشر وحتى من سياق الحصار وهذا ما أود التركيز عليه الليلة، هو حقيقة أن أحد أكبر التحديات التي نواجهها كناشطين من أجل فلسطين أو باحثين من أجل فلسطين هو أننا لا نستطيع تحدي عقود من البروباغندا والتلفيقات والسرديات المضادة بالمقاطع الصوتية، وأعتقد هذه هي مشكلتنا الرئيسية، نحن نحتاج إلى مساحة، نحتاج إلى وقت لشرح الواقع لأن الكثيرمن المنصات والكثير من مصادر المعلومات والكثير من الأماكن التي تنتج المعرفة رسمت صورة عن فلسطين ووضعت تحليلات خاطئة وملتفقة جرى تشكيلها على مر السنين بمساعدة الأوساط الأكاديمية والإعلام وهوليود والمسلسلات التلفزيونية وسواها. فكل هذه وسائل إعلامية تؤثّر في عقول الناس وعواطفهم وقد ألّفت قصة معينة لا يمكنك تحديها بكلمة مسموعة واحدة، ولا يمكنك حتى تحديها بمفردك من خلال إحساسك بالعدالة، لا يمكنك تحديها إلا إذا كان إحساسك بالعدالة يعتمد على معرفة عميقة بالتاريخ وعلى تحليل عميق ودقيق للواقع باستخدام اللغة الصحيحة لأن اللغة التي يستخدمها من يُسمون بالقوى التقدمية الليبرالية هي لغة تحصّن إسرائيل ولا تسمح بتبرير النضال الفلسطيني ضد الاستعمار ولا بجعله مقبولاً شرعياً، أنتم تعرفون على مستوى عظماء النضال ضد الاستعمار الذي يضع الكثيرون من الأبطال من نيلسون مانديلا إلى غاندي وغيرهم من القادة المهمين في حركة التحرير، لن تجد فلسطينيا واحدا سوف يعاملون الفلسطينيين دائما على أنهم إرهابيون في حين أنهم مناهضون أصيلون للحركة الاستعمارية وهذا النوع من الإصرار على استخدام اللغة الصحيحة ومعرفة تاريخ المكان والوصّل إلى التحليل الصحيح هو شيء كما قلّت تحتاج إلى مساحة للقيام  به، فلا يمكنك الاكتفاء بقول أنت على خطأ وأنا على حق وأعتقد أن هذا تحدي كبير لنا جميعاً، فما يحدث اليوم في الولايات المتحدة مثلًا من دعم غير مشروط لإسرائيل والنفاق في التعاطف مع معاناة الإسرائيليين وهو ما لم نلمسه حيال معاناة الفلسطينيين في أي لحظة من تاريخ فلسطين. دروس التاريخ إن جاز التعبير هي الترياق المضاد لمحاولة إخراج أحداث 7 أكتوبر من سياقها التاريخي والأحداث التي تتكشف أمام أعيننا اليوم، وقد تتكشف في الأسابيع القليلة المقبلة إن لم يكن في الأشهر المقبلة أعتقد أن السياق التاريخي له مستويين له ركيزتين أساسيتين يجب الاتكاء عليهما وأعتقد أنهما في غاية الأهمية، بالنسبة لأي شخص يشارك في المناقشات العامة على أساس فردي أو مؤسسي أو في المجال الأكاديمي أو المجال الإعلامي أو سواهما فالركائز نفسها تصلح لكل هذه الأنواع من النضالات.أولا ينبغي ألا نتخلى أبدا عن إصرارنا على تقديم تعريف دقيق للصهيونية، فهذا مهم جدا لا يمكنكم ويجب ألّا تسمحوا بأي نقاش عما يجري في إسرائيل اليوم أو في فلسطين اليوم من دون الحديث عن الصهيونية ولهذا السبب، وهو ليس من قبيل الصدفة، تستثمر إسرائيل ومؤيدها وتبذل الكثير من الجهود في هذه البلدان والبلدان الأخرى للمساواة بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية فإذا ذكرت كلمة صهيونية فأنت تخاطر أن تعتبر معادياً للسامية وبالتالي سيجري إسكاتك بسهولة، لكن هذا لا يعني أن هذه ليست الطريقة الوحيدة والصحيحة لبدء القصة إذ إن القصة تبدأ بإيديولوجيا عنصرية في جوهرها،وتنتمي إلى أصول العنصرية وليس إلى تاريخ حركات التحرر كما تُدرّس في معظم الجامعات الأميركية ولا تتعلق بتاريخ الحركات الوطنية كما تُدرس في معظم الشمال العالمي أو كما يتم الحديث عنها في وسائل الإعلام الغربية، بل إنها تنتمي إلى تاريخ العنصرية ليس في أصولها بل في الطريقة التي طُبقت على أرض فلسطين، وهذه العنصرية هي جزء من الطبيعة الإستعمارية الاستيطانية للحركة الصهيونية وهي ليست حركة إستثنائية بل هي مألوفة لكم أيضًا مع الأوروبيين الذين طردوا من أوروبا وكان عليهم أن يجدوا مكاناً آخر ليعيشوا فيه كأوروبيين، لأنهم لم يقبلوا كأوروبيين ووجدوا بلدانا تعيش فيها شعوب أخرى وكما قال الراحل باتريك وولف فُعّل منطق القضاء على السكان الأصليين لحظة الالتقاء هؤلاء المستوطنين بالسكان الأصليين، وهذا ما يتطبق على فلسطين أيضا إنطلقت السياسات الإقصائية لحظة التقاء الحمض النووي الصهيوني مع الفلسطنيين منذ بداية الحركة الصهيونية في أواخر القرن الـ19 ومن أجل التعبير عن الأمر بكلمات أقل أكاديميّة، كان الهدف السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من أرض فلسطين مع أقل عدد ممكن من الفلسطنيين، فدائماً ما تدخل مسائل كهذه البعد الديموغرافية والبعد الجغرافي أي بعد السكان وبعد المكان كلما زادت المساحة التي تستحوذ عليها أقل عدد السكان الأصليين الذين ترغب بهم فيها يمكن لسياسات الإقصاء أن تكون عبارة عن إبادات جماعية ويمكن أن تكون تطهيرًا عرقيًا أو تمييزًا عنصريًا، تأخذ سياسات الإقصاء أشكالا مختلفة في أماكن مختلفة، وتتخذ أشكالا مختلفة في المكان نفسه وفقا للقدرة والظروف التاريخية والأحوال ولكن لا يمكنك فصل ما حدث في غزة عن السياسات الإقصائية الإسرائيلية وقبلها الصهيونية، ولا عن إقصاء السكان الأصليين.

إقصاء السكان الأصليين الذي بدؤوا أولا في الفكر الصهيوني وفي لوحات الرسامين الصهاينة، وفي كتابات المفكّرين الصهاينة ومن ثم أصبحت استراتيجية في الثلاثينيات، وطبقت للمرة الأولى عام 1948 عبر التطهير العرقي لفلسطين الذي انتهى بتهجير نصف الفلسطينيين وتدمير نصف قرى فلسطين، وللمناسبة تقوم على أنقاض الكثير من هذه القرى بعض الكيبوتسات التي إحتلتها حماس لبضعة ساعات، لقد بنيت هذه الكيبوتسات على أن قاضي تلك القرى الفلسطينية منذ عام 1948 وبالتالي العدد القليل من الفلسطينيين التي ذهبوا إلى تلك الكيبوتسات هم الجيل الثالث للاجئين الفلسطينيين الذين هجّروا من تلك القرى المدمرة غير البعيدة عن غزة، وهذا جزء من القصة ليس كل ما أقوله هنا يعني أني أبرّر كل ما يجري، أنا لا أفعل لكن كلامي يمنحك سياقاً تاريخياً لا يمكنك من دونه الوصول إلى مصدر العنف بل يجعلك تتعامل مع أعراض العنف و لا بدّ من الذهاب إلى مصدر العنف ومصدر العنف هوأيديولوجيا محددة، أيديولوجيا صهيونية، وهي في جوهرها تقوم على فكرة القضاء على السكان الأصليين وكما قلتُ، لا يشكّل ذلك خاصية تنفرد بها الصهيونية بل غيرها من الحركات الإستعمارية الاستيطانية الأوروبية التي كانت بالتأكيد مدفوعة ومُلهمة بفكرة القضاء على السكان الأصليين، لذا إذا تمعنت بسرعة في ذلك التاريخ ستدرك أن المهم جدًا بالنسبة إلى حركة أيديولوجية تحفزها فكرة الحصول على أكبر قدر ممكن من الأرض الجديدة مع أقل عدد ممكن من سكانها الأصليين، ستفهم أن المهم هو الفترة التاريخية التي صممت فيها والفترة التاريخية التي طبقت فيها سياساتها الإقصائية. الآن إذا سنّيت هذه السياسات الإقصائية في القرن الـ19 كما حدث في الولايات المتحدة فأنت تتحدث عن عالم غير مبالٍ بالاستعمار والعنصرية وغيرها من حقوق الإنسان الجماعية والحقوق المدنية، ولكن إذا قلت لنفسك لحظة، لقد حدث هذا بعد الحرب العالمية الثانية وقد حدث بالفعل في سنة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كان مدعاة فخر الشمال العالمي كما لو أنه يقول للعالم بعد الحرب العالمية الثانية، نحن الآن لدينا أساس أخلاقي من شأنه أن يضمن أن القتل الجماعي للناس على نحو ما رأيناه في الحرب العالمية الثانية، والعنصرية التي رأيناها في الكثير من الأماكن سيتم التخلص منهم بسبب الإجماع الأخلاقي حيال ذلك، لكن عندما تفكر أنه في العام نفسه أصدرت جنوب أفريقيا قانون الفصل العنصري ومارست إسرائيل التطهير العرقي في فلسطين. تبدأ في فهم الرسالة التي تلقّاها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والأهم، الرسالة التي تلقتها الدولة الصهيونية عام 1948 من المجتمع الدولي. نعم، نحن نعلن بكل فخر عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولكننا نقول لكم أيضا أنه لا ينطبق عليكم كانت الرسالة الموجّهة تفيد أن التطهير العرقي لفلسطين مقبول لسبب أساسي، ولو أنني أعتقد أن هذه كانت البروباغندا وليس السبب الحقيقي وهو على حد قول أحد المثقفين الأمريكيين تقبّل ظلم صغير لتصحيح ظلم أكبر بكثير فكان على الفلسطينيين تعويض اليهود عن ألف عام من معاداة السامية الأوروبية والمسيحية وكانت الصفقة واضحة جدا ولذلك كانت إسرائيل أول دولة تعترف بألمانيا الجديدة.

في حين كانت الشعوب في أوروبا وفي الغرب مترددة جدا إزاء القبول بألمانيا الغربية عضواً بين الأمم المتحضرة بعد سنوات قليلة جداً من زوال النظام النازي، ولكن في لحظة حصولهم على ضوء أخضر من إسرائيل التي ادعت، عن غير وجه حق أنها تمثل الناجين من المحرقة وكذلك ضحاياها ادعت أنها الممثل المطلق للمحرقة قالت: سنعترف بألمانيا الجديدة وفي المقابل نريد من الغرب ألا يتدخل في ما نفعله في فلسطين قد تتوقع أن تكون إسرائيل الدولة الثالثة على الأقل التي تعترف بألمانيا الجديدة وليس الدولة الأولى ولكن كانت تلك الصفقة مهمة جدًا بالنسبة إليها وكذلك قدمت ألمانيا الجديدة مساعدات مالية هائلة وقد ساعدتها في بناء الجيش الإسرائيلي الحديث في أوائل خمسينات القرن الماضي. الآن، عندما كانت الرسالة الموجهة من العالم مفادها أن التطهير العرقي في حالة دولة إسرائيل هو وسيلة مقبولة في إستراتيجية الأمن القومي من غير المستغرب أن يستمر التطهير العرقي، هجّرت إسرائيل سكّان 36 قرية بين عامي 1948 و1967 داخل إسرائيل، وهجّرت إسرائيل 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة خلال حرب حزيران/يونيو 1967 هجّرت إسرائيل منذ العام 1967 وحتى اليوم نحو 700 ألف فلسطيني من الضفة الغربية ومن قطاع غزة، وبينما نتحدث هنا تواصل إسرائيل التطهير العرقي في أماكن مثل مسافر يطا في جنوب جبال الخليل، ومنطقة القدس الكبرى وفي أجزاء أخرى من فلسطين أصبح التطهير العرقي للفلسطينيين بمثابة الحمض النووي للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وهي توظّف مئات الآلاف من الأشخاص لممارسة هذه السياسة لأنها لا تمارس عمليات تطهير عرقي واسعة النطاق كما حدث عام 1948 إنما تمارس تطهيرا عرقيا تدريجيا ففي بعض الأحيان يجري طرد شخص واحد وعائلة واحدة وتهجيرهم، وأحيانا لا تجري حالات طرد وتهجير وفي بعض الأحيان يكون إغلاقا  لقرية أو تطويق قطاع غزة.

