صحافة وآراء

الصعود نحو الهاوية.. سُعار “الكيان”.. من “التطبيع” إلى “التطويع”؟!

فضل المهلوس

ما أقدم عليه “الكيان” العدواني المتغطرس في سوريا منذ لحظة سقوط النظام السوري فجر الثامن من الشهر الجاري، من التنصل من الالتزام بقرار فض الاشتباك الأممي بينه وبين سوريا الذي وقّعه وصادق عليه منذ أكثر من خمسين عاماً -1974- وحافظت على التزامها به بحذافيره الدولة السورية. ومن القضم المتواصل للأراضي السورية، وتدمير كافة مقدّرات الجيش العربي السوري البرية والجوية والبحرية على كامل جغرافيا الدولة السورية، تحت مسمّى عملية “سهم الباشان” وفق الخرافات التوراتية والتلمودية المزعومة.. يوجّه الضربة القاضية لدعاة “السلام الإبراهيمي” المزعوم واللاهثين خلف “التطبيع” الموهوم، بل ويسقط مزاعم المتمسّكين بكافة ما يُدعى “اتفاقيات السلام” التاريخية الموقّعة مع هذا “الكيان” المارق الذي لا عهد له، ولا وفاء يُرجى منه، ولا التزام حتى بما وقّعه وصادق عليه من اتفاقيات أقرّتها وأشرفت عليها المنظومة الدولية بشتى مؤسساتها، من فض الاشتباك إلى كامب ديفيد، مروراً بأوسلو ووادي عربة، وليس انتهاءً بوقف إطلاق النار الأخير في لبنان…

وبطبيعة الحال، فإن هذه الخلاصات لم تكن تحتاج عملية “الباشان” التوسعية لتأكيدها، فقد سبقتها مؤشرات كثيرة تدل على ولادة “إسرائيل” الجديدة التي ترفض من حيث المبدأ جملة وتفصيلاً مفردات “السلام” و “مبادلة الأرض بالسلام” و “الدولة الفلسطينية” وحتى “السلطة الفلسطينية”. مثلما ترفض بالمطلق مجرّد مناقشة قضايا “عودة اللاجئين الفلسطينيين” و”الحدود”، فالعودة لفلسطين حكراً لليهود حصراً، وحدود “الكيان” حيث يطأ البسطار العسكري لجنوده حتى ولو تجاوز شعار “حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل”…

لعل المؤشّر المفصلي الأول في هذا التحوّل المنطقي والطبيعي لهذا “الكيان” المجرم، قد تمظهر فعليّاً يوم 4/11/1995 عندما أقدم “إيجال عامير” على اغتيال رئيس وزرائه “اسحق رابين” القائد الصهيوني التاريخي وأحد أعمدة “البالماخ” المتفرّعة من عصابة “الهاجاناة” المؤسسِّة لدولة “الكيان”، حيث تمّ قتله بتهمة “الخيانة” والتنازل عن أجزاء من “أرض إسرائيل” التي حرّض عليها واتهمه بها الليكود بزعامة نتنياهو بسبب موافقته على “أوسلو” الموقعّة في 13/9/1993 وتشكيل “السلطة الفلسطينية”، ثم توقيعه على معاهدة “السلام” مع المملكة الإردنية الهاشمية المعروفة باسم “وادي عربة” يوم 26/10/ 1994. ثم اتفاقية المعابر 2005 ومحور فيلادلفيا التي أُلحقت بكامب ديفيد وباتت جزءاً منها وخطاً أحمر بحسب التصريحات الرسمية المصرية. وللتوضيح وإزالة إلتباس البعض، تجدر الإشارة إلى أن الانسحاب الإحادي الجانب من قطاع غزة الذي اقترحه شارون عام2003، واعتمدته الحكومة في حزيران 2004 وصادق عليه البرلمان “الكنيست” في شباط 2005 كقانون تنفيذ خطة الانسحاب.. كان بهدف عزل غزة، وتجنّب الضغط الدولي للوصول إلى تسوية سياسية مع الشعب الفلسطيني، وفرض “الدولة الفلسطينية”، خصوصاً بعد إعلان الرئيس الأمريكي حينها جورج بوش في كلمة ألقاها يوم 24/6/2002 عن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع “إسرائيل” في سلام، وتبنّي اللجنة الرباعية بشأن الشرق الأوسط المؤلّفة من: الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا، والأمم المتحدة لما سمّي “خارطة الطريق للسلام” استناداً لذلك…

المؤشر المفصلي الثاني تجلّى في مصادقة “الكنيست” في 19/7/2018 على قانون الدولة القومية اليهودية بأغلبية 62 ومعارضة 55 وامتناع نائبين عن التصويت، وهو ما أنهى إلى غير رجعة أكذوبة “واحة الديمقراطية في الصحراء العربية” وقونن حقيقة “كيان الأبارتهايد” العنصري، وأجهز على أية طروحات مستقبلية للدولة وحتى السلطة الفلسطينية، وحق “عودة اللاجئين الفلسطينيين” و”القدس”، وهدف إلى تكريس تهويد فلسطين أرضاً وعاصمة ولغة وثقافة وحتى تسمية الأماكن بما يتناقض مع كافة القرارات الدولية والقانون الإنساني الدولي، وقد اعتبره نتنياهو نصراً تاريخياً له شخصياً وللصهيونية “التصحيحية” التي أسسها اليهودي الملحد “زئيف جابونتسكي” المولود في مدينة أوديسا الأوكرانية والتي كانت حينها ضمن روسيا القيصرية، والأب الروحي لعصابة “أرغون” الإجرامية، وصاحب فكرة “الجدار الحديدي” الذي لا يمكن للسكان الأصليين اختراقه، ومقولة “ما لم تحصل عليه بالقوة تحصل عليه بالمزيد من القوة”، والذي رفض مساعي حكومة الانتداب البريطاني لتقسيم فلسطين داعياً إلى رفض الاكتفاء بإقامة “لإسرائيل” على أرض فلسطين وحدها بل توسيعها إلى الأردن وصحراء سوريا. ويعتبر “جابونتسكي” الملهم والمثل الأعلى لنتنياهو الذي كان والده من قبله أحد شركائه، ومن هنا يمكن أن نستوعب تحالفه مع الصهيونية الدينية لدرجة الاندماج حالياً، والتي يمثّلها كلاً من بن غفير وسموتريتش التي تتبنّى خرافات التوراة والتلمود “حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل”، بل ذهب سموتريتش إلى اعتبار الاستيلاء على اسطنبول أحد أهدافه التي سيتفاجأ العالم بتحقّقها قريباً…

وقد جاءت مجريات الأحداث بعد “طوفان الأقصى” لتجعل من عدّاد المؤشرات يصل إلى أرقام قياسية لا حصر لها، سوءاً بالأفعال على الأرض أو بالتصريحات العنجهية المتغطرسة، وما أكثرها. لتقنع العالم أجمع وليس العرب والمسلمين باستحالة التعايش السلمي مع هذا “الكيان” البربري المعادي للبشرية جمعاء، والقائم على “القوة والمزيد من القوة” و”حد السيف” وفرض إرادته ليس على الشرق الأوسط فحسب، وإنما على العالم شعوباً وحكومات، وبدعم أمريكي وغربي منقطع النظير، في حرب يعتبرونها وجودية وفق المنطق الشكسبيري: “نكون أو لا نكون”.. والغريب أن المعتدى عليهم وأصحاب الحقوق لم يعتبرونها كذلك بعد، بل وما زالوا يصدّقون حملة العلاقات العامة التسويقية والتخديرية الأمريكية والغربية حول “السلام” واتفاقياته المختلفة و”التطبيع”، رغم أن كافة المؤشرات والأحداث والوقائع تؤكد بجلاء وبما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل، رفض “الكيان” بمختلف مكوّناته لأي “سلام” وحتى لأي “تطبيع” لا تكون له “القوة المطلقة” و”اليد الطولى” بل و”التطويع” القهري للجميع…

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى