الغارديان: “السلام الإقليمي الدائم يجب أن يمر عبر غزة”
“في غزة، لم يُبد نتنياهو أي استعداد للمشاركة في محادثات السلام التي توسطت فيها قطر، التي علقت دورها كوسيط هذا الشهر في حالة من الغضب. والآن بلغ عدد القتلى غير المقبول هناك أكثر من 44 ألف قتيل – غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال. وفي منطقة على حافة الهاوية، يجب أن تمر أي تسوية دائمة عبر غزة، وتتضمن خلق الظروف الواقعية لدولة فلسطينية قابلة للحياة)”.
تحت هذا العنوان أعدت “بي بي سي” جولة في الصحافة العالمية مؤخراً، استهلتها بالقول: “لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله يحظى باهتمام الصحف العالمية، وبينما اعتبرت صحيفة الغارديان البريطانية أن أي سلام في الشرق الأوسط يجب أن يمر عبر غزة، دعت صحيفة جيروزاليم بوست الجيش الإسرائيلي للرد (بكل قوة) على أي انتهاك محتمل للاتفاق، واعتبر مقال رأي في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية الأمر بمثابة (هزيمة مكتملة الأركان) لحزب الله. نبدأ جولتنا من صحيفة الغارديان، وافتتاحية بعنوان (السلام الإقليمي الدائم يجب أن يمر عبر غزة). تستهل الصحيفة بالإشارة إلى التفاؤل الذي أبداه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عندما أعلن يوم الثلاثاء الماضي عن اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل وحزب الله. وأضافت الصحيفة: (قال السيد بايدن، حين أنهى الاتفاق الصراع الذي دام 14 شهرا، والذي فقد خلاله ما يقرب من 4000 شخص حياتهم ونزح مئات الآلاف: إنه يذكرنا بأن السلام ممكن). وتعتبر الصحيفة أن الاتفاق بمثابة إنجاز يختتم به بايدن فترته الرئاسية (بعد ما فشل بشكل واضح في كبح جماح تجاوزات إسرائيل، بعد مذبحة حماس الشنيعة في 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2023). والأهم من ذلك أن الاتفاق يمنح الشعب اللبناني، الذي يعاني، بعض الراحة، بعد حملة قصف وغزو بري لم يول سوى القليل من الاهتمام للتأثير المروع على حياة المدنيين، وفق الصحيفة. أما بالنسبة لنحو 60 ألفا من مواطني إسرائيل، الذين أجبروا على الفرار من منطقة الحدود الشمالية للبلاد بسبب صواريخ حزب الله، هناك الآن احتمال عودتهم إلى ديارهم بعد قضاء أكثر من عام في مخيمات النازحين. وترى الصحيفة أن السلام على الجبهة الشمالية لإسرائيل (سوف يشعل حتماً الآمال في تحقيق تقدم أوسع نطاقاً، في ظل استمرار التدمير الوحشي المشين لغزة في الجنوب، وتضاؤل الأمل في بقاء الرهائن الإسرائيليين على قيد الحياة هناك). وترى الغارديان أنه ليس من الحكمة المبالغة في توقع انعكاس إيجابي محتمل (لاتفاق تم التوصل إليه وفقاً لشروط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبما يتناسب مع مصالحه) على الوضع في غزة. وكتبت: (الأمر الحاسم هنا هو أن ضعف حزب الله يعني أن إسرائيل تمكنت من فصل حربي لبنان وغزة، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار يترك لها حرية التصرف في حرب غزة). وتقول الصحيفة إنه استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي، الذي أنهى حرب لبنان في عام 2006، ولكن لم يتم تنفيذه بالكامل، فإن الاتفاق الأخير سوف يلزم القوات الإسرائيلية بالانسحاب ويلزم حزب الله بالانسحاب إلى الشمال من نهر الليطاني في جنوب لبنان. ومع إزالة التهديد المباشر المتمثل في وجود وكيل إيراني قوي على عتبة إسرائيل، أصبح نتنياهو حراً في مضاعفة أهدافه الحربية في أماكن أخرى، وخاصة فيما يتعلق بطهران، وفق الغادريان. وكتبت: (وفي غزة، من ناحية أخرى، لم يُبد نتنياهو أي استعداد للمشاركة في محادثات السلام التي توسطت فيها قطر، التي علقت دورها كوسيط هذا الشهر في حالة من الغضب. والآن بلغ عدد القتلى غير المقبول هناك أكثر من 44 ألف قتيل – غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال. وفي منطقة على حافة الهاوية، يجب أن تمر أي تسوية دائمة عبر غزة، وتتضمن خلق الظروف الواقعية لدولة فلسطينية قابلة للحياة)”.
“على إسرائيل أن ترد بكل قوة”
“وننتقل إلى صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، وافتتاحية بعنوان (على إسرائيل أن تبقى متيقظة تجاه حزب الله، في ضوء اتفاق وقف إطلاق النار). تدعو الصحيفة الجيش الإسرائيلي إلى الرد بكل قوة، على أي انتهاك محتمل للاتفاق من جانب حزب الله. وتستهل الصحيفة باستذكار (وعد سمعه الإسرائيليون كثيرا عندما انسحب جيش الدفاع الإسرائيلي من الأراضي في الماضي: إذا تم إطلاق رصاصة واحدة أو صاروخ واحد، فسوف يرد جيش الدفاع الإسرائيلي بكل قوة ويحظى بالشرعية الدولية الكاملة للقيام بذلك). وتعتبر الصحيفة أن ذلك الوعد لم يتم الوفاء به حين انسحبت إسرائيل بالكامل من لبنان في عام 2000، وكذلك عندما انسحبت من غزة في عام 2005، وفي كل مرة، (لم ترد إسرائيل بالشكل الكافي). وكتبت: (لقد ثبت أن هذه الوعود لم تكن أكثر من مجرد كلمات جوفاء، وأدى الفشل في الوفاء بها إلى عواقب وخيمة: حرب لبنان الثانية والتراكم الوحشي لقدرات حزب الله في لبنان، واستيلاء حماس على غزة، وفي نهاية المطاف مذبحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول). وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى حادثة، وقعت بعد ساعات من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في قرية كفر كلا اللبنانية، إذ (دخلت مركبة تحمل أفراداً حددهم وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، على أنهم إرهابيون من حزب الله إلى كفركلا، الواقعة مباشرة قبالة المطلة. وأطلق جيش الدفاع الإسرائيلي طلقات تحذيرية لمطاردتهم). وفي حادث آخر، شوهد أفراد بالقرب من دبابة إسرائيلية في قرية أخرى في جنوب لبنان، وظهرت مقاطع فيديو على الإنترنت لأشخاص يعودون إلى قرى في الجنوب، على عكس الاتفاق، الذي يمنع ذلك في الوقت الحالي، حسب الصحيفة الإسرائيلية. وتقول الصحيفة إنه إذا قررت الحكومة الإسرائيلية، كما حدث في الماضي، عدم التحرك ضد الانتهاكات الواضحة للاتفاقيات، (فسوف يرى العدو أنه لا يوجد ثمن لعدم احترام الاتفاق، وسوف يتصرف وفقاً لذلك). واختتمت: (إن اتفاق وقف إطلاق النار هذا قد يبشر بفترة جديدة في الشمال وفي لبنان، لكن فقط إذا تم احترام الاتفاق، وإذا اتخذت إسرائيل إجراءات حاسمة إذا لم يتم احترامه. والواقع أن الوقت قد بدأ بالفعل لاتخاذ هذه الإجراءات الحاسمة)”.
“هزيمة مكتملة الأركان”
“وأخيرا نختتم جولتنا من صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، ومقال بعنوان (أيُّ غدٍ للبنان بعد الحرب؟”، كتبه الصحفي اللبناني، حنا صالح. يوجه الكاتب في مقاله انتقادات لاذعة إلى حزب الله، متهما إياه بإشعال الحرب مع إسرائيل حين أعلن عن فتح جبهة (إسناد) لغزة يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، ليخرج منها منهزما في نهاية المطاف. ويرى الكاتب أنه بوسع إسرائيل الآن أن تعلن، في ضوء اتفاق وقف النار، أنها بمنأى، ولعقود، عن أي هجمات مماثلة لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول من الشمال (لبنان)، وأنها دمَّرت القدرات البشرية والتسليحية لحزب الله. وبالتوازي مع ذلك، سقطت سرديات رفعها الحزب يوم أطلق حرب (المشاغلة) مع إسرائيل، فتم فك الارتباط بغزة وسقط شعار وحدة الساحات، وفشل الحزب في منع إسرائيل من الانتصار، عندما وافق على إخلاء جنوب الليطاني وتفكيك بنيته العسكرية أينما وُجدت، وفق الكاتب. ورغم ذلك، سيكون حزب الله قادراً على القول (إن إسرائيل لم تنجح في تدميره كما وعدت، غير أنه سيكون عاجزاً عن الإجابة عن سؤال أين كان؟ وأين أصبح؟ بعدما خسر قيادته السياسية والعسكرية وسقطت سرديات أغرق بها جمهوراً ما زال تحت وطأة مفاجآت الحرب المدمرة). ويرى الكاتب أن الاتفاق (ينتقص من سيادة لبنان، خصوصاً مع الإقرار الأمريكي بحق إسرائيل في حرية التدخل العسكري، كلما وجدت ما تدَعي أنه يهدد أمنها، ولن تعجز عن افتعال الأسباب… كما يحمل مساساً خطيراً بحقوق لبنان بأرضه وحدوده، المكرسة في اتفاق الهدنة (بين الدول العربية وإسرائيل) عام 1949). ويقول الكاتب إنه كان بالإمكان تدارك (مخطط جر لبنان إلى هذه النكبة، التي لن تتضح كل معالمها إلاّ بعد وقت (طويل) على سريان وقف إطلاق النار). ويدعو الكاتب إلى دور فاعلٍ للسلطة التنفيذية اللبنانية، مع يقظة شعبية ضاغطة، لضمان تنفيذِ القرار الدولي في جنوب الليطاني وشماله وفي الداخل وعلى الحدود، وبما يدعم بسط الشرعية من دون شريك، وذلك في إشارة إلى ضرورة نزع سلاح حزب الله. واختتم: (وبعد اليوم لن ينفع غِنى اللغة العربية في اكتشاف مفردات، تحوِل الهزيمة مكتملة الأركان إلى انتصار مجيد!)”.