التفوق العسكري والاستخباراتي لن يُحقّق للشرق الأوسط ما تسعى إليه إسرائيل
“الفلسطينيون لا يهربون، ولن يفعل ذلك اللبنانيون. ربما ترمم إسرائيل يمكنها الردع وتقصف غزة ولبنان، لكن عليها أن تستوعب في النهاية: القوة الزائدة لن تبقيها سوية العقل ومُحبة للحياة. وبالذات من موقع القوة، يجب أن تعترف بحقوق الآخرين وتفهم بأن التفوق اليهودي والمطالبة بالأراضي يشدد التطرف”.
تحت العنوان أعلاه كتب “جاكي خوري” تحليلاً سياسياً نشرته “هآرتس” يوم 7/10 الجاري، استهله بالقول: “عشية ذكرى مرور سنة على 7 أكتوبر، يمكن لإسرائيل إطلاق رسالة لدول الشرق الأوسط والعالم بعامة: رممنا آلية الردع. كان الدمار في غزة مقدمة الانعطافة في 17 أيلول، مع انفجارات أجهزة البيجر. بعد ذلك، جاءت اغتيالات للأمين العام حسن نصر الله وكبار رجالات المنظمة، والمناورة البرية في جنوب لبنان، واستمرار الهجمات في القطاع، واليمن وسوريا، وإحباطات مركزة وإغلاق حساب مع عبد العزيز صالحة، من منفذي الفتك في رام الله قبل 24 سنة.
وإن لم يكن هذا بكاف، فلا تتردد إسرائيل في إرسال طائرات قتالية إلى مخيم طولكرم للاجئين في الضفة الغربية، والآن الجميع ينتظر الرد في عمق إيران. كل شيء ممكن، كل شيء متاح. من سيقف ضد دولة إسرائيل؟ حتى الأمين العام للأمم المتحدة بجلالة قدره وبنفسه يوصف كشخصية غير مرغوب فيها، مثلما أعلن وزير الخارجية إسرائيل كاتس الأسبوع الماضي. رب البيت جن جنونه، نزعنا القفازات. ها هي شدة إسرائيل، عضلات فولاذية. أي حكم أو ضغط دولي لن يغير (الرواية الإسرائيلية): القوة ومزيد من القوة حتى (النصر المطلق). نظرية كهذه هي بالضبط مفهوم كارثة أخرى. هكذا ستنشأ كراهية أخرى، وستشتعل نار الثأر. التاريخ مليء بالأمثلة، لكن يكفي فحص ما حصل قبل 51 سنة: في 6 أكتوبر 1973، بداية حرب يوم الغفران. في حينه عرفت إسرائيل الضربة التي تلقتها بكلمة (قصور)، وعملت على ترميم الردع في زمن قصير”.
واستطرد: “لكن في النهاية، سارت على الخط وفهمت أن عليها التنازل عن الاحتلال في سيناء لتهدئة الجبهة الأكثر تحدياً في العالم العربي. بعد تسعة سنوات، في 6 حزيران 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان، وصلت حتى بيروت، وطردت قادة منظمة التحرير الفلسطينية وسعت لاتفاق منفرد برئاسة الرئيس بشير الجميل. قتل الرئيس واندثر الحلم. بعد بضع سنوات، علقت إسرائيل في الانتفاضة الأولى، ما هيأ لمبادرات أوسلو ومدريد. كل تهدئة لم تنشأ إلا بعد أن فهمت إسرائيل واجب الحديث مع الشعب الفلسطيني والاعتراف بحقوقه، وذلك لأن القمع والتصفيات لم تغير الواقع. أريئيل شارون، أبو المستوطنات، الذي انتخب لرئاسة الوزراء على خلفية الانتفاضة الثانية، اضطر في نهاية الأمر لعرض خطة سياسية لو جزئية، والانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد. إن عدم الاعتراف بالقيادة الفلسطينية والرغبة في خطوة من طرف واحد عززا قوة حماس وأهانا قادة السلطة الفلسطينية”.
وخلص في تحليله للقول: “اليمين المسياني يصف ما يحصل هذه الأيام بأنه (معجزة وخلاص). هم يرون في موجة الهجمات مرحلة في الطريق إلى توطن أجزاء أخرى في بلاد إسرائيل، عبر تقليص أرض معيشية للفلسطينيين. رغم ذلك، الفلسطينيون لا يهربون، ولن يفعل ذلك اللبنانيون. ربما ترمم إسرائيل يمكنها الردع وتقصف غزة ولبنان. سينفعل العالم لعمق الاختراق الاستخباري ولوقع الذراع، لكن عليها أن تستوعب في النهاية: القوة الزائدة لن تبقيها سوية العقل ومحبة للحياة. وبالذات من موقع القوة، يجب أن تعترف بحقوق الآخرين وتفهم بأن التفوق اليهودي والمطالبة بالأراضي يشدد التطرف، ولا يحله قبل أن يحل القصور التالي”.