نوبل للسلام تشعل الحروب وغزة تهيمن على الاختيار
” كل ما يرتبط بجائزة “نوبل للسلام” يرتبط بالحروب الفكرية منبت الجائزة وأصلها وصاحب فكرتها هو رجل الأعمال السويدي ألفريد نوبل مخترع الديناميت. والأسماء التي تُطرح للترشيح سراً تفجر الخلافات ما إن تخرج للعلن. وتنصيب هذا أو ذاك حائزاً على جائزة نوبل للسلام يفجر مفاهيم متنافرة عن الحرب والسلام وما بينهما. إنها الجائزة الأكثر إثارة للجدل والاختلاف والاعتراض”.
بهذا العنوان نشرت “الإندبندنت” تقريراً مطوّلاً يوم 4/10 الجاري أعدته “أمينة خيري”، حيث بدأته بالقول: “كل ما يرتبط بجائزة “نوبل للسلام” يرتبط بالحروب الفكرية منبت الجائزة وأصلها وصاحب فكرتها هو رجل الأعمال السويدي ألفريد نوبل مخترع الديناميت. والأسماء التي تُطرح للترشيح سراً تفجر الخلافات ما إن تخرج للعلن. وتنصيب هذا أو ذاك حائزاً على جائزة نوبل للسلام يفجر مفاهيم متنافرة عن الحرب والسلام وما بينهما. إنها الجائزة الأكثر إثارة للجدل والاختلاف والخلاف والاعتراض. ليست جائزة في الكيمياء يمكن فهم أسباب تفوق حسابات للذرات أو تعديل للجزيئات، أو في الطب حيث ابتكارات لعلاجات واكتشافات لأمراض، أو حتى الأدب المعروف باعتماد اختياراته على توجهات النقاد وترشيحات الأدباء. إنها جائزة السلام، لا سيما على ظهر هذا الكوكب، فهو المفهوم الذي قلما يحظى بإجماع أو شبه إجماع، وذلك منذ بدء الخليقة وحتى الحرب الدائرة رحاها في منطقة الشرق الأوسط حالياً. في مثل هذه الأيام من كل عام، لا ينشط الجدال والخلاف فقط حول اسم وهوية الأسماء أو الجهات المستحقة أو غير المستحقة لجائزة نوبل للسلام، بل يستعر العراك الثقافي والتناطح التاريخي وبالطبع الصراع السياسي حول الجائزة، بدءاً بتناثر الأسماء “السرية” المرشحة لنيل الجائزة عبر منصات الإعلام، مروراً بإعلانها في يوم الاحتفال في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، وانتهاءً بحصول الفائز على الجائزة حيث تجري مراسم العراك على الاسم تزامناً ومراسم الاحتفال”.
السلام والديناميت
“كل ما يرتبط بجائزة “نوبل للسلام” يرتبط بالحروب الفكرية. منبت الجائزة وأصلها وصاحب فكرتها هو رجل الأعمال السويدي ألفريد نوبل، مخترع الديناميت. والأسماء التي تُطرح للترشيح سراً تفجر الخلافات بتسريب بعضها. وتنصيب هذا أو ذاك حائزاً على جائزة نوبل للسلام هذا العام وكل عام يفجر مفاهيم متنافرة عن الحرب والسلام وما بينهما. ويتم منح جائزة نوبل للسلام، بحسب وصية ألفريد نوبل الذي خصص كل ثروته تقريباً لتمويل قيمة الجوائز عبر صندوق مخصص لها منذ عام 1901، “لمن بذل قصارى جهده لتعزيز أواصر الإخاء بين الأمم، وتسريح الجيوش أو خفض أعدادها الدائمة، وإنشاء هيئات أو مؤتمرات تروج للسلام”. هذا العام، تفجرت خلافات جائزة السلام بشكل غير مسبوق، فالحرب الدائرة رحاها في الشرق الأوسط والمتمددة شظاياها في أرجاء المنطقة الأكثر سخونة في العالم، في اللحظة التي تم النطق فيها بأسماء عدد من المرشحين”.
أونروا على رأس القائمة
“أحد الأسماء المرشحة، وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل لاجئي فلسطين، أو (أونروا)، وهو اسم ارتبط في عقول الملايين، بتقديم يد العون لملايين الفلسطينيين، في أوقات الحرب و(نصف السلم)، إذ يصعب القول إن اللاجئين الفلسطينيين نعموا بسلام دائم مذ أصبحوا لاجئين. في الوقت نفسه، وافق الكنيست الإسرائيلي بصفة مبدئية في يوليو (تموز) الماضي على تصنيف الوكالة (منظمة إرهابية).
(أونروا) المرشحة لنيل جائزة نوبل للسلام خضعت في الكنيست الإسرائيلي لمشروع عُرف في الإعلام باسم “ثلاثة في واحد”، إذ وافق الكنيست مبدئياً على منع الوكالة من العمل في الأراضي الإسرائيلية، وتجريد موظفيها من الحصانات والامتيازات القانونية التي يتم منحها لموظفي الأمم المتحدة في إسرائيل، وتصنيفها (منظمة إرهابية)”.
الإرهاب والترشيح
“المنظمة الإرهابية بين (المرشحين المفضلين) هذا العام، بحسب ما قال مدير معهد أبحاث السلام في العاصمة النروجية أوسلو، هنريك أوردال، لوكالات قبل أيام. وأضاف (هم ـ أونروا ـ يقومون بأعمال بالغة الأهمية لمصلحة المدنيين الفلسطينيين الذين يعانون من تداعيات الحرب في غزة). وبحسب قائمة المرشحين للجائزة والتي تم تحديثها من قبل أوردال مساء يوم الخميس (3 أكتوبر 2024)، فإن الوكالة التي تأسست في عام 1949 لتقديم المساعدة والتعليم والحماية للاجئين الفلسطينيين إلى حين التوصل إلى حل سياسي، يبلغ عدد موظفيها حالياً نحو 30 ألف موظف يقدمون الخدمات الضرورية لما يقرب من ستة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ودول الجوار. ويعتمد جميع سكان غزة تقريباً على الأونروا للحصول على المساعدة الأساسية، بما في ذلك الغذاء والماء. وأشار أوردال إلى أزمة التمويل الطاحنة التي بدأت الوكالة تواجهها قبل سنوات، والتي تفاقمت بسبب الحرب، وبشكل متزايد بفعل سحب الولايات المتحدة للتمويل المخصص لها في أعقاب (مزاعم) إسرائيل بأن 12 من موظفيها ضالعون في عملية السابع من أكتوبر”.
حماس و”أونروا”
“وقال أوردال إن الوكالة تعاملت مع تلك المزاعم بشكل جدي، وأجرت تحقيقاً داخلياً ومراجعة خارجية لإجراءاتها، مشيراً إلى أن لدى (أونروا) آليات رقابة واسعة النطاق، ولكن ليس (سياسة انعدام المخاطر). ولذلك، أنهت الوكالة توظيف أفراد من الذين ظهرت مؤشرات ربما تدل على صلتهم بـ (حماس). وأشار إلى أن عمل (أونروا) بالغ الأهمية لتجنب وقوع كارثة إنسانية في غزة، وأن منحها ومفوضها العام فيليب لازاريني جائزة نوبل للسلام من شأنه أن يبعث برسالة قوية حول دورها في دعم حياة الملايين من النساء والرجال والأطفال الفلسطينيين. يُشار إلى أن سياسياً نرويجياً أعلن في فبراير (شباط) الماضي، أنه رشح الوكالة للجائزة”.
غوتيريش مرشحاً
“وبين الأسماء الأخرى المرشحة، الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش الذي أعلنت إسرائيل قبل ساعات إنه (شخص غير مرغوب فيه). ونقلت وكالات عن أحد مؤرخي جائزة نوبل للسلام، أسل سفين، قوله إن رغبة اللجنة السرية لاختيار فائز يعكس الحاجة إلى ترسيخ قواعد النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، وهي القواعد التي تدعمها الأمم المتحدة ربما تدعم اسم غوتيريش، أو محكمة العدل الدولية”.
“العدل الدولية”
“وقد ورد اسم (محكمة العدل الدولية) ضمن قائمة أوردال، والتي لا تُعد قائمة نهائية. ويبلغ عدد الأسماء التي وردت لها ترشيحات نحو 286 اسماً. وقال أوردال عن (محكمة العدل الدولية) إنها تعمل على تعزيز السلام من خلال القانون الدولي، على نحو أشبه بتعزيز مؤتمرات السلام، وهو أحد الإنجازات المشار إليها في وصية ألفريد نوبل، مشيراً إلى أنه في حال رغبت لجنة نوبل في التأكيد على أهمية التعاون متعدد الأطراف من أجل تعزيز السلام، فإن محكمة العدل الدولية ستحصل على الجائزة.
وعلى رغم إقرار أوردال بأن البعض قد يرى منح جائزة نوبل للسلام لمحكمة العدل الدولية أمراً غير مثير للجدل، إلا أن المحكمة تصرفت بجرأة في يناير (كانون الثاني) الماضي، حين أمرت إسرائيل باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الإبادة الجماعية في قطاع غزة، إضافة إلى إصدارها أمراً رسمياً لروسيا في مارس (آذار) الماضي بـ (التعليق الفوري للعمليات العسكرية) في أوكرانيا. وأورد أوردال أسماء مرشحين مستحقين آخرين يعملون على تحقيق السلام عبر القانون الدولي مثل المحكمة الجنائية الدولية، وهيئات إقليمية معنية بحقوق الإنسان”.
الانتخابات والسودان
“وضمن الأسماء المطروحة ضمن قوائم (غير نهائية) (مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان) الذي يراقب الانتخابات في 57 دولة، لضمان إجرائها في أجواء حرة ونزيهة، (ما يجعلها مرشحاً مناسباً في هذا الوقت بالذات، إذ تستعد أعداد غير مسبوقة من البشر للتوجه إلى صناديق الانتخابات حول العالم، في عام انتخابي تاريخي)، بحسب أوردال. ويقول إن (توجه هذه الملايين للإدلاء بأصواتهم في وقت تتعرض الديمقراطية في أوروبا والعالم لضغوط كثيرة، نتيجة صعود الحركات غير الليبرالية والأنظمة الاستبدادية يجعل المكتب مرشحاً مناسباً).
وجاء اسم (غرف طوارئ الاستجابة في السودان) وهي ضمن المبادرات التي تقدم الدعم العاجل في ظل الصراع المسلح الذي اندلع في السودان في أبريل (نيسان) عام 2023 وتسبب في نزوح ما يزيد على عشرة ملايين شخص، وفرار نحو مليونين آخرين إلى دول مجاورة، وأزمة إنسانية ضمن الأشد في العالم.
واعتبر أوردال المؤسسات التعليمية جزءاً لا يتجزأ من دعم المجتمعات من أحل التسامح والديمقراطية، وهو ما يجعل كلاً من (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) ـ يونيسكو ـ و(مجلس أوروبا) مرشحين مناسبين، وذلك (للتأكيد على أهمية التعددية والتنوع في وجهات النظر لتطوير فهم وقبول المجموعات والمجتمعات المختلفة، والمساهمة في مواجهة الروايات الكاذبة والشوفينية)، بحسب ما كتب أوردال”.
الروبوتات والبشر
“ولا تخلو قائمة التكهنات من احتمالات غير كلاسيكية وغير معتادة، ومنها مثلاً تحالف المنظمات غير الحكومية (أوقفوا الروبوتات)، والذي يعمل على مواجهة ما يعتبره (خطراً وجودياً على البشرية متمثلاً في أنظمة أسلحة قادرة على العمل بشكل مستقل من دون سيطرة بشرية). وضمن الأسماء المطروحة أيضاً، البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وصانع الأفلام الوثائقية عن الحياة الطبيعية، ديفيد أتينبره”.
حفيظة إسرائيل
“وبالعودة إلى العالم بشكله الحالي حيث استمرار لعمل أنظمة أسلحة يسيطر عليها البشر وتقتل الآلاف منهم وتشرد الملايين، يُتوقع أن تثير قائمة المرشحين حفيظة وغضب واعتراض إسرائيل، لا سيما أن أغلب الأسماء المرشحة وأوفرها حظاً حازت على ترشحها بسبب عملها الإنساني لتخفيف الأضرار المميتة الناجمة عن تصرفات تل أبيب. من جهة أخرى، يلوح احتمال أبيض في سماء جائزة نوبل للسلام لهذا العام، الذي يعتبره خبراء حرب وسلام (العام الذي شهد أكبر عدد من الصراعات على مستوى الدول منذ عام 1946). كما أنه من أكثر الأعوام عنفاً منذ نهاية الحرب الباردة، إذ سجل العالم 59 صراعاً. الاحتمال الأبيض هو حجب تلك الجائزة لتناسب أجواء حجب السلام. مدير معهد استوكهولم لبحوث السلام الدولي دان سميث قال لـ (رويترز) ربما هذا هو العام الذي يجب على لجنة جائزة نوبل للسلام أن تحجب الجائزة، وأن تولي اهتمامها إلى حقيقة أن هذا كوكب متناحر”.
الكوكب المتناحر
“الكوكب متناحر بشكل غير مسبوق هذا العام، لكنه متجادل أيضاً منذ خرجت جائزة نوبل للسلام إلى النور. تحت عنوان شارح ودال وهو (جدلية الاستحقاق: لماذا تثير جائزة نوبل للسلام الجدل الأكبر؟) تحاول الباحثة آية عبد العزيز الإجابة عبر مقال تحليلي، تقول فيه إن الجدل يعود إلى أسباب يتعلق بعضها بمعايير الاختيار، والبعض الآخر يعود إلى اتساع نطاق مفهوم السلام ومعايير تطبيقه، وما يعتري هذا التطبيق من تناقضات، وما يوُجّه من انتقادات للعديد من الأسماء الفائزة. ودائماً يُثار نقاش مستعر حول جدارة أو أحقية أسماء بعينها للفوز بهذه الجائزة تحديداً.
بالنظر إلى المعايير الأساسية للاختيار، فقد نصت الفقرة العامة في وصية نوبل على وجوب منح الجائزة للذين قاموا بأكبر قدر أو أفضل عمل للتآخي بين الأمم، من أجل إلغاء أو تخفيض الجيوش الدائمة، ومن أجل الحفاظ على السلام وتعزيزه، في العام السابق، وهو الشرط الصعب، بحسب القائمين على الجائزة أنفسهم”.
صعوبة “في العام السابق”
“ويشير موقع جائزة نوبل إلى أن أصعب شرط يمكن الوفاء به هو (في العام السابق)، فيُنظر إلى الصياغة على أنها تتيح فرصاً للاختيار بين عمليات لم تصل بعد لنتائج نهائية، لكن فيها أدلة واضحة على حدوث تقدم للوصول إلى السلام. على سبيل المثال لا الحصر، حدث ذلك في عملية التحول الديمقراطي في جنوب أفريقيا إذ مُنحت الجائزة لنلسون مانديلا أشهر سجين ومناضل وهب حياته لإقرار السلام وإنهاء سياسة الفصل العنصري. وعلى رغم اعتبار حصول مانديلا على الجائزة أمراً غير قابل للجدال أو الخلاف، إلا أن الجدال والخلاف كانا من نصيب مشاركة (آخر زعيم أبيض) لجنوب أفريقيا، فريدريك فيليم دو كليرك، له في الجائزة. أما حجم الجدل الذي ثار في عام 1973، فكان ضمن الأعلى. فقد تم الإعلان عن منح الجائزة مناصفةً بين وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر، والمحارب الفيتنامي لي دون ثو. تسلم كيسنجر الجائزة، ورفض ثو تسلمها (لأنه لم يتم التوصل إلى السلام في فيتنام)، واستقال اثنان من أعضاء لجنة الجائزة، وفقدت الجائزة الكثير من مصداقيتها ومصداقية معايير الاختيار. ويكفي أن سمعة كيسنجر في العالم كانت وما زالت تتأرجح بين (عملاق الدبلوماسية) و(مجرم حرب).
حروب السلام
“سِجل جائزة نوبل للسلام حافل بالحروب. حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 لم تؤدِ إلى فوز الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بجائزة نوبل للسلام، لكنها أدت إلى قدرته على توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل من منطلق قوة الانتصار لا وهن الهزيمة، ومن ثم فوزه بالجائزة مناصفةً مع رئيس وزراء إسرائيل حينذاك مناحيم بيغن في عام 1978. هذه المرة، حفلت الجائزة بقدر مذهل من الجدل على شتى الأصعدة، وذلك بين دول عارضت معاهدة السلام، وأفراد رأوا في مشاركة الجائزة بين رئيس عربي ومسؤول إسرائيلي أمراً غير مقبول، وفريق ثالث رأي في الجائزة ذلك العام تطوراً تاريخياً في معضلة الشرق الأوسط المزمنة. وظن كثيرون إن الجائزة ترمز إلى نهاية الحروب في منطقة الشرق الأوسط”.
السادات وبيغن
“يشار إلى أن السادات اعتذر عن عدم السفر إلى النرويج لاستلام الجائزة، وأناب عنه مساعده سيد مرعي. وقد ذكر الكاتب الراحل أنيس منصور أن السادات أملاه خطاباً باسمه عبر فيه عن أمله (السادات) في أن يفوز الرئيس الأميركي السابق الراحل جيمي كارتر بجائزة نوبل للسلام. وجاء فيه: (أؤمن بمنتهى الصدق أن الرئيس جيمي كارتر مؤهل أكثر من أي إنسان ليفوز بجائزة نوبل، فلا أحد يجاريه في كفاحه المعروف من أجل نشر السلام والتفاهم بين الشعوب، فلم يحدث أن استطاع أي زعيم أن يفعل ما فعله وينجز ما أنجزه كارتر من أجل قضية السلام حتى يجد حلاً للقضية الفلسطينية … وأرى أن منحه جائزة نوبل للسلام سيكون عدلاً لقضية السلام العالمي والصداقة). لكن فاز بها السادات قبل كارتر الذي حصل عليها في عام 2002 (تقديراً لجهوده في تعزيز السلام والوساطة وحقوق الإنسان والرعاية الاجتماعية). وذكر منصور أن (السادات لم يُسعد كثيراً عندما منحته مؤسسة نوبل جائزة السلام مناصفةً مع بيغن. وكان يرى أن يفوز بها وحده، أو يفوز كل منهما بجائزة).
وبعد حصول السادات على الجائزة بثلاثة أعوام، اغتيل على أيدي (متشددين) اعتراضاً على توقيع السلام. أما بيغن، شريك الجائزة، فقد أمر بغزو لبنان بعدها بأربعة أعوام”.
تحريك الخلاف
“ومضت جائزة نوبل للسلام قدماً في تفجير الجدل وتحريك الخلاف. في عام 1994، حصل الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على الجائزة بالاشتراك مع كل من شيمون بيريز وإسحاق رابين، تقديراً لاتفاقات أوسلو للسلام، التي لم تفض إلى سلام. بعدها بعام، اغتيل رابين على يدي يهودي يميني متطرف. وضمن غرائب الجائزة، حصول زعيمة ميانمار أونغ سان سو كي عليها في عام 1991 وذلك (تكريماً واعترافاً بنضالها السلمي من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان). بعدها، بنحو عقد، كانت تقف أمام محكمة العدل الدولية تدافع عن نفسها في ما تم توجيهه لها من اتهامات بأنه ربما وقعت جرائم حرب في حق أقلية الروهينغا المسلمة تصل إلى درجة الإبادة الجماعية في ظل حكمها. وعلى رغم أنها قالت إنه ربما تكون جرائم حرب حدثت بالفعل، لكن هناك مبالغة في وصف حجم الانتهاكات، وأن ميانمار وقعت ضحية روايات لا أساس لها من الصحة. وفي عام 2022، حكمت عليها محكمة عسكرية في ميانمار بالسجن لسبع سنوات في قضايا فساد، أضيفت إلى سنوات أخرى حكم عليها فيها بالسجن ليصل مجموعها إلى 33عاماً”.
العراق والبرادعي والتهديد النووي
“حصول الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الناشط السياسي المصري، محمد البرادعي على جائزة نوبل للسلام في عام 2005 أثار أيضاً قدراً كبيراً من (القيل والقال). فبين متهم إياه بالتواطؤ أو السكوت على غزو العراق وتدميره بحجة امتلاكه أسلحة نووية، ومدافع عنه بأنه لم يتواطأ يوماً ضد العراق، حصل البرادعي على الجائزة مع ( الوكالة الدولية للطاقة الذرية اعترافاً بجهود احتواء انتشار الأسلحة النووية). وعلى رغم أنه لم يتم العثور على أسلحة نووية في العراق، وعلى رغم تأكيد البرادعي مراراً وقبل حصوله على الجائزة أن الوكالة لم تعثر على أية أدلة تفيد بأن العراق استأنف برامج تطوير أسلحة نووية والتي كان أوقفها في مطلع التسعينيات، وحاجة الوكالة إلى مزيد من الوقت للتأكد على وجه اليقين مما إذا كان العراق يمتلك أسلحة نووية أم لا، إلا أن نادراً ما يتطرق أحد للمسألة هذه الأيام”.
دهشة أوباما
“وتظل ملابسات حصول الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على جائزة نوبل للسلام هي الأكثر طرافة. فبعد أقل من عام على تقلده منصب الرئاسة، فوجئ أوباما بنبأ فوزه بالجائزة. وإضافة لمفارقة زيادة عديد القوات الأميركية في أفغانستان في ذلك العام بثلاثة أضعاف، وعلى رغم حديثه عن حق بلاده في خوض الحروب (العادلة)، وأن قبوله الجائزة لا يعني أبداً أن يقف مكتوف اليدين أمام التهديدات التي تواجه الشعب الأميركي، وأنه على رغم إعجابه بأفكار غاندي، ومارتن لوثر كينغ عن اللاعنف، إلا أن اللجوء إلى القوة أحياناً لا يكون ضرورياً، بل مبرراً أخلاقياً، إلا أن حديثه أثناء استلام الجائزة عن الجدل الذي ثار بسبب فوزه بها واندهاشه شخصياً تحول إلى أيقونة لا تخلو من سخرية”.
اختلاف مفاهيم السلام
“تلخص الباحثة آية عبد العزيز أسباب الجدل المصاحب لجائزة نوبل للسلام في أربع نقاط، وقالت إن (حصول مسؤولين وساسة ومنظمات تقديراً لما يفترض إنها جهود لتعزيز السلام أمر غير متوافق عليه، فما يبدو سلاماً للبعض هو حرب أو فرض قوة للبعض الآخر. كما أن مفهوم السلام نفسه مختلَف عليه. لم يعد السلام يقتصر على عكس الحرب، ولكنه يشمل قضايا مثل تغير المناخ والتفرقة العنصرية وغيرها وجميعها قضايا لا تحظى بالضرورة على الإجماع). وأضافت (كما أن معايير السلام التي تُمنح الجائزة على أساسها لا تكون مستدامة دائماً، بمعنى أن مؤتمرات وهيئات حصلت على الجائزة لدورها في السلام أو نزع السلاح أو غيرها لا تضمن استمرار هذا السلام. والدليل هو أن العديد من الصراعات ما زال قائماً، وصراعات جديدة تنشأ، وأزمات اللاجئين تتفاقم، وفجوات المعايير تتزايد). وتشير عبد العزيز إلى أنه (على رغم سعي الجائزة لإقناع العالم بأنها غير مسيسة، وإنها لا تقع تحت تأثير حكومات أو غيرها، إلا أن وجهات نظر واختيارات اللجنة المكلفة بالاختيار دائماً تثير الجدل الشديد). جدل استمرار حرب غزة، ومعضلة توسع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، وتدهور الأوضاع في حرب السودان، وقرب دخول حرب أوكرانيا عامها الثالث، وصمت دول كبرى، وتجاهل أخرى لدورها في وقف العنف، وشعور عارم بأن معايير مزدوجة تهمين على العالم، وتلويح البعض بـ (تبييض) جائزة هذا العام كنوع من لفت الانتباه إلى السلام المغدور أمور تهيمن على جائزة نوبل للسلام هذا العام”.