الحصار هو شكل من أشكال التطهير العرقي لأنك إذا حولت غزة إلى غيتو فلا يدخل مليونا فلسطيني في الحساب الديمغرافي ضمن معادلة التوازن الديموغرافيا بين العرب واليهود لأن هؤلاء الفلسطينيين لا رأي لهم في مستقبل فلسطين التاريخية، هذه هي الركيزة التاريخية الوحيدة اللازمة في مواجهة أي شخص يتحدث  إلينا أو يستخدم تلك اللغة الوضيعة الرائجة حاليا ضد الفلسطينيين مثل أن التلويح بالعلم الفلسطيني هو دعم للإرهاب، وإذا قارن الناس ما حدث في صباح 7 أكتوبر بالمحرقة فإنهم بذلك يستغلون ذكرى المحرقة لأنهم لا يفهمون أو لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون ولكن حتى لو تمسكوا بقولهم واتخذوا منه أساساً أخلاقيا لحجتهم فمن المهم للغاية تحديد موقع هذا الحدث،لا سيما في التاريخ الأوسع نطاقاً لفلسطين الحديثة والتاريخ المحدد لبدء الحصار على غزة عام 2007. الحصار اللاإنساني لنحو مليون إنسان في واحد من أطول الحصارات عفلى الإطلاق التي ضُربت حول هذا العدد الكبيرمن الناس و شمل الغذاء والمياه وحرية الحركة وغيرها من ضروريات الحياة الأساسية ما دفع الأمم المتحدة عام 2020 إلى تصنيف الحياة في قطاع غزة بغير المستدامة للبشر أي إنهم أشاروا إلى تخطّي الخطوط الحمر في غزة منذ ثلاث سنوات، لذا لا تتفاجؤوا أنه إذا خرج الناس من هناك سيظهرون غضبًا وعنفًا ويسعون للانتقام، وهذا طبيعي وهذا ما فعله المتمرّدون العبيد من السكان الأصليين الأمريكيين والسكان المُستَعمرين في الهند وعبر شمال أفريقيا وكما قلت سابقًا الكفاح ضد الاستعمار لا يمارسه الصاحبيون (الكويكرز) أو دعاة السلام فقد يكون عنيفاً للغاية أو سلمياً للغاية، ويعتمد ذلك كثيرًا على مدى إستعداد المستعمر والمُطهّر العرقي قبول حقيقة أن الأشخاص الخاضعين للاستعمار والمضطهدين لن يختفوا ولن يتخلوا عن نضالهم كلما أسرعت في فهم ذلك زاد احتمال حصولك على انتقال سلمي من الواقع الكولونيالي إلى واقع ما بعد كولونيالي، وإذا أبيت ذلك فسوف يفجر ذلك في وجهك مرارا وتكرارا ولن يكون 7 أكتوبر المرة الأخيرة لحدث مماثل لكنّني أود لفت إنتباهكم إلى سياق تاريخي آخر،  وهو غاية في الأهمية لأنه في الخطاب السائد سواء أكان في التغطية الإعلامية أم كان قبل السياسيين في هذا البلد في الغرب عمومًا، كان من السهل رؤية كيف إنزلق الناس نحو التعميم بشأن الفلسطينيين وكأنهم يملكون نعوت وتوصيفات عامة عن الفلسطينيين سبق أن سمعناها عن المسلمين عموماً بعد 11 سبتمبر وسمعناها في خلال الفترة الاستعمارية ضد أي شعب تجرأ على تحدي الإمبراطوريات فهذه ليست ظاهرة جديدة ولكن من المهم تذكير الناس بأن الصهيونية حلت كارثة على فلسطين ودمّرتها وكانت فلسطين لتكون مختلفة لولا الصهيونية من المهم للغاية تذكير الناس كيف كانت فلسطين قبل عام 1948، فلسطين التي تعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود عندما لم يكن التعايش فكرة مصطنعة تحت شعار عش و دع غيرك يعيش، وأنما كانت طريقة حقيقية للعيش معاً.

لا ينبغي للمرء أن يسبغها بالمثالية، فبالطبع تخللها توتّرات ولحظات تأزم لكنّها مثلت فسيفساء من الحياة وخاصةً في فلسطين حيث مكنت الناس من التمتع بما لدى الأرض لتقدمه وكانت الأرض تقدم ما لن تعثر عليه اليوم في فلطسين فكانت تقدم الأرض فيضا  من المياه، على سبيل المثال، وحدهم الناس الذين يتذكرون فلسطين قبل عام 1948 يعرفون أن سبيلاً من المياه العذبة كان يمر في كل قرية فلسطينية، تعرفون هذه الحكاية الصهيونية التي كررها رئيس الاتحاد الأوروبي حين قال إن الصهيونية تُزهر الصحراء وهذا محض تلفيق للتاريخ، الصهيونية حولت بلداً مزدهراً إلى صحراء في الكثير من الأماكن لا يمكن معرفة ذلك إلا إذا أعدت بمساعدة من المؤرخين بناء فلسطين التي كانت موجودة قبل عام 1948 من نواحي الإنسانية والعلاقات الإنسانية والبيئية أيضًا. فالصلة بين الفلسطينيين والأعشاب والطبيعة التي دمرتها الصهيونية كانت جزءًا من نمط حياة الفلسطيني أو كما قال الراحل إميل حبيبي عندما كان يسكن في شارع عباس في حيفا وقال لم أكن أعرف المسيحي من المسلم في شارعي قبل عام 1948، ولا أعتقد أنه قال ذلك من باب الحنين إلى الماضي بل هذا تاريخ بديل لإخبارك بأنه كان من الممكن أن تكون فلسطين مختلفة وبالنسبة إلى هذا التاريخ يجب أن تدرج كذلك حقيقة أن الحركة الوطنية الفلسطينية المناهضة للاستعمار منذ اللحظة التي وطأت فيها أقدام الصهاينة فلسطين التاريخية كانت مخلصة لمبدأين وهذا موثق جيدا ولن تواجه صعوبة في العثور عليه، التزم الفلسطينيين بهذين المبدأين وقد قالوا ذلك للأميركيين تحديدًا لأن الأميركيين هم من بعثهما مع الرئيس ويلسون إلى العالم العربي وخصوصا إلى المشرق أي شرقي البحر المتوسط ​​عام 1918، ثم أعادت الأمم المتحدة تكرارهما المبدأ الأول هو حق الشعوب في تقرير مصيرها وقد قال الفلسطينيون: نحن أيضًا لدينا الحق في تقرير مصيرنا مثل العراقيين واللبنانيين والمصريين، أما المبدأ الثاني فهو الديمقراطية إذا كنتم سوف تخرجوننا من نير الحكم العثماني الذي عشنا في ظله لمدة 400 عام وتريدون منا أن نقرر مستقبلنا ما بعد الحكم العثماني فما سيكون حكم مستقبلنا؟ وماذا ستكون طبيعة نظامنا ودولتنا ووجودنا السياسي؟ نريد ديموقراطياً وبأصوات الغالبية أن نقرر ما إذا كنا نريد أن نكون جزءاً من سوريا الكبرى أو إذا كنا نريد أن نعيش في فلسطين عربية مستقلة وربما نريد أن نكون جزءًا من جمهورية عربية اتحادية ولكن الأمر يعود إلينا وكل بعثة أميركية بين عامي 1918 و1948، كل وفد دولي سواء أكان أنغلو-أميركيًا أم كان من منظمة أخرى قدم للفلسطينيين سببًا يبرّر لم أن مبدئي تقرير المصير والديمقراطية العزيزين لدى الغرب، المبدآن اللذان يعتبرهما الغرب ركيزة محقة لبناء العالم العربي الجديد في مرحلة ما بعد الدولة العثمانية لا يمكن تطبيقهما في فلسطين لأن الإمبراطورية البريطانية وعدت فلسطين إلى دولة يهودية ولأن اليهود أقلية محدودة، فإن مبدأ تقرير المصير لا يمكن تطبيقه على الفلسطينيين وبالطبع مبدأ الغالبية أو الانتخابات الديمقراطية غير وارد بالنسبة إلى الفلسطينيين وهذا أمر مهم في سياق رحلتنا التاريخية في الماضي من أجل وضع سياق لنمط القمع ولتاريخ العنصرية أو أصلها. العنصرية التي أيدها الغرب دعمها عندما جاء إلى فلسطين الآن، هذه الركيزة ليست مهمة فحسب لتذكيرنا بما فعلته الصهيونية أو بما كان يمكن أن تكون عليه فلسطين، هذا هو الأساس الذي سنبني عليه فلسطين المحرّرة ما بعد الكولونيالية. هذا هو الأساس، فكر في عناصر ذلك الماضي وكيفية ارتباطها بواقع مغاير لما هو اليوم ولا تدع الهجوم الحالي على قطاع غزة وسياسة الإبادة الجماعية التي تنتهجها إسرائيل يُشعر بالخجل من الآن في التفكير في تحرير فلسطين وكيف ستبدو فلسطين المحرّرة وتحدث مع الفلسطينيين الذين لا يفكّرون بالحركات التكتيكيّة بل تضعون تصوّرات وهذا ما قمت به في كتابي مع رمزي بَارود، تحدّثنا مع 40 مفكرًا فلسطينيًا وسألناهم كيف يتصورون فلسطين المحررة و إذا نظرتم إلى رؤيتهم للتحرير وللمناسبة لا تنحصر رؤية التحرير في كيفية النضال من أجل التحريرفحسب، وإنما بماذا سيحمله التحرير معه أيضا وهذه الرؤية هي كل العناصر التي كانت موجودة في فلسطين قبل عام 1948، مجتمع لا يعرف التمييز على أساس الدين أو الطائفة أو الهوية الثقافية مجتمع يحترم الديمقراطية،مجتمع يحترم مبدأ العيش وترك الآخرين يعيشون والأهم ربما، مجتمع يعيد فلسطين إلى العالم العربي إلى العالم الإسلامي ويعيدها بشكل طبيعي إلى المكان الذي انتزعت منه بالقوة وأن تكون فلسطين جزءًا من العالم العربي ليس سيناريو بسيطًا لكثير من الناس وهم محقون في ذلك ولكن لا يمكنك أن تمثل جزءًا من الحل أو من السيناريوهات الأكثر إيجابية للعالم العربي إن لم تكن جزءًا من مشكلات العالم العربي ولا يمكنك إجراء نقاش عن حقوق الإنسان في إيران أو الحقوق المدنية في مصر ما لم تدرج معها الحقوق المدنية وحقوق الإنسان للفلسطينيين فلا طائل من تلك المناقشات لأنك ستصل دائما إلى حقيقة استثناء الفلسطيني من هذه الحقوق، وستجد نفسك دائما في موقع دوني إذا أردت الخارج أن يساعد العالم العربي على التعامل مع قضايا حقوق الإنسان والحقوق المدنية، عندما تصبح فلسطين المستقبليّة جزء من العالم العربي عندها فحسب ستمثل جزء من مشكلاته ولكنها ستكون أيضا جزء من حلوله. سأختم كلامي بتكرار نقطة رئيسة أريد إيصالها الليلة دائما ما تنطوي الأحداث الكبرى على وهم ولا يمكن للمرء هنا أن يقلّل من حجم الأحداث التي نشهدها ومن الكارثة الإنسانية، وللأسف أعتقد أننا نرى بداية الكارثة الإنسانية التي ستوقعها إسرائيل ليس على قطاع غزة فحسب وإنما أيضا وللأسف على الضفة الغربية كذلك سيتذرعون بما يحدث لتغيير السياسات في الضفة الغربية أيضا، والأمر الأكثر إلحاحاً بالطبع هو محاولة إيقافها بشتى الوسائل المتاحة لنا في هذا البلد والضغط من أجل تدخل دولي ووضع حد لسياسات الإبادة الجماعية التي أخشى للغاية من تمددها إلى الضفة الغربية كما سبق أن قلت لكن جزءًا ممّا يجب علينا القيام به دائمًا هو التخطيط الإستراتيجي لأن القضايا الأساسية سوف تبقى حتى بعد انتهاء هذه اللحظة بطريقة أو بأخرى، وهذا النوع من النقاشات هو ما سيضمن في رأيي عدم فقدان بوصلتنا الأخلاقية، وألّا يثنينا قول الناس إنه بالتأكيد بعد ما حدث في 7 أكتوبر لا يمكنك الإحتفاظ بمواقفك الأخلاقية القديمة يجب أن نذكّر الناس بأن أحداً لم يشكّك في حق الجزائر في أن تكون حرة، وحق كينيا في أن تكون حرة وحق الهند في التحرر من الاستعمارعلى الرغم من أي حادث وقع في خضم النضال من أجل التحرر وبغض النظر على مستوى العنف أو أي شكل إتخذه الصدام بين القوى المناهضة للاستعمار والقوى الاستعمارية، لن نشكك أبدًا في الحق الأساسي في التحرر والاستقلال ولا ينبغي لنا أن نفعل ذلك في حالة فلسطين إذا كنت تريد رؤية فلسطين مسالمة عليك أن تتحدث أولا وقبل كل شيء عن فلسطين حرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى