تقارير منوعة

نتنياهو لا يقول لكم الحقيقة، ولهذا السبب نخسر المخطوفين

الجيش لا يملك القدرة على تفكيك حزب الله، وما يقوم به المستويان السياسي والعسكري هو زرع الأوهام في أوساط الجمهور ونشر الأكاذيب ببرود. لا يمكن الانتصار في الحرب باستعمال الطائرات فقط، ولو تحققت نجاحات كبيرة في العمليات. المستويان السياسي والعسكري ما زالا ينشران مبررات مختلفة لوقف الحرب، بدلاً من قول الحقيقة العارية بأن السبب الوحيد الذي دفعهم إلى الذهاب نحو الاتفاق هو عدم قدرة الجيش على إخضاع حزب الله.

كتب اللواء احتياط ” يتسحاق بريك” ـ قائد الفرقة النظامية 36 والفيلق الجنوبي 441 والاستاذ في الكليات العسكرية وشغل لمدة عشر سنوات منصب مفوض شكاوى الجنود ـ مقالاً تحت العنوان أعلاه نشرته “معاريف” مؤخراً، استهله بالقول: “الأكاذيب التي نشرها المستويان السياسي والعسكري على الجمهور، والتي تعتمد أساساً على فكرة أن الجيش بات على أعتاب إخضاع تنظيم حزب الله (الإرهابي) (على الرغم من أنهم يعرفون بشكل واضح أن الجيش لا يملك القدرة على إخضاعه)، هو ما دفعهم في نهاية المطاف إلى الشرح لماذا يجب التوصل إلى ترتيبات، معناها عدم إخضاع التنظيم (الإرهابي). بدأت القصة مع النجاح في تفجير أجهزة البيجر، وبعدها، كان هناك نجاحات كبيرة، وبصورة خاصة لدى سلاح الجو، في اغتيال نصر الله والمحيطين به، والضربات الصعبة التي تم توجيهها إلى الأدوات القتالية وتسليح حزب الله. أنا أفترض أن الجمهور يتذكر الاحتفالات وفرَح المستويَين السياسي والعسكري بهزيمة حزب الله، وضمنهم الجنرالات المتقاعدون ومراسلو البلاط. ليس هذا فقط، بل اعتقدوا أن الجيش على بُعد خطوة من إخضاع الحزب نهائياً: (نحن على عتبة إخضاع المنطقة برمتها، ولن نتوقف عن القتال حتى يتم تفكيك حزب الله ونزع سلاحه والتوقف عن كونه (تنظيماً إرهابياً). قال بنيامين نتنياهو بصوته: إننا لن ننسحب من لبنان حتى إخضاع حزب الله نهائياً. وقال قبل بضعة أشهر، إنه حتى لو توصلنا إلى ترتيبات سياسية وانسحبت قواتنا من لبنان: (لن نستطيع تجديد القتال، حتى لو خرق حزب الله الاتفاق لأننا لا نعيش وحدنا، والضغوط الدولية لن تسمح لنا بذلك). صدّق الجمهور كل الأقوال المبالَغ فيها التي صدرت عن رئيس الحكومة، ونواب البرلمان، ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان، والتي أفادت بأننا سننتصر على حزب الله بعد قليل. هذا على الرغم من أن رئيس الحكومة ورئيس هيئة الأركان كانا يعرفان جيداً، طوال الحرب، أن الجيش لا يملك القوة لإخضاع حزب الله. لقد صرّحا بهذه التصريحات الواهمة لخلق صورة إيجابية وصورة نصر في عيون الجمهور، ولم تكن الحقيقة هي ما يقودهم”.

واستطرد بريك قائلاً: “تصريحات هليفي ونتنياهو بشأن إخضاع حزب الله قريباً خلقت آمالاً كبيرة لدى رؤساء السلطات المحلية وسكان الشمال بأن إخضاع حزب الله القريب سيعيد لهم الأمان، وسيستطيعون العودة إلى بلداتهم وأرزاقهم. أنا كنت الوحيد الذي قلت في كل منصة، في التلفاز والراديو والبودكاست والمقالات في الصحف، إن الجيش لا يملك القدرة على تفكيك حزب الله، وما يقوم به المستويان السياسي والعسكري هو زرع الأوهام في أوساط الجمهور ونشر الأكاذيب ببرود. وأضفت أيضاً أنه لا يمكن الانتصار في الحرب باستعمال الطائرات فقط، ولو تحققت نجاحات كبيرة في العمليات. وحسبما هو معروف، حال سلاح البر سيئ على صعيد الاستنزاف والموارد البشرية، وأيضاً قطع الغيار، وعلى صعيد استعمال الأدوات القتالية المستنزفة قدراتها، هي الأُخرى. لذلك، فإن الجيش لا يستطيع الدخول في مناورة برية في عُمق لبنان لإخضاع حزب الله المنتشر في طول لبنان وعرضه (مئات الكيلومترات). لو دخل الجيش إلى عُمق لبنان، بعد وقت قصير، لكان سيتوجب عليه إخلاء المناطق التي احتلها لأنه يحتاج إلى القوات، بعد التقليصات الواسعة في سلاح البر خلال العشرين عاماً الماضية. وأضفت أيضاً أن الاتفاق السياسي، بوساطة أميركية، هو الشيء الوحيد الذي سيسمح بالخروج من الفوضى وتهدئة المنطقة. وبعد هذا الاتفاق، سيكون لدينا الوقت لترميم الجيش عموماً، وسلاح البر بشكل خاص؛ علينا أيضاً ترميم الدولة وإعادة النازحين والمخطوفين إلى منازلهم. لم تؤثر أقوالي في عدد الأساطير والشعارات التي وزعها المستويان السياسي والعسكري بشأن انتصارنا القريب على حزب الله. وفقط بعد أن فهم المستويان السياسي والعسكري أنه لا يمكن الاستمرار في استعمال سلاح البر، المستنزف أصلاً، وقتاً طويلاً في القتال في لبنان، أُرغم الجيش والمستوى السياسي على اتخاذ القرار في نهاية المطاف بشأن إخراج الجيش من لبنان من دون إنجاز إخضاع العدو. ليس هذا فقط، بل إنهم لم يتخذوا القرار إلّا بعد أن فهموا أن القتال يفكك الشمال، ويجرّ الدولة إلى الانهيار، فاختاروا الأقل سوءاً – الاتفاق السياسي. وعلى الرغم من هذا كله، فإن المستويين السياسي والعسكري ما زالا ينشران مبررات مختلفة لوقف الحرب، بدلاً من قول الحقيقة العارية بأن السبب الوحيد الذي دفعهم إلى الذهاب نحو الاتفاق هو عدم قدرة الجيش على إخضاع حزب الله. صرّح بنيامين نتنياهو، المرة تلو الأُخرى، بأن إخضاع حزب الله هو عنوان الحرب. وعاد وقال إن حزب الله هو النواة الصلبة لإيران في منطقتنا، وإذا فككناه، فلن يتوقف أحد في طريقنا. أُرغم نتنياهو على التنازل عن إخضاع العدو المركزي على حدودنا برمشة عين، والآن، يروي للجمهور قصصاً مختلفة تبرر سبب ذهابه إلى اتفاق سياسي؛ والسؤال المطروح هو: لماذا انقلب 180 درجة على تصريحاته السابقة؟ إن لم يقُل الحقيقة حتى الآن، فمن سيصدق شروحاته بشأن أسباب انسحاب الجيش من لبنان، والتي ذكرها مساء 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2024؟ لقد كذب المستويان العسكري والسياسي على الجمهور، بمساعدة أبواقهما الإعلامية التي احتفلت بالانتصارات، المرة تلو الأُخرى، وقال هؤلاء إن الجيش يستطيع القيام بكل شيء، وسيجلب لهم الهدوء أعواماً طويلة، بعد إخضاع حزب الله، وصدّقهم الجمهور من كل قلبه. الآن، لا يريد الجمهور قبول التحول الذي حدث في القصة، بعد أن أدرك الحقيقة، ولا يريد الموافقة على اتفاق سياسي مختلف كلياً عن القصص التي رُويت له سابقاً”.

وختم مقاله بالقول: “وبشأن حاجة الجيش إلى البقاء في قطاع غزة، تذكروا أيضاً أن نتنياهو لا يقول لكم الحقيقة مرة أُخرى، ونحن نخسر بقية المخطوفين الأحياء في الأنفاق المظلمة والخنق والإذلال، بسبب هذه الأكاذيب التي ينشرها رئيس الحكومة والمحيطون به. نتنياهو يقول للجمهور أيضاً إن (حماس) ستبقى وحيدة في المعركة، بعد الاتفاق مع لبنان، وسيكون من السهل أكثر التوصل إلى اتفاق بشأن إعادة المخطوفين، حتى لو لم يخرج الجيش من قطاع غزة. نتنياهو، أنا أريد أن أقول لك: (بسبب سياستك الفاشلة، مات المخطوفون في الأنفاق، وبسبب استمرار سياساتك أيضاً، سيعود مَن تبقى في التوابيت). لن نسامحك قط، ولن نسامح رئيس حكومة يستمر في الحرب بسبب مصالحه الضيقة وبقائه السياسي، لتفادي تفكيك بن غفير وسموتريتش حكومته. إنه يُلحق الضرر الحرج بالقيم المقدسة لشعب إسرائيل، والتي تنص على أننا لا نترك الأصدقاء في ساحة المعركة، إنهم من لحمنا ودمنا، ولا يجب أن نتركهم ينزفون ويموتون. سيكون لهذا إسقاطات صعبة جداً في المستقبل، حين سيتوجب على الشبان وضع أمنهم الشخصي في خطر، حينها، سيتخوفون من أن يُتركوا وحيدين لمصيرهم، كما ترك نتنياهو المخطوفين في الأنفاق. خلال أحاديثي مع نتنياهو، قلت له: (لا تنتظر اللحظة التي ستُرغَم فيها على ترك مناطق قمت باحتلالها، حينها، ستبدو كأنها هزيمة، وها هي اللحظة وصلت). في نهاية المطاف، الآن، نتعلم جميعنا درساً مهماً بشأن توزيع الأكاذيب، إذ تعود هذه الأكاذيب في نهاية المطاف بشكل دائري إلى الكاذبين، وتكون عقبة في طريقهم”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى